يلجأ البعض لسير الأوائل في التاريخ، لتحفيز النفس والروح، وشحذ الهمم، ولكن يجود علينا العلي الكريم في بعض الأوقات بنماذج مضيئة من أهل العزائم والمكارم، أصحاب العطاء الملهم التي تصلح كقدوة ونموذج وأسوة في العلاقات والمعاملات، ومن بينهم المرحوم الصحفي النابه محمد أبو الغيط.
توفي الصحفي النبيل محمد أبو الغيط اليوم الإثنين 5 ديسمبر، بعد صراع باسل وصبر جميل في مواجهة المرض الخبيث، وتشرف قلمي بالكتابة عليه في موقع المشهد منذ فترة قريبة، دعما لصموده، وتحية لأسرته الصبورة، واليوم أنعيه، فقد انتقل إلى الرفيق الأعلى، غالبا بصموده الملهم لا مغلوبا، فائزا بحب الناس له وزيادة كرههم للمرض الخبيث، تاركا الاثر الطيب خلفه ليحفظ له في العالمين الذكر الخالد.
ماذا يحتاج صحفي (34 عاماً) أكثر من هذا الحب من جميع التيارات والأفكار، وهذه الدعوات بكافة اللغات واللهجات، وهذا الحضور الملهم في منتديات الكافة، ولذلك كان السؤال الأكثر أهمية لي، ما طرحه أحد أصدقائه على حسابه الرسمي وهو يدعو له قائلا:" ماذا بينك وبين الله حتى يجتمع عليك كل الناس؟"؟، وهو سؤال علوي صوفي روحاني، يسعى اليه كل الراغبين في الوصول إلى حيث لا وصول.
ولعل السر يمكن ، بحسب من عاشره ، في لطف محياه وسهولة تعاملاته وطيب قلبه، أو بعبارة من قالها :" كان أطيب خلق الله"، ومن هنا الرسالة لكل من يريد الاثر الطيب ، والله يحب المحسنين المثابرين، في زمن كثرت فيها العلاقات السامة والمعاملات المسرطنة.
لقد توقع أبو الغيط نهايته، في كتابه الأخير ، الذي أعلنت دار الشروق عن قرب صدوره تحت عنوان "أنا قادم أيها الضوء"، حيث قال ابو الغيط :" لو تحققت نجاتي بمعجزة ما، فسأسعى نحو ذلك الضوء الذي زادت خبرتي به وتقديري له في أيام مرضي، وسأمنح ما أستطيع عرفانا لكوني محظوظا بزوجة مضيئة، وبأب وأم مضيئين، وبالكثير من الأصدقاء الذين يطمئنني نورهم لحقيقة الخير في الدنيا، ولو وافاني القدر بالوقت الذي قدره الأطباء، أرجو أن يكون ما بعد نفقي نورا وهدوءا، وأن يمر عبر هذا الكتاب بعض الضوء إلى من يقرأ".
إن الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، وكلمات أبو الغيط كانت من النوع الأول المضيء ، وهي رسالة إلى كل صحفي وصحفية من الخليج إلى المحيط، أن يتمسك بالنور في كتاباته لا الظلام، والتنوير لا التدليس ، فالصحفي كاد أن يكون رسولا، يحمل رسالة الحقيقة ، وأمانة الكلمة على عاتقه .
وفي الختام ، كتب أبو الغيط منذ ستة أشهر، هذا الرجاء: (والد زوجتي أستاذ جامعي في السبعين من عمره.. وبعد لجنة العفو وانطلاق الحوار الوطني عدنا لطرق (الأبواب) بكل ما هو متاح رسميا وغير رسمي، ثم لا شيء، أرجو ممن كان لي عنده لحظة ود أن يساعدنا في ألا تُفجع إسراء في زوجها ووالدها ووالدتها المتوفاة بالفعل قبل عامين بالسرطان) فهل من قلب منيب؟
---------------------------
بقلم: حسن القباني