23 - 04 - 2024

في كتابه عار الجوع.. الأمريكي ديفيد ريف: نظام الغذاء العالمي برمته مريض وآثار أزمته ستكون أشد وأكثر دمارا للفقراء

في كتابه عار الجوع.. الأمريكي ديفيد ريف: نظام الغذاء العالمي برمته مريض وآثار أزمته ستكون أشد وأكثر دمارا للفقراء

فاقمت الحرب الروسية الأوكرانية والتدهور البيئي والمناخي جنبا إلى جنب الاضطرابات السياسية والاقتصادية والتوجهات الخاطئة على مستوى الدول الرأسمالية المتقدمة والنامية على السواء من أزمة الأمن الغذائي أو "أزمة الجوع"، حتى أصبحت من وجهة نظر الخبراء تشكل التهديد الأكبر للعالم في القرن الحادي والعشرين.. وهنا يأتي السؤال الذي يطرحه ديفيد ريف المحلل السياسي الأمريكي والخبير البارز في مجال المساعدات الإنسانية والتنمية: لماذا أخفق العالم في إيجاد حل لأزمة الجوع في القرن الحادي والعشرين؟. وذلك في كتاب "عار الجوع.. الغذاء والعدالة والمال في القرن الحادي والعشرين"، حيث يسعى إلى تقييم ما إذا كانت نهاية الفقر المدقع والجوع المنتشر على نطاق واسع باتت في متناول أيدينا كما بشرتنا الوعود المتزايدة لزعماء ورؤساء العالم ومستشاريهم.

يرى ريف في كتابه، الذي ترجمه أحمد عبدالحميد أحمد وصدر عن سلسلة عالم المعرفة، أن الجوع والفقر مترابطان ولا يمكن أن ينفصل أحدهما عن الآخر، وعلى الرغم من العديد من النجاحات الحقيقية للجهود الرامية إلى الحد من الفقر في أجزاء كثيرة في جنوب الكرة الأرضية، فإن من غير المرجح إلى حد كبير أن تظل هذه المكاسب مستدامة إذا ما فاقت الارتفاعات في أسعار المواد الغذائية الأساسية، على نحو كبير، الزيادات في الدخول لدى الفقراء نتيجة لسياسات التنمية السليمة. وذاك هو السبب، لو افترضنا على الأقل صحة استنتاج أوتوفيانو كانوتو الخبير المسؤول في البنك الدولي التي تلقى الآن القبول على نطاق واسع، في أنه لن يكون من قبيل المغالاة القول بأن نظام الغذاء العالمي برمته مريض بشدة، وأن السؤال المركزي يكمن في كيفية إصلاحه، ما لم يكن قد فات الآوان للاضطلاع بذلك.

وينتقد ريف الافتراضات التي دعمت الغذاء العالمي في الجزء الأخير من القرن العشرين مؤكدا أنها كانت مخطئة "إن الدليل على التوجه الدائم الجديد نحو أسعار أعلى للغذاء قد تراكم إلى حد أنه وصل الآن إلى نقطة يبدو معها أنه دليل دامغ لا يقبل الجدل".

ويقول "لو كان المرء متفائلا لكان من الممكن القول إن أزمة 2007 ـ 2008 علمتنا على الأقل أن نطرح الأسئلة الصحيحة بشكأن مشكلة الجوع، ولكن سواء كانت دول ـ غنية أو نامية أو فقيرة ـ ستصبح قادرة على الوصول إلى الإجابات الصحيحة، هو أمر مختلف تماما. ومن المهم توضيح أن معسكر المتفائلين، ونظرا إلى تشاؤمي الخاص إزاء هذه الأسئلة، يضم كثيرا من الأشخاص الأكثر نبوغا الذين يعملون الآن لدى الحكومات، قطاع الأعمال الخيرية، وعالم المنظمات غير الحكومية، وفي مجال العلوم، وهؤلاء مقتنعون أنه بات من الممكن الآن، ربما للمرة الأولى في التاريخ البشري، إصلاح نظام الغذاء العالمي وجعل التنمية الزراعية العالمية المستدامة حقيقة دائمة. 

وفي الحقيقة فإن العديد من هؤلاء الرجال والنساء قد صاروا ملتزمين بشكل متزايد بجداول زمنية تفترض "إنهاء الجوع" قبل تاريخ معين من العقود المقبلة. وهذا الاعتقاد راسخ في الحقيقة التي لا يمكن انكارها ومفادها أنه في المجتمع الدولي ـ "هناك تشنج فكري مؤسف بشأن عالم المعونة والتنمية يتمثل في اعتماده على كليشيهات ورعة وإلى حد كبير غير مدروسة حول الحوكمة العالمي ـ أخذ يولي الزراعة اهتمامه مرة أخرى. فقد بدأ ضخ الاستثمارات وبات التركيز ينصب الآن على المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة وعائلاتهم ـ وهو ربما الأمر الأكثر أهمية ـ بدلا من التركيز على الزراعة الصناعية. لأن هؤلاء هم الذي يشكلون الأغلبية الكاسحة من الناس الذين يعملون في الأراضي في العالم الفقير وبصفته رئيسا سابقا للوكالة الدولية، جادل راجيف شاه بأن "العالم يولي تعزيز الأمن الغذائي التزاما دوليا مرة أخرى".

ويتسال ريف: هل من ضمان لمثل هذه الآمال؟. ويقول "في بعض الحالات مثل إذا ما كانت الأسس الزراعية التي يرتكز عليها هذا الازدهار الجديد في آسيا وأمريكا اللاتينية ستبقى صامدة أو ستبرهن على أنها وهمية. والإجابة عن هذا السؤال تصعب معرفتها، وسيكون من قبيل الحماقة النظاهر بخلاف ذلك. في المقابل، من الواضح أن محاولة الحيلولة دون الكارثة العالمية، التي قد تنبأ بها البعض من أكثر الأعضاء تشددا في الحركة الخضراء والتي كانت ستحدث، من شأنها أن تؤدي إلى بؤس عالمي إلى درجة أن مجرد الحديث عن الأسواق سيعد رسما لسيناريو وردي للغاية.

ويلفت إلى أنه من غير المرجح أن تتغير الأسباب الكامنة وراء الارتفاع الدائم في أسعار المواد الغذائية. فعدد سكان العالم آخذ في الارتفاع، في حين أن قوى مثل الصين والبرازيل قد وجدت أن من الصعوبة بشكل متزايد المحافظة على معدلات النمو التي اعتمدت عليها الطفرة الأولى من الرخاء الذي تحقق لديها. ويبدو من غير المحتمل أن صعوبات كهذه سوف تتناقص في أي وقت في المستقبل القريب. في الوقت نفسه فإن أحداث الطقس القاسية سواء كانت هذه مرتبطة بالتغير المناخي أولا، يبدو أنها تزداد بدلا من أن تستقر، وهو ما يضع مزيدا من الضغوط على نظام الغذاء العالمي. كما أنه لا يوجد قدر قليل من الشكوك حيال الدور الذي يؤديه تغير المناخ في ظاهرة التصحر في أجزاء كبيرة في العالم.

ويوضح ريف أن ذلك هو الوضع على الأرض في الجزء الجنوبي من العالم. في الوقت ذاته فإن هيكل أسواق السلع العالمية في الجزء الشمالي من العالم يستمر في إعطاء المكافأة بدلا من تنشيط عملية المضاربة على الأسعار الآجلة للمواد الغذائية الأساسية، ومن ثم فإنه لا يقدم شيئا سوى أنه يضمن التقلب المستمر في الأسعار. وفي كل عام وعلى الرغم من الأسئلة التي تطرح على نحو متزايد بشأن الحكمة من وراء هذه الممارسة، نجد أن نسبة كبيرة من محصول الذرة في العالم مازالت تذهب إلى إنتاج الإيثانول المستخدم في البنزين بدلا من إدخاله في صنع المواد الغذائية أو استخدامه كعلف لإطعام الماشية. 

