دخلت الحكومة مرحلة جديدة مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ الإتفاق الجديد الذي من المقرر أن تحصل مصر بمقتضاه على 3 مليارت دولار، مع إمكانية الحصول على مليار دولار إضافية من صندوق المرونة والاستدامة التابع للصندوق، وخيار التفاوض على خمسة مليارات أخرى من الشركاء الدوليين ومن مؤسسات التمويل الدولية.
وأعربت عن سعادتي نسبيا في وقت سابق عن تمسك الحكومة بعدم التحريرالكامل للجنية أمام الدولار والعملات الأجنبية، وعدم تطبيق بعض السياسات الإقتصادية التي تدخل تحت بند ما أسميه بشروط "العنف الإقتصادي الإجتماعي" والتي تقع أعباؤها على المواطن "الغلبان" في بلادنا.
ولكن يبدو أن حصول مصر على هذه الحزمة من "القروض" وليست التمويلات، في مراحلها النهائية، له ثمن باهظ، نسأل الله أن يتجنبها المجتمع، لما لها من تأثيرات خطيرة على مجتمع يئن من الأعباء الإقتصادية، وينهش الفقر عظام العديد من أفراده بسبب موجات الغلاء التي تمددت في كل القطاعات، وإن كان جزء منه سببه دولي، ذو تأثير محلي.
ويأتي على رأس ما يقلق إقتصاديا مطالب الصندوق بتحرير كامل للجنيه أمام الدولار، وباقي العملات الأجنبية، وهو ما يعني خسائر كبيرة، ورفع أعباء الدين، وارتفاع أسعار العديد من السلع االمستوردة، وهنا تاتي قدرة الحكومة على مواجهة هذه المطالب وتوفير بدائل لها.
فوفقا لتصريحات وزير المالية الدكتور محمد معيط، اعترف فيها بأن كل زيادة 1% في سعر الفائدة يكبد الموازنة العامة للدولة بين 30 إلى 32 مليار جنيه عبء دين بما يؤدي إلى زيادة تكلفة الفائدة في الموازنة العامة الدولة، وبالتالي أثر على الدين وعجز الموازنة.
وأكد أن انخفاض سعر الجنيه المصري أدى إلى وجود أثر إيجابي وآخر سلبي، فعلى مستوى الأثر الإيجابي لانخفاض سعر الجنيه يساهم في زيادة حصيلة موارد الدولار الرسمية للدولة التي تشمل إيرادات قناة السويس والسياحة، والصادرات وكذلك الهيئات المرتبطة بالدولار، أما على المستوى السلبي من تأثير انخفاض الجنيه يتمثل في زيادة فاتورة القمح والدين.
من هنا لابد من الحرص الشديد في تلبية مطالب صندوق النقد، لما تمثله من مخاطر على المنظومة الإقتصادية، في الشق الذي يتعلق بالجوانب الإجتماعية، وأسعار السلع الإستهلاكية، وما يرتبط بها من تكاليف معيشية، بخلاف زيادة العبء الإقتصادي على ميزانية الدولة، وارتفاع الأعباء التي ترفع من قيمة العجز، والدخول في عمليات اقتراض جديدة في حلقة جهنمية لا تنتهي.
والخطر الأخر يتمثل في التوجه نحو تحرير كامل للجنيه، بتخفيض جديد لسعر صرفه أمام الدولار، وباقي العملات، تحت مبررات ضخ السيولة للخروج من الوضع الحالي، والمساعدة على استعادة الزخم في سوق العملات الأجنبية، وإزالة الأعمال المتراكمة المتبقية، والمساعدة على تلبية الطلب الجديد، بمجرد إزالة ضوابط الاستيراد.
إلا أن ذلك يعني وضع الأسعار وتكاليف السلع المستوردة، والمواد الخام، ومستلزمات الإنتاج والسلع الوسطية وغيرها، تحت رحمة قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، خصوصا الدولار، والذي يرتبط بالجنيه، كالزواج "الكاثوليكي"، ويصبح الهم الأكبر على عاتق المستهلك.
ويبدو أن الحكومة تتجه نحو هذا، بعد قرار الحكومة نقل تبعية مبادرات البنك المركزي للتمويل منخفضة العائد إلى جهات حكومية مختلفة، ووقف إصدار أية مبادرات تمويل جديدة، وهو أحد مطالب صندوق النقد، مما يشير إلى وجود توجهات واضحة بتنفيذ حزمة جديدة من مطالب الصندوق، والتي تعترف الحكومة بأنها شروط صعبة، بل وصل هذا من القيادة السياسية.
وحدد صندوق النقد 16 ديسمبر الجاري، موعدا لمناقشة قرار منح مصر قرضا بقيمة 3 مليارات دولار، وذلك خلال اجتماع مجلس إدارته، والنظر في مسودة الإتفاق على مستوى الخبراء بشأن أداة التسهيل الائتماني الممدد على 46 شهرا.
وهذه المرحلة وحتى هذا التاريخ ، تمثل مفترق طرق، من المهم أن تكون هناك وقفة لتحديد المصير عند مفترقي طرق، وكل له مبرراته، إما الإرتماء في أحضان الصندوق، ونستعد لتحديات جديدة، أو الإكتفاء بما تم التوصل إليه على مستوى الخبراء، والدخول في نقاش حر لحلول وطنية ضمن الحوار الوطني تكون وفق رؤية بعيدة المدى لبناء اقتصاد لا يحمل أعباء إضافية على المواطن.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري