نعمت شفيق حنطور (مينوش) مصرية مولودة بالإسكندرية أصبحت اليوم أول رئيسة لجامعة كولومبيا Columbia University سابع أفضل 10 جامعات في الولايات المتحدة لعام 2022، والتي تتميز بكادرها التدريسي الحاصل على أكثر عدد من جوائز نوبل بين كل جامعات أمريكا.
الجامعة العريقة التي تأسست عام 1754م تقع في مانهاتن بمدينة نيويورك وهي خامس أقدم مؤسسة أكاديمية في الولايات المتحدة. وتضم 21 كلية من بينها كلية الآداب والعلوم وكلية الفنون وكلية طب الأسنان وكلية العلوم وغيرها. فمن تكون نعمت شفيق التي كانت أيضا أول سيدة تتولى رئاسة جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية وأصغر نائبة رئيس بالبنك الدولي حيث تولت المنصب بعمر 36 عاماً، وعملت أيضاً كنائبة محافظ بنك إنجلترا.
في 2019 استضافتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة لتلقي المحاضرة التذكارية السنوية لتكريم الدبلوماسية نادية يونس بعنوان "القيادة العالمية في عالم متغير."
سلطت نعمت شفيق الضوء في محاضرتها على دور الحظ مقابل الاجتهاد لتحقيق النجاح، وأثارت عدة أسئلة تتعلق بالفرص المتاحة للأشخاص مثل بلد الميلاد والمدارس المتوفرة على سبيل المثال وكيف تؤثر تلك العوامل على فرص نجاحهم. تقول شفيق "تختلف إجابات هذه الأسئلة بشكل كبير مع مرور الوقت واختلاف الأماكن، ولكن هناك أيضاً أسئلة عديدة تتعلق بالسياسة العامة لأن الكثير مما يفترض أن تفعله الحكومات هو مساعدة أولئك الذين لم يحالفهم الحظ في الحياة للحصول على فرص عادلة." وناقشت العقد الاجتماعي والذي يمثل شبكات من الالتزامات والفرص التي تربط مجتمعاتنا ببعضها البعض، حيث تقول "أعني بالعقد الاجتماعي حقوق وواجبات المواطنة، ودفع الضرائب في مقابل الخدمات العامة، والوعد الذي يمنحه المجتمع بالحراك الاجتماعي لأولئك الذين يعملون باجتهاد."
واستندت إلى تجربتها الشخصية للتدليل على أهمية التعليم في الحراك الاجتماعي والدور الذي تلعبه الفرص والاجتهاد في التقدم. بعد خسائر والدها خلال التأميم في حقبة الستينيات في مصر، ذكرت كيف بدأت أسرتها من الصفر في الولايات المتحدة الأمريكية، قائلة "كان أبي دوماً يقول لنا إن بإمكانهم أخذ كل شيء منكم إلا تعليمكم. لقد كنا مهاجرين عندما ذهبنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولا شك أن عائلتي واجهت التمييز العنصري، ولكن سُمح لنا أيضاً بالمضي قدماً والاستفادة من الفرص المتاحة."
وتقول "أؤمن أن المواهب، لا الفرص، منتشرة في جميع أنحاء العالم. ولهذا السبب قضيت الكثير من مهنتي في مجالات مثل التنمية الدولية والتعليم والتي تتعلق بإتاحة الفرص للآخرين." وتمكنت من النهوض بحياتي المهنية في المنظمات التي تبني قراراتها على أساس الجدارة والتي لا تعتمد على العلاقات كأساس التقدم. وتضيف شفيق "كما حظيت أيضاً ببعض الرؤساء الجيدين الذين منحوني الفرصة للنمو. وبالنسبة لي هذا المزيج من التعليم الجيد والعمل بالمنظمات التي تعتمد على الجدارة هو ما مكنني من الحراك الاجتماعي."
من خلال تركيزها على موضوع الحظ مقابل الاجتهاد، ناقشت شفيق الوضع في مصر، حيث تقول "على عكس الرأي السائد، إن عدم المساواة في مصر في الواقع منخفض للغاية وفقاً للمعايير الدولية، وجزء من ذلك يرجع إلى أن دول الشرق الأوسط تميل إلى إعادة التوزيع بدرجة كبيرة." وأوضحت أنه بينما تقلصت الفجوة بين الأغنياء والفقراء في مصر، فإن الطبقة الوسطى أصبحت في وضع أسوأ نسبياً، قائلة "في العقد الماضي، تجاوزت نسبة المصريين المنتقلين من الطبقات الأعلى للأدنى نسبة المنتقلين من الطبقات الأدنى للأعلى."
لذا تعتقد شفيق أن الحظ أصبح أكثر أهمية من الاجتهاد للنجاح وتراجعت احتمالات الحراك الاجتماعي، قائلة "أعتقد أن هذا هو السبب الكبير للانخفاض الملحوظ في الرضا عن الحياة الذي نراه في العديد من استطلاعات الرأي في مصر."
