18 - 06 - 2025

وجهة نظري | أحلامى المبعثرة المنسية

وجهة نظري | أحلامى المبعثرة المنسية

اعتدت على الحلم كثيرا في يقظتي ومنامي ، لا تتحقق أحلام يقظتى في الغالب فكانت تترك في الروح غصة ، وإن خفت وطأتها مع الزمن فاعتدت على عبورها سريعا ، دون أن تترك أثرا يذكر في الروح ، برئت من أحلام يقظتي ، لكنى لم أبرأ بعد من أحلام منامى .. كانت دوما أكثر بهجة وسعادة وإن لم تخل من حزن وألم ، لكنها كانت أكثر تعبيرا عما يدور في نفسى وأكثر جرأة في حسم مواقف لم أعتد على حسمها في يقظتى.

والأهم أن بعضها كان يتحقق .. أذكر ذلك الحلم البعيد في طفولتى بعودة خالتى التي غابت سنوات عنا في إحدى البلدان العربية ، لم تكن وسائل الإتصال وقتها مثلما هي عليه الآن .. كنا نكتفى بالخطابات التي تصلنا متأخرة كثيرا حتى تفقد الأحداث وقعها وإن لم تفقد دفء تأثيرها في الروح الشغوفة دوما لمعرفة أخبار أحبائنا الغائبين. تحقق حلمى الذى أسررت به لأمى وعادت خالتى بعد غربة سنوات.

لم أتوقف عند نبوءة حلمى إلا بعدما تكرر بين الحين والآخر ، شغلتنى كثيرا أحلام النوم التي تتحقق أحيانا ، فكان تأثيرها أكبر، كانت دوما ملاذا لى .. لايخلو نومى من حلم أو أكثر، ربما لأننى أعشق النوم لساعات طويلة فأنعم ، مثل بعض السينمات التي تعرض ثلاثة أفلام في عرض واحد.

لم تكن أحلامى صامتة مثلما بدأت السينما ، لكنها كانت بصوت مسموع وكلمات واضحة مفهومة لاحظتها أمى في طفولتي وشبابي ، فكانت تعقب ضاحكة: "لن تستطيعى إخفاء أي شيء عن زوجك ، حياتك كتاب مفتوح تقرئينه بنفسك في منامك".

في منامى أضحك بقوة ، تغمرنى سعادة لايمس قلبى مثلها في الواقع ، وأبكى أيضا بقوة مثلما أبكى في يقظتى .. وفى منامي أيضا أجري بما يفوق قدرتى وأحقق مايبدو مستحيلا، أصفق فرحة بصوت عال وأغنى بصوت مسموع .. صاخبة في نومى بما يفوق صخب حياتي .. وإن كنت أكثر حسما في المواجهة وأكثر صراحة في التعبير عما تضيق به نفسى في الواقع ، غضبى فيها بلا حدود فأصحو على صوت كلماتي المعنفة لمن مسنى بسوء وجرح مشاعرى.

لا أعرف إن كانت أحلامي نبؤءة أم أضغاثا أم تعويضا عما أعجز عن تحقيقه في الواقع ، أم بوح بما يدور في عقلي الباطن ، لم يشغلنى كثيرا التفكير فيما وراء أحلامى ، اكتفيت بمتعتى فيها .. البهجة والتسلية وتحقيق المعجزات ، السعادة في تفاصيل صغيرة لم يجد واقعى بمثلها .. والجرأة في حسم المواقف والمواجهة التي لا تواتينى الشجاعة في يقظتي لمثلها ، ربما كانت أحلام منامي أصدق في التعبير عنى وأكثر رأفة بحالى وأكثر تطييبا لخاطري.

لم يكن غريبا أن أتذكر كل تفاصيلها ، أصحو مسكونة بها .. أحكيها دون أن يغيب عن ذاكرتى أي جزء فيها ، نفس المشاهد بترتيب أحداثها بشخوصها بنبرات صوتهم بردود افعالهم وتعبيرات وجوههم ، أرويها كأنى أراها رأي العين .. أكررها أكثر من مرة بنفس الوضوح وربما أظل مسكونة بأحداثها لأيام طويلة بعدها.

أيقنت أن أحلام منامى نعمة ، وإن فقدتهاعلى أعتاب الستين ، لحقت بأحلام يقظتى ، طواها الزمن بالنسيان.. تناثرت مثلما تناثرت سنوات العمر، على أعتاب الستين توقفت لأكتشف أن أحلامى في منامي خذلتنى مثلما فعلت أحلام يقظتي ، لم تعد تسكننى مثلما ظلت لعقود ، لم أعد أذكر تفاصيلها .. أدرك أنها لم تتوقف ، لكنها لم تعد تمس الروح ، تمر عابرة بلا أثر .. أكاد بصعوبة أتذكر مشهدا أو آخر يبدو باهتا لامعنى له بعدما طمست كلماته وغابت أحداث سابقة له ولاحقة ، وامتزجت ملامح شخوصه وتداخلت مواقفه وتناثرت تفاصيله ، فأصبح أشتات حلم بلا معنى واضح ولا أثر يذكر، فطواه النسيان.

غابت أحلام نومى ، فقدت تأثيرها وسطوتها ، لم يتبق منها سوى مشاهد متناثرة .. تلاحقنى بين الحين والآخر ، تتكرر فتجبرني على تذكرها وتأسرنى تفاصيلها المحببة . لم يبق من أحلام نومى سوى حلم واحد .. أرى فيه من فقدت من أحبتى يعود ، أستقبله بحفاوة مؤكدة للجميع صدق ما أخبرتهم به دوما بأنه مازال بيننا على قيد الحياة لم يغيبه الموت بعد.

مازالت أحلام منامى عزاء تطبطب على الروح رغم أنها فقدت سطوتها ومرت مثلما مر العمر وفرط عقدها مثل الزمان.
-----------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | نذر الحرب تقترب .فماذا نحن فاعلون؟؟