وحتى الآن، يتبين أن انعدام الكفاءة، وعلى الصعيد العالمي خطر امدادات الغذاء العالمية، ومن الحقائق التي يكاد لا يمكن إنكاره. وفي المتوسط، يتطلب الأمر عشرة أرطال تقريبا من ذرة الطعام لانتاج رطل واحد من اللحم البقري، وقد لخص الكاتب مايكل بولان هذا الوضع على نحو جيد حين كتب يقول "سيكون هناك كثير من الحبوب لكل شخص لو أننا أكلناها كطعام ولم نستخدمها في صنع اللحم". وفي الوقت نفسه فإن كثيرا من محصول الذرة في العالم مازال يحول إلى صناعة الوقود التي تركز على الإيثانول. وبينما تعرضت هذه السياسة لهجوم متزايد في العقد الماضي، فإننا نجد أنه حتى الآن، على الأقل، قد نجحت الجماعات الداعمة لتحويله إلى الإيثانول في أوروبا والأمريكتين نسبيا في الحفاظ على هذا الوضع الراهن الذي ينم عن الإسراف للغاية.

ويشير إلى أن عدم كفاية الامداد من الغذاء بشكل متزايد والذي قد رافق الارتفاع في أسعار الأغذية الأساسية يعد مشكلة عالمية. لكن وكما هو الحال تقريبا مع تحد عالمي كبيرفإن ما قد صار مشكلة حتى بالنسبة إلى معظم الناس في العالم الغني تحول الآن إلى كارثة في طور التكوين بالنسبة إلى الأشخاص الأكثر فقرا بيننا، وهم الثلاثة مليارات شخص ممن يعيشون على أقل من دولارين يوميا. 

ويؤكد ريف إنه في حال استمرار ارتفاع أسعار الأغذية الأساسية في السوق العالمية، فإن قدرة الفقراء على تحمل تكلفة الغذاء الذي يحتاجون إليه لإطعام أنفسهم على نحو صحيح ستصبح ضعيفة بشكل متزايد. وحتى لو استقرت الأسعار عند مستوياتها المرتفعة الحالية، فإن فرص استنساخ مستويات النجاح السابقة لإخراج المزيد من الناس من دائرة الفقر سوف تتقلص إلى حد كبير. 

أن تتوقع للأشخاص الذين لم يحصلوا على ما يكفيهم من طعام وهم أطفال أن يزدهروا وهم بالغون، بغض النظر عن النظام الغذائي الاقتصادي الذي يعيشون في ظله، هو أنقى تفكير وهمي بشأن النظام الغذائي العالمي الذي يعاني بالفعل من أزمة الوصول المتفاقمة بشكل مطرد، والتي لا تظهر أي علامة على التراجع. أما نتائج هذه الأزمة فمن الممكن التنبؤ بها تماما. فهي ستضمن أن الفجوة بين النصف الذي يملك والنصف الآخر الذي لا يملك في هذا العالم بالنسبة إلى الوصول إلى معظم الاحتياجات الإنسانية الأساسية ـ الطعام ومياه الشرب التي يشتق منها أيضا كل شيء ـ سوف تنمو على نطاق أوسع، وأن عالمنا غير العادل سيزداد ظلما.

ويرى ريف أنه على الرغم من أن الصورة مرعبة، فإن هذا الظلم الذي يتعمق أكثر فأكثر هو بالكاد أسوأ شيء يجب أن نخشاه؛ ذلك أنه ما لم تحدث تغييرات كبيرة ومهمة في نظام الغذاء العالمي، يمكن أن تحدث أزمة في إمداد الغذاء العالمي برمته في وقت ما بين العام 2030 والعام 2050، عندما، ووفقا لأكثر التقديرات تحفظا، سيكون عدد سكان العالم قد ارتفع من 7 مليارات نسمة في العام 2012 إلى 9 أو ربما 10 مليارات. 

إذا حدثت هذه الأزمة سواء كان هذا نتيجة للنمو السكاني وحده أو النمو السكاني المتفاعل مع التآزر الخبيث للارتفاع المحتمل في كل درجات الحرارة العالمية ومستويات البحار حول العالم من جراء تغير المناخ البشري المنشأ (الذي تكون فيه الزيادة السكانية ذاتها عاملا مهما) فإن الآثار في الفقراء ستكون أشد وأكثر دمارا على نحو يصب في تقديره في كل شيء من الصحة العامة إلى الهجرة الجماعية.
------------------------------
قراءة - محمد الحمامصي

  








اعلان