وعن مفهوم القيادة والتي تناولته في حديثها، أكدت شفيق على أن القادة العظماء يلهمون ويشجعون ويمكّنون ويقومون بتشكيل قادة عظماء من حولهم، قائلة "بالتأكيد لست بحاجة إلى أن أكون أذكى شخص في فريق العمل وأنه من الممتع أكثر أن أكون مع من هم أكثر ذكاءً مني في فريقي، كما أريد أيضاً أن أعمل مع أشخاص مختلفين ولديهم فكر مختلف عني."
واختتمت شفيق حديثها بالقول: "إن النجاح في الحياة هو نتيجة للحظ والاجتهاد. وكما أقول لأبنائي باستمرار إذا كنتم محظوظين في يانصيب الحياة، فأنتم بحاجة إلى القيام بشيء ما لأولئك الذين لم يحالفهم الحظ. يمكن أن يكون ذلك على المستوى الفردي من خلال الأعمال الخيرية أو من خلال دفع الضرائب. إن الحراك الاجتماعي هو ما يمنح الناس وخاصة الشباب الأمل". وتوضح أن الحراك الاجتماعي في معظم المجتمعات قد انخفض في العقود الأخيرة، قائلة "أعتقد أن الكثير من المشاكل الحالية التي نراها في دول مثل مصر والولايات المتحدة والمملكة المتحدة هي السبب في ذلك. لعل أكبر تحدي اجتماعي نواجهه هو إتاحة الفرص من خلال التعليم والحياة بشكل عام وتوفير فرص عمل أكثر عدالة ومنافسة حقيقية، وهو أيضاً أمر حيوي لنجاحنا الاقتصادي، لأن الحصول على أقصى استفادة من مواهبنا هو الطريق إلى رخاء أعظم."
السيرة الذاتية
ولدت نعمت شفيق بالإسكندرية عام 1962، والتحقت بـالمدرسة الأمريكية بالإسكندرية المعروفة باسم ««شدس»، وتركت عائلتها مصر في السيتينات ، وعاشت في الولايات المتحدة عندما كانت طفله، لتعود بعد ذلك إلى مصر حيث تخرجت من المدرسة الثانوية. وبعد سنة في الجامعة الأميركية في القاهرة، ذهبت إلى جامعة ماساتشوستس حيث أكملت شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والسياسة، بعد عامين من العمل على قضايا التنمية في مصر عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في مكتب القاهرة، أكملت درجة الماجستير في الاقتصاد من كلية لندن للاقتصاد تليها DPhil في الاقتصاد من كلية سانت أنتوني ، جامعة أكسفورد .
والدها هو الأستاذ الدكتور طلعت شفيق حنطور، الذي كان يحمل درجة الدكتوراة في الكيمياء، ويعمل أستاذًا جامعيًا لكيمياء المبيدات بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، وجدها شفيق بك حنطور، الذي شغل منصب نائب رئيس اتحاد كرة القدم، وأسس نادي مالية كفر الزيات،
بعد حصولها على الدكتوراة التحقت للعمل بالبنك الدولي لمدة 15 عامًا ووصلت لمنصب نائب رئيس البنك الدولي لتصبح أصغر امرأة تتولى هذا المنصب. تدرجت في المناصب الحكومية البريطانية حتى شغلت منصب الأمين العام لوزارة التنمية الدولية البريطانية، من عام 2008 حتى مارس 2011. ثم انتقلت للعمل في صندوق النقد الدولي وتولت منصب نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي منذ أبريل 2011 حتى مارس 2014. بعدها استقالت من صندوق النقد الدولي لتتولى منصب نائب محافظ بنك انجلترا منذ 2014، والذي يعتبر واحد من أقدم وأعرق البنوك المركزية في العالم، وهي أيضًا المرأة الوحيدة التي تشغل منصب عضو لجنة السياسة النقدية. ثم تولت منصب رئيس كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
اختارها رئيس جامعة كولومبيا لي بولينجر، لتخلفه وفق بيان صدر عن الجامعة أمس الأربعاء جاء فيه «لو كنت بحثت في جميع أنحاء العالم عن أفضل شخص لقيادة جامعة كولومبيا في الفترة المقبلة كنت سأختار مينوش شفيق.. فخبرتها وتجاربها- على الصعيدين الشخصي والمهني ونظرتها العامة للحياة الأكاديمية والعامة تجعلها شخصية ملهمة».
نعمت شفيق تعتبر من أهم خبراء الاقتصاد في العالم، بينما بلدها وللمفارقة تعيش أزمة اقتصادية طاحنة. وصنفتها مجلة فوربس كواحدة من أكثر 100 امرأة نفوذًا في العالم عام 2015، وكانت في المرتبة 66. وحصلت نعمت شفيق على وسام السيدة القائد، وهي رتبة فائقة الامتياز من ملكة بريطانيا الراحلة إليزابث، وهي عضو دائم في مجلس اللوردات البريطاني وتحمل لقب «بارونة». ولديها توأم من زوجها رافائيل جوفين عالم المناخ، وترعى أبناء زوجها الـ3. تمارس نعمت شفيق رياضة اليوجا وتستطيع الوقوف على يدها لمدة طويلة وتلعب تنس الطاولة «بينج بونج» بشكل مذهل، بحسب الصفحة الرسمية لجامعة كولومبيا.
-----------------------------
تقرير - هيباتيا موسى