14 - 06 - 2025

حكايات مرمزة لجيهان فايز

حكايات مرمزة لجيهان فايز

لأعمالها جذور عميقة تتحدى الزمن.. وجوه بألوان الطمى.. ألوان نظمت نفسها، وإختبأ الضوء خلف الظلال ليدخلك فى حيرة وإستغراب.. إنتصرت الغريزة على التاريخ فاستجابت الخطوط والمساحات لروح الفنانة لتشكل عالمها بكل أسراره التى نسجتها بوعى وبدون وعى بمزاج المحبين المتصوفين.. إستجابت لحركات لا إرادية فى لحظات إنفعالية ، وحالات من العشق لمفرداتها تمزج فيها تلقائيتها بخبرتها التى تعتمد على البداهة متجاوزة القوانين لتحقق قوانين موازية ترتبط بالغرائز التلقائية لرؤية الجمال بفطرتها. فنانة تحب بقلبها وبحسابات حسية تعلو على التواريخ التى كتبت بعقول وأغراض موجهة.

فى معرض الفنانة جيهان فايز المقام حاليا بقاعة النيل بالزمالك تشم فيه رائحة معارضها السابقة. تسترجع الأعمال التى أبدعتها على مدار تاريخها الفنى لتجد نفسك فى زيارة الى عالم خاص لكنه متجدد. تتعرف على مفرداتها التى أقامت بينها حوارات جديدة، وأضافت لها أسرارا من روحها بلغتها الخاصة التى قامت على حرف الواقع لتشكيل جماليات مبتكرة  تخاطب روح المشاهد الذى يجد نفسه عنصرا من عناصر اللوحة. إما محاورا لشخص داخل اللوحة، وإما متواجدا خلف تشكيلات ليس بها عناصر بشرية لكن بها أنفاس تسمع وهمهمات تأتى من أعماق اللوحة.

هذه الحميمية التى تحققت بين لوحات المعرض والمشاهد لم تأت بالصدفة ولكن بالتدريب المتواصل لفكرة التصوف والبحث فى أغوار الروح من جانب ، وفى الإرتباط الغريزى لطبيعة اللون وأثره على النفس من جانب آخر، وكذلك فى التفاعل مع الخطوط المنحنية وكسر حدة الخطوط المستقيمة الموجودة فى بعض الأعمال والإنتصار عليها بإعتبارها منتجات التاريخ، فلا يوجد خط مستقيم فى الطبيعة التى أحبتها الفنانة حد العشق، والتى أشعر وأنا أشاهد أعمالها بأنها لم تكتف بمزج روحها باللون والخط، ولكنها أدخلت نسائم وأنفاس شخوصها أيضا لتجد نفسك أمام عمل نابض بالحياة.

لا توجد حواجز بينك وبين الأعمال الفنية لجيهان فايز، ولا تحتاج الى منظرين وكهان ومرشدين فنيين.. هى رحلة ممتعة فى أماكن تحبها أنت، وشخوص تتفاعل معهم كأنهم أصدقاء أو أهل أو أناس أنت منحاز لهم بطبيعتك قبل المشاهدة. تشعر بقيمة العمل الجمالية التى تمس روحك وتتفاعل مع مشاعرك. هذا ناتج أيضا من كون الفنانة تحترم المساحة التى إختارتها لتشكل عليها، ولا تستسهل فى التشكيل والتلوين كبعض الفنانين الحداثيين، ولكنها تعيش مع عالمها بصدق، وتقدر دور كل شىء تحققه داخل العمل وتجهد نفسها فى بناء العلاقات بدافع روحى صادق بعيد عن الحذلقة أو الإستسهال.

جيهان فايز لا تصرح فى أعمالها بإنحيازها لروح البسطاء ولكنها أحست بالحياة التى يعيشها هؤلاء، وإستطاعت أن تبنى أفكارها بهدوء بعيد عن الصخب والمبالغة، ولم يشغلنى عنوان معرضها  " تكايا.. المتون 2" وذلك لكى أنطلق فى رحاب عالمها المتنوع والمتفرد دون قيود، ولكى أستمتع بكل التأويلات التى تخطر ببالى. 

صدق الرؤية دائما يرتبط مع صدق الفنان، ويكون الإحساس مشتركا طالما كان إحساس الفنان صادقا وواعيا بمعانى الأشياء وسحر الألوان ودورها فى تحقيق الدفء بينها وبين المشاهد. هكذا فطنت جيهان الى قيمة الخط واللون والحذف والإضافة والتلخيص مع التركيز أثناء التنفيذ لتقدم رؤية مكتملة لأفكارها الصادقة

تشغل الفنانة جيهان فايز وظيفة أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة بالمنيا. أقامت العديد من المعارض الخاصة منها معرض جدااريات بجماليات الخط الهندسي والعضوي عام 2010، ومعرض الورق والألوان في التصوير عام 2013، تصميم تجميل منطقة أبوسويلم العشوائية بالمنيا عام2015. وللفنانة عدة مشاركات جماعية منها بينالي القاهرة الدولي الخامس للخزف عام 2000 ، معرض أكاديمي بقاعة فان جوخ 2012، وصالون أجيال الدولي الأول 2015، ومعرض "متون" بقاعة النيل 2021 ولها مقتنيات بوزارة الثقافة ، ولدى الأشخاص بمصر والخارج ، وقامت بتصميم وتنفيذ العديد من الجداريات للمنشآت العامة والخاصة.
----------------------------
بقلم: د. سامى البلشى