28 - 09 - 2023

عاصفة بوح| لنحترم إنسانيته

عاصفة بوح| لنحترم إنسانيته

هل يشك أحد في عظمة علم الشيخ الشعراوى .. هل يشك أحد فى صدقه وقربه من الله وهمته فى أن  تصل الأمة إلى بر الأمان عبر فهم دينها بأبسط الطرق وأصدقها. هل يشك أحد في قدرته على الوصول بعلمه الغزير إلى قلوب محبيه ومريديه بحيث أصبح بالنسبة للكثيرين جسر تواصل مهيب بين العباد ونصوص كلام الله سبحانه ، يفهمونها ويستوعبونها ويرضون بها ، عن اقتناع بأوامره ويستغنون راضين عن نواهيه ، لا أتصور. 

عشنا أعواما كثيرة وهو العالم الفهامة البسيط الضحوك الذي أعطاه الله قبولا جماهيريا ، ربما عز على كثيرين فى نفس مستوى علمه ولكن تنقصهم الكيمياء الربانية التي منحته قبولا ورضا في قلوب الناس.. لذلك احتل وحده دون غيره من سائر العلماء ولسنوات موقعه المتميز فى الإعلام ، ينتظره علية القوم وأبسطهم يجلسون مفتوحى الأفواه من عظمة ما يسمعونه من هذا الشيخ البسيط.

 ولكن رغم كل ما سبق ، هل شيخنا الجليل إنسان أم نبى موحى إليه من السماء؟ إنسان أم مقدس؟ إنسان يخطىء ويصيب ، يعلم ويجهل فى حدود قدراته العقلية الإنسانية ، فى حدود البيئة التى تربى فيها؟ ، فى حدود العصر الذى ولد فيه ، فى حدود الحرية الفكرية التى توافرت له أم لم تتوافر ، فى حدود الضغوط السياسية التي حوطته ، فى حدود قدرة الإنسان الذى يرى نفسه متميزا بحب عن الجميع.

لجماهيرته الطاغية وعلمه الغزير الذى رأى أنه الاصوب إذا ما اختلفت نظرة العلماء الآخرين ، سطوة على القلوب والعقول قد تلعب فى مناطق إنسانية لا ينجح فيها الكثيرون. وهيبة لم يكن له اليد فيها من مريديه بحيث أن الاقتراب من آراء أو فتاوى أو تفسيرات فقهية قد تعرض  قائلها إلى الاغتيال المعنوى أو أكثر إن تجرأ أو أفصح عنها وعارضها!.

لم يكن ذلك ذنب شيخنا الجليل ، لأنه لم يعلن مطلقا أنه متميز عند الله ، أو أنه يتلقى إلهاما من السماء أو أن علمه أغرز من الآخرين أو طالب الناس بذلك.. ولكن للأسف هم وضعوه فى مكانة مقدسة لا يجب أبدا أن ينالها إنسان مهما بلغ من علم وتقوى ونية صافية ورغبة فى رضا الله على المستوى الشخصي أو العام ومع ذلك حدث ، حتى أن علماء كبار في مجاله كانوا يخشون أن يعارضوا تفسيراته خوفا من رد فعل الناس ، وذلك أتصور كانت إحدى الجرائم التي ارتكبت فى حق شيخنا العلامة .. مرة أخرى لم يكن خطؤه ، كان خطأ العقلية المصرية التى تمجد كل متميز بحيث تضفى عليه صفات غير إنسانية ، بحيث تجعل الاقتراب منه محفوفا بالمخاطر وتحرمه من فرصة الاستماع للمختلفين معه ، أو مراجعة بعض أفكاره إذا ما نُبِّه إليها من زملاء على نفس القدر من العلم و المسؤولية الدينية!!

لا يوجد إنسان فوق المراجعة والمحاسبة مهما بلغ قدر علمه ، ولكن محبة الناس واقتناعها بأفكاره أوصلته إلى تلك المكانة التى قد تغري أي إنسان أن يتصور ألا أحد يضاهيه أو له الحق فى معارضة أفكاره ، ونسوا أن اختلاف الفقهاء رحمة وأن الرسول الكريم ذاته قد روجع فى أمور كثيرة رغم أنه كان موحى إليه من السماء ، وكان الناس يناقشونه ويتساءلون عما يقلقهم ، وأن الله سبحانه ذاته قد عاتبه في "عبس وتولى" ، فكيف نضع عالم دين متميزا فوق كل ما سبق؟

أعترف أنا كاتبة المقال أنى لم أقتنع كثيرا بآرائه فيما يخص المرأة والميسيحيين ، ووجوب قتل الممتنع عن الصلاة والأخيرة خطيرة جدا لأنها تناقض مبدأ إلهيا (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وبعض التصرفات السياسية التي أوجعتنى منه ، ولكن في السنتين الماضيتين ، صالحنى الفيس بوك  بفيديوهاته على سيدنا الشيخ بعيدا عن كل ما سبق ، فهمت منه أشياء دخلت قلبي وفتحت لي طريق الصبر على مصيبة أصابتنى , لا ينقص من قدر الشيخ لو اقتنعت ببعض آرائه وتفسيراته ولم أقتنع بالبعض الآخر .. فذلك لا يكفرنى ولا ينزل من قدر الشيخ قلامة ظفر.

ببساطة لأنه إنسان وليس رسولا ولا موحى إليه من السماء .. فلنقيمه على هذا الأساس ، فالمجتهد له أجران إذا أصاب وأجر إن أخطأ بحسن نية .. رحم الله شيخنا الجليل.
------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

        

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح| عودة المؤامرة


اعلان