20 - 04 - 2024

بمناسبة العيد القومي للبحر الأحمر: الناقد عبد النور خليل يروى أسراراً سينمائية عن الغردقة

بمناسبة العيد القومي للبحر الأحمر: الناقد عبد النور خليل يروى أسراراً سينمائية عن الغردقة

- يحيى شاهين يصيب صلاح منصور بالذعر ويهدده بإغلاق الغرفة عليه وفاتن حمامة تصطاد "الملك جورج"

 تعرفت إلى أستاذنا الكاتب الصحفي الكبير خليل قبل ربع قرن، وكنت أزوره دوما في مكتبه بمجلة المصور بدار الهلال، وتوثقت علاقتي به.. كان يفتح لي صندوق الذكريات ويسترسل في سردها عن ذكرياته في بلاط صاحبة الجلالة وعن عمله بها وعن امتهانه الأدب في بداية حياته وكتابته القصة القصيرة والرواية بتشجيع من كبار أساتذته وزملائه أمثال: زكي مبارك، ومحمد مندور، ومصطفى محمود، ويوسف إدريس.. 

والأستاذ عبد النور خليل هو شاهد عيان على الحركة الفنية في مصر والعالم الخارجي خلال أكثر من ستين عاما، والأمين على أسرارها من مسرح وسينما وغناء وموسيقى...

 ولد في قرية إخطاب بمركز أجا بمحافظة الدقهلية عام 1931 في العام الذي ولد فيه كلاً من عمر الشريف، وفاتن حمامة، ومحرم فؤاد، ثم انتقل إلى القاهرة ليتعلم في مدارسها، في المرحلة الابتدائية والثانوية، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة) في قسم اللغة الانجليزية، وتخرج عام 1953، وقد أحب الأدب مبكراً، وكان يرسل بقصصه إلى جريدة "البلاغ" فينشرها له الدكاترة زكي مبارك، ثم أحب الصحافة فعمل في صحف ومجلات عديدة مثل: "الدستور"، و"البلاغ"، و"صوت الأمة"، و"الرسالة" وغيرها.. إلى أن استقر به المقام في مؤسسة دار الهلال عام 1956 فعمل بـ"الكواكب" المجلة الفنية الأولى سكرتيراً للتحرير، ثم مديراً للتحرير، ثم انتقل إلى مجلة المصور مديراً للتحرير، ورأس القسم الفني والأدبي بها حتى وفاته في مايو 2011.

  أحب عبد النور خليل النقد الفني والسينما على وجه الخصوص وصادق كثيراً من أهل الفن في مصر والعالم، ومن أجل هذا سافر كثيراً إلى العديد من المهرجانات العالمية في كان وطشقند وموسكو وبرلين وقرطاج وغيرها، وغطى أعمال هذه المؤتمرات، وكان يتعرف إلى الجديد دوماً من الأعمال السينمائية، وقد كتب سلسلة كتب سينمائية أطلق عليها "مكتبة الفيلم"، وهى سلسلة كتب شيقة، تناول من خلالها حبكة كل فيلم تعرض له، وكان ينتقى الأفلام المأخوذة عن الأدب، ومن خلالها استطاع عبد النور خليل أن يقدم الكاتب الأمريكي "تنسى ويليامز" لأول مرة للقارئ العربي، واستمرت هذه السلسلة تنتقل من نجاح إلى نجاح حتى توقفت لأسباب خارجة عن إراداته.

 ولم تشغله هذه الجهود عن التأليف، فقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتب مثل: "رجال في حياة فاتن حمامة"، و"نساء في حياة عبد الوهاب"، و"نساء في حياة عبد الحليم"، و"رجال في حياة أم كلثوم"، و"دولة أم كلثوم"، و"سعاد حسني"، و"فاتن حمامة العصر الذهبي للسينما المصري"، و"مادونا"، و"مارلين مونرو قفزة الموت"..  بعدها توقف فترة إلى أن عاد في نهاية الثمانينيات ليكتب السير الذاتية لكبار رجال الفن في العديد من الصحف والمجلات العربية مثل: "الأنباء"، و"السياسة" في الكويت، و"الشرق" في قطر، و"الاتحاد" في الإمارات، و"الدستور" في الأردن، ومن الشخصيات التي كتب عنها: "فاطمة رشدي – سارة برنار الشرق"، و"فطين عبد الوهاب ملك الضحك على الشاشة"، و"ليلى مراد - قيثارة الغناء العربي"، و"بليغ حمدي في المنفى"، و"أنور وجدي الفتى الذهبي للسينما"، وغيرها...

