ألاحظ مشاعر حزن عميقة بعد وفاة الصحفي النبيل محمد أبو الغيط ، على قدر جيل الشباب العربي من جراء ما يصفونه بـ"استمرار الفقد و الاستنزاف الممنهج والاحباطات وغموض الغد"، بالتوازي مع مشاعر قلق آباء وأمهات على جيل "ويجز" (الأندر ايدج) من جراء فقد المحاضن الآمنة المعتدلة ، وإشكاليات التعليم والتربية، مع استمرار التغييب والتسطيح ووأد الهوية، وهجوم الترند على ثقافة هذا الجيل ووعيه بل وحياته (الترند القاتل كمثال).
في العام 2016، كشف بحث إقليمي نشرته صحيفة الشروق المصرية بالتعاون مع مجلة الفنار للاعلام، عن أن دور الشباب العربي يشهد تراجعا يصل لمرحلة الإحساس بالعجز، حيث يعاني الشباب من انعدام الفرص، والتحرش والاستغلال والتمييز، إضافة إلى قيود متزايدة على الحركة ووصاية الجيل الأكبر.
وفي يوليو 2022، كشف استطلاع جديد أجرته شبكة "البارومتر العربي" لصالح بي بي سي أن هناك تحول كبير في علاقة الشباب دون الـ30 عاما بالدين وممارسة الشعائر الدينية في العالم العربي، إذ يتزايد عدد من يقبلون على التدين قياسا بعددهم في عام 2018.
وأكد الاستطلاع الذي نشرته شبكة بي بي سي أن مزيدا من مواطني تونس وليبيا والمغرب والسودان ومصر والأردن والأراضي الفلسطينية، باتوا يتجهون للتدين كمسار للخلاص مما يعانون ، بينما تراجع عدد من وصفوا أنفسهم بغير المتدينين من كل الفئات العمرية.
ونقلت بي بي سي عن مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية د.نبيل عبد الفتاح، قوله :" إن السبب في هذا التحول وارتفاع نسب المتدينين من الشباب هو تفاقم الأزمات الاقتصادية، فضلا عن أزمات التعليم وتدهوره الشديد"، موضحا أن الواقع فرض حالة من غياب الفرص والأمل في مستقبل أفضل بعد موجات من الأمل فيما بعد عام 2011 .
هكذا هو الواقع وفق الباحثين، وبرأيي، إجمالا، أن الحياة جولات ومحطات، وأن اليأس عدو حقيقي لكل الشباب والأجيال الصاعدة، ولابد من استمرار المراجعات الذاتية لكل شاب وشابة لتقييم الماضي ، والتنمية البشرية المستدامة للجميع في الحاضر من أجل استعداد أفضل للغد.
إن لكل "فقد" درس، ولكل درس عبرة تستلزم المبادرة للتغيير نحو صنع حياة أفضل ، وفي هذا قال الدكتور الراحل مصطفى محمود :" إنّ لم يشترك الشباب في صنع الحياة، فهنالك آخرون سوف يجبرونهم علي الحياة التي يصنعونها".
ومن هنا، على المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في الوطن العربي، دور كبير، في تعزيز حقوق الشباب ، واحتواء طاقات جيل ويجز ، وبذل الغالي والنفيس في تقديم كل ما ييسر لهم حياتهم ويعدهم لمستقبل أفضل، لأن غير ذلك يعني تبديد الاحتياطي الاستراتيجي للغد العربي وهو أمر جلل وخطير يعيه الحكماء والعقلاء وينتظره الأعداء، ولهذا حذر الكاتب الراحل جلال عامر الدول من أن "تهمل الشباب " أو أن تحول الأوطان إلى "دور مسنين".
إن الشباب كان ولايزال هو أمل العرب، وقدرهم برأيي هو استمرار المثابرة والمعافرة والنفس الطويل لحين الوصول للنجاح، شعارهم الأبقى ما قال الشاعر النبيل محمود درويش :" لم نحلم بأشياء عصية.. نحن أحياء وباقون ... وللحلم بقيةْ".
----------------------------------
بقلم : حسن القباني