06 - 06 - 2025

ترنيمة عشق| نهارك مُدوحَس!

ترنيمة عشق| نهارك مُدوحَس!

فجأة وأنا قاعدة في الباص راجعة من المنصورة للقاهرة سمعت حوار تليفوني بين شاب ووالدته بيقول لها: آلو يا امّا.. خلاص أنا وأبويا بعنا حلَق عمّتي.. وكان وزنه 4 جرام.. وهانرَكِّب خلاص خزان المَية في الدّار.. ولما ربنا يفرجها نبقى نجيب لعمّتي حلق بداله.

انتفض الولد لمّا سمعنا أمّه بتصرّخ وتقول له: "نهارك مُدوحَس".. إنت عارف الدّهب كل يوم سعره بيغلى، يعني لما نيجي نرجعه لعمّتك ها ندفع تمنه مرتين يا "أهبل يا ابن الهبلة".. رد الولد بغضب: يعني إيه يا امّا ؟ ما انا تعبت من تحويل المَية كل يوم بالجراكن على العَجلة.. خلاص بقى.. خلاص يا امّا.. ما "تزئيش".. اللي حصل حصل.. خلااااااص.. مع السّلامة.

بَصيت للولد وقلت له عيب يا "اهبل" قصدي يا حبيبي تقول لوالدتك ما " تزئيش"؛ ده أنت وأبوك جبتولها جلطة..( وقعدت أفكر يعني إيه: نهارك مُدوحَس ؟!).

قلت أغير مزاجي اللي اتعكر؛ ما هو مش معقول أقعد 3 ساعات مهمومة لغاية ما أوصل القاهرة؛ فتحت الموبايل أبص على الواتساب.. دخلت جروب بنقول على نفسنا فيه إننا "جروب المثقفين" وكلنا من تخصّصات مختلفة؛ فوجئت بخناقة حامية وشتائم بتنط من الموبايل: "إنت إخواني وعميل.. لأ إنت سيساوي منبطح.. عيب يا جماعة لازم نتفق على رأي واحد.. لا لا إحنا الوطنيين وانتوا الخونة.. إنتوا خربتوا البلد.. لأ إنتوا اللي ضيعتوها.. الأسعار ولعت.. العالَم كله كده.." واستمر الرّدح - في نهارهم المُدوحَس- وما هديش إلا لما الجروب اتفركش وخرجوا الناس منه.. والموبايل نفسيته كمان هديت وارتاح من كُتر رنّ الرّسايل. 

الكآبة مسكتني أكتر وأكتر..وقلت يا بِت ادخلي جروب "الأمهات" وهيّصي مع صحباتك الفُللي وشوفي وصفات الأكل والبشرة والشَّعر ودلعي نفْسك شوية مع حبة فضفضة وذم في الأزواج.. ده مفيش أحلى من كده.. والله السّتات قعدتهم حلوة وكلها فرفشة خصوصًا على الصّبح والرّجالة في شغلهم.. يعني نهارهم مش مدوحَس بإذن الله

يا دوب لسة بحط رجلي جوه الجروب لقيت صديقتي بتشتكي إن بقالها يومين بتبكي؛ خير يا حبيبتي ؟ قالت: ابني وخطيبته بيحبوا بعض من 7 سنين واتخطبوا من سنتين. طيب وإيه المشكلة ؟ قالت: خلاص قرّروا يفسخوا الخطوبة بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار المجنون.. وبالشّكل ده ابني مش قادر على متطلبات الزّواج.. والبنت والولد بيبكوا وهما بينهوا موضوعهم.. (حوقلنا وبسملنا ودعينا لها ولكل أسرة مش عارفة تجوز أولادها).

اتغميت كمان وكمان.. وقرّرت أقفل الموبايل (اللي نهاره مُدوحَس هو كمان).. وبصّيت ناحية السّواق لقيته في عالَم تاني خالص.. الباشا مندمج مع صوت "نجاة" التي أعشقها وبيغني كمان معاها.. فكرة والله.. ليه ما اعملش زَيّه وأعيش شوية في عالَم الرّومانسية وأديها طناش زي السّواق؟! واهرب من الغم المِتنقي من ساعة ما ركبت الباص المُدوحَس ده ؟! "إنت تقول وتمشي.. وأنا أسهر ما انامشي يا للي ما بتسهرشي ليلة يا حبيبي.. سهرني حبيبي حُبك يا حبيبي.. باكتب ع الليالي اسمك يا حبيبي". الله الله يا ست "نجاة" صوتها بينقل الرّوح لحتة تانية خالص.

الجلالة خدتني بقى وقعدت أغني.. وفتحت ستارة الشّباك.. اكتشفت فعلًا إن الحياة مش مدوحسة كلها..دي جميلة والشّمس روعة والسّما لونها صافي وقِطع السّحاب عاملين مزيج خطير بين اللونين الأزرق والأبيض.. والله عفارم على البيه السّواق.. حلو الجو اللي عملته الأغنية؛ وأخدت أبحلق واركز في الطّبيعة والشّجر الأخضر ومية التّرعة وهي بتلمع بلون الفضّى تحت الشّمس. 

فجأة انتبهت - ويا ريتني فضلت متخدرة بنجاة - لحجارة "تبطين التّرع" اللي وقعت من مكانها جوه المية !! هي لِحقت يا ناس ؟! دي معمولة من كَم يوم بس.. اتخضيت وركّزت أكتر لقيت على بعد حوالي نص كيلو والعُمال بيبطنوا جزء جديد !!.. (سألتني نَفسي الأمارة بالسّوء: إمتى التّبطين ده هايقع زي اللي قبله ؟ أكيد العيب في سعد.. أيوة سعد زغلول مش هو اللي قال مفيش فايدة ؟! نهارك مُدوحَس يا سعد إنت كمان).

يعني يا ربّي صوت "نجاة"ما عملش حاجة؛ وخرجت من مُود الرّومانسية مع إنهم بيقولوا إن الفن أفيون الشّعوب لتخديرها وللتحكم في الوعي الجمعي.. طب ليه الأفيون ما عملش حاجة وطار من دماغي بسرعة كده مع إني تركت له وعيي تحت أمره يعمل فيه اللي هو عاوزه بالهنا والشّفا.. ليه رجعت أفكر في الهموم تاني؟!

بصيت في السّاعة وحمدت ربنا إننا قربنا ندخل القاهرة.. قررت اتصل ببنتي: ألو حبيبتي.. إزيك وحشتيني.. جايبة لك معايا سمك مشوي من المنصورة يستاهل بؤك.. ياللا يا حلوة جهزي السّلطة على ما اجيلك.. إيه ؟! بتقولي إيه ؟! ما بتحبيش إيه ؟!.. ما بتحبيش السمك ؟! إنت عارفة الكيلو بقى بكام ؟! الكيلو بـ 90 جنيه غير تَمن الشّوي.. هاتكليه يعني ها تكليه غصب عنك وإلا نهارك ها يبقى مُدوحَس.. (بس حد يقولي يعني إيه مُدوحَس ؟).
-----------------------------
بقلم: حورية عبيدة

مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عشق | إعلام زليخة