 وكان الهروع إليه في مكتبه في دار الهلال بالقاهرة، نسترجع معه الذكريات وذكرياته حول فيلم "الاعتراف" الذي صوِّر بين مدينتي سفاجا والغردقة في عام 1965.. وفيلم (الاعتراف) بطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وشاركها الوجه الجديد حينئذ جلال عيسى، كما شارك فيه أيضا يحيى شاهين وصلاح منصور، وسرد لي عبد النور ذكرياته عن الفيلم وعن هؤلاء الفنانين وعلى رأسهم فاتن حمامة في مدينة الغردقة.. 

*قلت له: متى زرت الغردقة للمرة الأولى؟

- في عام 1962 لتغطية مهرجان سينمائي في  قرية (مجاويش)، وكانت القرية السياحية الوحيدة في محافظة البحر الأحمر، ولم تكن السياحة مزدهرة  كما هي عليه الآن، وكان يرتاد القرية بعض المصريين في العطلات، وأفواج من الأجانب الذين يتبعون نادي البحر الأبيض المتوسط ومقره باريس، وكان هذا النادي يرسل بعض الأفواج إلى قرية (مجاويش) بالبحر الأحمر، وفندق عمر الخيام بالقاهرة، وكانت الشواطئ بكر صافية، لم يعتدي عليها أحد بالتعديل أو التحوير كما هو الآن، وإنما كانت منحة من الخالق الذي صورها فأحسن صورها، وكان منظر الصيادين صباحاً وهم ذاهبون إلى عملهم كأنهم في نزهة خلوية، يجلبون آخر اليوم ما طاب ولذ من أنواع السمك الفاخر، وكانت (بلوكات) العاملين في السقالة، والدهار تتراص كسكن المعسكرات، وفي شمال مدينة الغردقة كان يوجد متحف الأحياء المائية، الذي كان يرأسه الدكتور حامد جوهر، وهو رجل يظهر عليه سمت العلماء الأجلاء، كما أنه صاحب البرنامج الشهير "عالم البحار" .

    المهم قمت بتغطية المهرجان وهو مهرجان عالمي باسم (سينما البحر الأحمر)، برعاية منتجي الأفلام الأجنبية، في مصر مثل: (فوكس )، و(بارا مونت)، و(يونيتد أرتس)، وكان يرعى هذا المهرجان صديقي محمد فتحي إبراهيم الذي تولى بعد ذلك رئاسة شركة ( كيروفيلم)،الشركة المصرية للإنتاج السينمائي؛ التي أنتجت أفلاماً مشتركة مع كبرى الشركات العالمية مثل: فيلم "ابن كليو باترا"، وغيرها.

*هل تم إنتاج أفلام تعرضت للبحر الأحمر من قريب أو بعيد؟

- في هذه الفترة شكّل البحر الأحمر مكانة لدى المسئولين، وقد تعرضت السينما لهذا الإقليم في فيلم (ابن حميدو) دون ذكر لتسمية  أي مكان وقعت الأحداث فيه، وتم تصوير شاطئ البحر الأحمر في المشاهد النهائية للفيلم، وقد ظهرت لافتة لحرس الحدود تؤيد تبعية هذا الإقليم لسلاح الحدود وقت تصوير الفيلم 1957، وكان الفيلم الأهم الذي برز البحر الأحمر، فيلم (الاعتراف) من إخراج سعد عرفة عام 1965. 

*ما ذكرياتك عن هذا الفيلم؟ 

- الفيلم  بطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، ويحيى شاهين، وصلاح منصور، والفنان الصاعد جلال عيسى، وكان مخرج الفيلم سعد عرفة يؤمن بموهبته، وقد أعطاه أكثر من فرصة، فوقف أمام نادية لطفي في فيلم (المراهقات). وقد انتقل طاقم الفيلم للإقامة الدائمة في مدينة الغردقة، والفيلم من إنتاج  المؤسسة المصرية العامة للسينما، وكان السينمائي منير حلمي رفله يتولى مسئولية الإنتاج كمنتج منفذ، ونزل طاقم الفيلم في الفندق الوحيد آنذاك بمدينة الغردقة وهو فندق (الشيراتون)، وكان بمنطقة السقالة على شاطئ البحر، وتحيط به الصحراء الشاسعة الممتدة، ونزلت فاتن حمامة في فيلا بشمال الغردقة بجوار معهد علوم البحار، وكانت أحداث الفيلم تدور في منجم فوسفات بمدينة سفاجة، فكان فريق العمل يقوم بالسفر من الغردقة إلى سفاجة يومياً من شروق الشمس وحتى المغيب. 

  وقد زرت الغردقة أثناء تصوير الفيلم مرتين.. وكانت كل زيارة تستغرق أسبوعاً، فقد كانت الرحلة شاقة، وكان عليّ أنا وزميلي المصور أن نركب قطار إكسبريس الصعيد إلى قنا، ثم ننتقل بإحدى سيارات الإنتاج العامة عبر طريق صحراوي يخترق مرتفعات البحر الأحمر إلى سفاجا، ثم إلى الغردقة، وكان الطاقم يعملون في أطلال منجم من مناجم الفحم المهجورة التي أهملت، وفيلا صغيرة فوق ربوة بناها مهندس الديكور وبيت صغير عند سفح الربوة، لكي تدور فيه الأحداث بين عائلتين يحيى شاهين وابنته فاتن حمامة، وصلاح منصور وابنه جلال عيسى.. وبين العائلتين حادث قديم وقع في المنجم، يخلق جفوة بينهما، فيتباعد الرجلان لكن هذا التباعد لا يسرى على الابن والابنة.

  وهلل صلاح منصور عندما رآني وكذلك الفنان يحيى شاهين وجلال عيسى..المهم خالطت العديد من الفنانين وراقبت صلاح منصور وهو في قمة غضبه عندما استطاع يحيى شاهين أن يغلبه عشرتي طاولة، متهماً يحيى بالقرص على الزهر عندما يرميه، ويرد عليه يحيى "هذه حجة البليد".. وكان صلاح منصور ينام ليلاً في الفندق جاعلاً باب الغرفة مفتوحاً، وكان يحيى يحلو له المزاح معه مهدداً إياه بأنه سيغلق عليه الباب ليلا وهو نائم ويصاب صلاح بالذعر، أما عن فاتن بطلة العمل  فقد رافقناها في رحلة صيد لها وهى تضع (الإيشارب) على رأأاااااأسها على ظهر مركب، وظهرت براعتها في الصيد وهى تصيد سمكة عظيمة من نوع "الملك جورج"، وظهرت الصورة بالألوان على غلاف مجلة "المصور" في العدد التالي. وقبل أن نرحل كانت هناك بيومين كانت هناك مفاجأتين في انتظاري، الأولى: فقد تمكن صديقي المصور من هزيمة قطبي الطاولة صلاح و يحيى على امتداد السهرة كلها، والثانية: أن الرجل الطيب الصديق يحيى شاهين قد أوصى لي بصفيحة صغيرة من الفسيخ، وفى العادة كان الصيادون يضعون أسماك البوري في مثل هذه الصفيحة، ويغطونها بالملح، ثم يغلقونها باللحام لتترك فيتحول البوري إلى نوع راق من الفسيخ المعتبر التي تشتهر به مدينة الغردقة، جاءني يحيى شاهين بالصفيحة ووضعها أمامي، وأوصاني أن أتركها ثلاث أو أربع شهور، ثم أفتحها لنأكل الفسيخ المعتبر..  

مشروع( مهرجان الفيلم الألماني) بمدينة الغردقة الذي لم يرى النور:   

*هل زرت الغردقة مرة أخرى بعد الانتهاء من الفيلم؟

- أنا دائم التردد على الغردقة، وشاهدت التحول الهائل لها في بدء الثمانينيات في عهد المحافظ الفريق يوسف عفيفي الذي بدأ في عهده التحول الذي نراه الآن، وشاهدت عن كثب التردد الهائل للسائحين الألمان لهذه المدينة، ومنذ خمس سنوات كنت في زيارة لمدينة برلين أحضر مهرجانها السينمائي، واقترحت على مؤسسة السينما الألمانية تزويدي بأفلام (إنتاج حديث) بلغاتها الألمانية وحضور أبطال هذه الأفلام لمدينة الغردقة، ليشاركوا في مهرجان يعقد تعرض فيه هذه الأفلام وسط حضور الجالية الألمانية التي تعيش بالمدينة، والسياح المترددين عليها، وراقت الفكرة لديهم، وناقشت هذه الفكرة مع محافظ الإقليم السابق، ولم نتوصل إلى نتيجة، أرجو النظر إلى الفكرة من القيادة التنفيذية الحالية، فهي رائعة وتساعد في نمو وازدهار السياحة الثقافية.
---------------------
كتب - أبو الحسن الجمّال
أجري الحوار في (دار الهلال) الخميس 17/6/2010م 






اعلان