في 5 ديسمبر 1952 اغتيل الزعيم النقابي والوطني التونسي "فرحات حشاد" مؤسس اتحاد الشغل. ومنذئذ وعلى مدى سبعين عاما لا أظن أن هناك شخصية في العالم العربي جاءت ورحلت من خارج السلطة تتمتع بمثل ما يحظى به من شعبية تتجسد وتتجدد مع ذكرى هذا اليوم في الشارع والفضاءات العامة. وهكذا على هذا النحو الذي لاحظت وعايشت كمراسل "للأهرام" في تونس.
في مثل هذا اليوم من عام 2017 دونت في يوميات مراسل غير منشورة هذه العبارات :
" ذهبت الى ساحة محمد على الحامي لمقر الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث التجمع السنوي بمناسبة ذكرى اغتيال فرحات حشاد. وسرت مع الموكب الطويل الذي شارك فيه عشرات الألوف إلى ضريحه أمام مقر بلدية مدينة تونس في حي "القصبة". حقيقة لم أشهد في حياتي ولم أعرف أبدا من قراءاتي ومتابعاتي هذا الاحتفاء السنوي بزعيم لم يرأس دولة أو يتول سلطة أو له صفة دينية في عالمنا العربي من قبل . الحدث جماهيري في الشارع وبمسيرة استمرت لنحو ساعة ونصف الساعة كان مناسبة لاستعراض قوة الاتحاد، وللقول مجددا بأنه ملاذ المواطنين التونسيين في مواجهة السلطات. وهذا على الرغم من أنني كنت أعلم وغيري ـ وحتى من بين المشاركين في المسيرة ـ بأن قيادة الاتحاد تنخرها العديد من السلبيات والبيروقراطية. بل لايتورع العديد من التونسيين عن إتهامها على مدى عقود بالانتهازية وشبهات فساد والتنكر لحقوق العمال والمواطنين والتفريط في الاستقلالية.
كان الموكب / المسيرة خلال اختراقه للطرق نحو غايته ملتفا وعن قرب حول أزقة المدينة العتيقة يصدح بشعارات الثورة مثل : خبز.. حرية .. كرامة وطنية. وبعد يومين ذهبت مع حلول الغروب إلى "متحف معقل الزعيم" ـ وهو منزل قديم سكنه الحبيب بورقيبة وقتما كان يعمل بالمحاماة قبل الاستقلال ـ لاستمع إلى محاضرة عن فرحات حشاد وظروف اغتياله والمتهم فيها أولا الاستعمار الفرنسي. لكن المحاضر الرئيسي المؤرخ الدكتور عميرة علية الصغير لم يغفل أيضا عن مناقشة الإتهامات الموجهة لبورقيبة نفسه بالتورط في التخطيط لاغتياله.".
انطلاق المسيرة من امام مقر اتحاد الشغل
شوارع باسمه تنافس "بورقيبة"
خلال إقامتي بتونس كان بإمكاني ملاحظة شوارع بلا حصر تحمل اسمه في مختلف المدن. وحتى في العاصمة، لا تخلو العديد من الأحياء البعيدة مع قلب المدينة من شارع "فرحات حشاد". ويقينا هو الاسم الوحيد الذي ينافس حضور "الحبيب بورقبية "زعيم الاستقلال ومؤسس "الدولة الوطنية" وأول رئيس لجمهوريتها في الفضاءات العامة، و إلى اليوم.
أما مقار "اتحاد الشغل" المنتشرة في كافة المدن تقريبا، بما فيها الصغيرة محدودة السكان فحدث ولاحرج . وكان بإمكاني أن ألاحظ أيضا في غير مرة أن هذا المقر أو ذاك يتفوق في ضخامته ورمزيته ووزنه وسط الحيز الجغرافي العمراني والمعماري للمدن على أبنية مؤسسات سيادة الدولة، كالبلدية ومركز البوليس. وربما كانت تونس هي البلد العربي الفريد الذي سمحت فيه سلطة دولة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار بهذا الحضور المادي والرمزي على هذا النحو إلى جانبها، وإن ظلت علاقة اتحاد الشغل تاريخيا بهذه السلطة منذ الاستقلال عام 1956 ملتبسة، و في صراع بين الاستقلالية وبين التبعية والهيمنة. وفي ذلك محطات من بينها مواجهات وصدامات أعوام 65 و 78 و 84/1985.
في عديد من المصادر التاريخية ترد معلومة بأن "فرحات حشاد" استطاع أن ينظم في اتحاد الشغل قبل اغتياله نحو 120 ألفا من العمال والموظفين. وهو ما أظنه رقما مهما، إذا ما اخذنا في الاعتبار أن تعداد تونس حينها لم يكن يتجاوز 3,5 مليون نسمة، بينهم نحو نصف مليون من الأجانب غير الأعضاء بالطبع في الاتحاد.
قصة نجاح في بناء تنظيم نقابي جامع
ما يستحق التأمل بالفعل هو قدرة الشهيد "حشاد" على بناء ما يمكن وصفه بالتنظيم النقابي الأهم والأعرق في الدول العربية كافة، وربما الأكثر تأثيرا على السياسات في موطنه. وهذا مع أنه ولد في 2 فبراير 1914. أي أن عمره لم يتجاوز 32 سنة عندما نجح ورفاقه في إعلان تأسيس اتحاد الشغل كمنظمة وطنية جامعة للعاملين التونسيين ونقاباتهم في مختلف أنحاء البلاد. ويمكن القول وإلى حد كبير إنه نجح من خلال بناء اتحاد الشغل في تأسيس تنظيم ورمزية نقابية وطنيه جامعة تتجاوز انقسامات التونسيين الجهوية والعروشية. وفي ذلك رد على دعاية سلطة دولة ما بعد الاستقلال الذي تنسب لـ "بورقيبة" وحدة فضل صياغة الشخصية الوطنية التونسية، بل واكتشافها واختراعها. وهذا إلى حد اعتبار التونسيين كانوا قبله بمثابة "ذرات بشرية" تنتمى إلى ثقافات بدائية متنازعة في انتماء ما قبل وطني وحداثي. وحقا استطاع "حشاد" قبل اغتياله مع رفاقه النقابيين من تشغيل تنظيمات وهياكل اتحاد الشغل المنتشرة في أنحاء البلاد التونسية كـ " بوتقة صهر" للشخصية الوطنية، وفي تجاوز لأمراض وميراث الجهوية والعروشية، و مع " تسييس" واضح للعمل النقابي.
وما يستحق التأمل أيضا في سير "فرحات حشاد" التي طالعتها أنه ابن أسرة من الصيادين الفقراء من جزيرة "قرقنة" قرب مدينة "صفاقس"، وأنه لم يتمكن من استكمال تعليم نظامي بعد المرحلة الابتدائية. التحق صبيا وعمره 14 سنة بسوق العمل. ثم عمل "قابضا" ـ أيمحصلا بالمصرية ـ في الشركة التونسية للنقل بالساحل، وقبل أن يعمل محاسبا. لكن تم طرده من العمل وعمره 24 سنة، وذلك بعد مشاركته في إضراب عام 1938 وبسبب نشاطه النقابي.
وفي سياق ما سبق، يلفت النظر أيضا أن "حشاد" في شبابه المبكر كان يفاوض أصحاب العمل الأجانب بلغة فرنسية متمكنة، وفيما كان وعيه الطبقي والنقابي وخبراته التنظيمية والسياسية يتطور عبر تجارب اكتسبها منذ الانضمام للكنفدراية العامة للشغل ( الفرنسية) ولنقابة النقل التابعة لجامعة عموم العملة التي أسسها في1924 النقابي التونسي محمد على الحامي ورفاقه ، ووصولا إلى الخروج لتأسيس التنظيم النقابي العمالي الوطني الجامع . وفي المحطات النقابية السابقة كان "حشاد" الشاب منفتحا على الأفكار والشخصيات الاشتراكية والشيوعية، وكذا على الحزب الدستوري الجديد الذي قاد النضال من أجل الاستقلال الوطني. كما كان يمتلك أدوات القيادة في عصره ومن بينها ملكات لافتة للخطابة في الجموع باللغتين العربية والفرنسية .
داخل الضريح في ذكرى اغتياله
"بوصلة " الحركة النقابية
عبر مسار من الخبرات والنضالات، استطاع "حشاد" أن يصوغ توجهاته، ومعها "بوصلة" الحركة النقابية التونسية بين منتصف الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن العشرين. ووفق دراسة دكتوراة موثقة بالفرنسية للمؤرخ "عبد السلام بن حميدة" صدرت مترجمة إلى اللغة العربية من "صفاقس" عام 1984، وضع هذا الزعيم النقابي الوطني على رأس أولويات اتحاد الشغل قضايا الاستقلال عن الاستعمار والتحرر الوطني مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبناء الديمقراطية معا. وكان واعيا بأن الحركة النقابية العمالية تنتعش وتتقدم في مناخ ديمقراطي. وفي ذلك جاء قوله: "لايمكن لأي حركة نقابية حرة وديمقراطية أن تنتعش دون نظام سياسي يضمن للأفراد حرياتهم الأساسية في التجمع والتعبير والرأي ويضمن في نفس الوقت الحقوق الديمقراطية للشعوب حتى تقدر على تسيير أمورها بنفسها وتختار حكوماتها بكل حرية".
وعلاوة على هذا، أظهر "حشاد" واتحاده وعيا متجاوزا لمفاهيم الاستقلال السياسي الشكلي في المستعمرات، وربط هذا الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي وبتغيير جذري في النظام الاجتماعي الرأسمالي، كما لم يغفل عن الأبعاد الثقافية الوطنية والشعبية.
وتكاد تجمع العديد من مصادر التاريخ على أن "فرحات حشاد" لم يساوم أبدا على حق العمال في الإضراب. وينقل عنه نصا قوله عن الإضراب: "هذا حق لن يتنازل عنه العمال أبدا حتى في حالة إقدام السلطات على محاربته. إننا لم ننتظر صدور تشريع أو أمر رسمي بإعلان حق الإضراب لاستعمال هذا الحق . وهو تماما كالحق في التنظيم النقابي لا ينتظر اعترافا بالحريات النقابية". بل أن "حشاد" قاد أيضا من خلال اتحاد الشغل سلسلة إضرابات ناجحة في عموم البلاد التونسية لأهداف وطنية سياسية بامتياز واحتجاجا على قمع المستعمرين الفرنسيين. ويمكننا أن نلاحظ تواتر هذه الاضرابات بكثافة قبل اغتياله في 23 نوفمبر 1950 و 21 ديسمبر 1951، وكذا تنظيم إضراب عام خلال مارس 1951 تضامنا مع نضال الشعب المغربي ضد قمع المستعمر الفرنسي.
ولا يخلو كتاب المؤرخ "بن حميدة"ـ الذي توافرت له وثائق شخصية ونقابية مهمة نظرا لأنه تزوج بابنه القيادي النقابي "الحبيب عاشور" رفيق "حشاد" ـ من انتقادات لمسيرة هذا الزعيم النقابي الوطني الكبير، ومن حكم قد يكون صائبا بأنه برحيل "حشاد" انفتح الباب واسعا ومن داخل الاتحاد أمام زيادة نفوذ الموظفين والبيروقراطية على مقدراته وقيادته. أسماأ
مقدمات الاغتيال وتصعيد إرهاب المستعمر
لايمكن اعتبار اغتيال " فرحات حشاد " قبل سبعين عاما حدثا منفصلا بذاته. فثمة سياق كامل من تصعيد إرهاب الدولة المستعمرة ومستعمريها في تونس. ويوثق كتاب "بن حميدة" نقلا عن مجلة "الثورة البروليتارية" باللغة الفرنسية عدد يناير 1953 نحو 37 محاولة اغتيال ضد تونسيين ـ وكلها مرت دون عقاب ـ جرت بين أول مايو ونهاية أكتوبر 1952 ، وبينها تفجير مكتب اتحاد الشغل بمدينة "بنزرت". وفي كتاب "تونس الثائرة" للقائد الوطني " على البلهوان" الصادر عام 1954 قائمة طويلة بإعتداءات عصابات " الدفاع المدني" و "اليد الحمراء" الفرنسية. و تشمل تفجير مقاه في العاصمة تونس ومنازل شخصيات وطنية ونقابية، ومن بينهم المحامون "فتحي زهير" و"الطيب الميلادي" و "الطاهر الأخضر" والصحفي "المنصف المنستيري". وحتى منزل "الصادق بوصفارة " الطبيب الخاص للباى (ملك تونس) محمد الأمين باى لم يسلم من الاعتداء والهدم. وفي يوم اغتيال "حشاد" كان بالمعتقلات الفرنسية نحو 25 من رفاقه في قيادة اتحاد الشغل.
ضريح حشاد من الخارج
التحريض على "فرحات الأمريكي"
قبيل اغتياله بأيام، كانت منشورات عصابة "اليد الحمراء" ـ وفق ما جاء بكتاب "البلهوان" ـ توزع علنا على المارة في شوارع تونس، وهي تحرض على قتله، وتصفه بأنه "فرحات حشاد الأمريكي". وهذا نظرا لعلاقاته المتطورة مع نقابات العمال بالولايات المتحدة، والتي سعي لتوظيفها لصالح استقلال تونس وللضغط على الإدارة الأمريكية لتعديل مواقفها من قضية بلاده الوطنية أمام الأمم المتحدة.
واللافت أن هذه المنشورات كانت تلعب على أوتار شبيهة بدعاوى واتهامات سارية حتى اليوم من قبيل "الاستقواء بالأجنبي". وتزعم دفاعها ضد تهديد استقلال أراض فرنسية تقوم على الحريات الموروثة من ثورة 1789 وشعاراتها: "الحرية .. والمساواة .. و الإخاء". بل وتدعى الزود عن "مدنية عربية لاتينية" يهددها "فرحات الأمريكي". وبالأصل كانت سلطات الحماية الفرنسية قد صادرت جواز سفره ومنعته من اللحاق بمؤتمر اللجنة التنفيذية للنقابات العالمية الحرة أو كنفدرالية العالمية للنقابات الحرة (السيزل اختصارا)، والذي كان مقررا له الانعقاد في نيويورك. وأصبح حبيس البقاء في تونس اعتبارا من سبتمبر 1951 ، أي قبل اغتياله بنحو أربعة أشهر.
بل وامتد التحريض على قتل "حشاد" من صحف الاستعمار الفرنسي في تونس إلى مراكش (المغرب لاحقا). وينقل " البلهوان" في كتابه ما نشرته صحيفة "باريس" بالدار البيضاء في عدد 29 نوفمبر 1951:"إذا كان هناك رجل يهددك بالقتل فاضربه على رأسه هكذا يقول المثل. واليوم يجب ضرب هذه الرأس".
نور الدين بالشاشية الحمراء امام ضريح والده حشاد
سيارة "ستروين" ورصاصات في الرأس
يخصص كتاب "تونس الثائرة" فصلا كاملا لوقائع اغتيال "فرحات حشاد" في هذا الصباح من يوم جمعة بعد مغادرته وحيدا في سيارته "الستروين" المتواضعة منزله وخلفه زوجته وأطفاله الصغار في بلدة "رادس " جنوبي العاصمة ، وقد تحولت اليوم هذه البلدة إلى ضاحية، قاصدا مقر اتحاد الشغل في مدينة تونس. وفي هذا الفصل، توثيق لكيفية قيام السلطات الفرنسية ومقيمها العام في تزمس"المسيو دي هوتكلوك" بإهدار فرصة انقاذه؟، وتمكين القتلة من الإجهاز عليه برصاصات في الرأس، و تشويه جثمانه إلى حد أنه لم يتم التعرف عليه إلا من أوراق في ملابسه. وأيضا كيف منعت السلطات انطلاق جنازته من العاصمة، ونقلته ليلا ليدفن بحضور عدد محدود من عائلته في مسقط رأسه "بقرقنة" يوم 7 ديسمبر 1952.
كما يستعرض الكتاب مواقف متباينة بين فرنسيين أحرار وآخرين استعماريين من اغتياله ومسؤولية باريس الرسمية. وفي هذا السياق يوثق برقية من المثقفين الفرنسيين ـ من بينهم الشاعر الشيوعي لوي أراجون صاحب ديوان " عيون إليزا" ـ إلى اتحاد الشغل تتعهد بالعمل من أجل عدم إفلات المسئولين الفرنسيين من العقاب على جرائمهم ضد "حشاد" والشعب التونسي و التضامن مع استقلال تونس. كما يعرض الكتاب لمحات من حملة التضامن مع الشعب التونسي إثر اغتيال "فرحات حشاد" من أندونسيا والهند والباكستان وإيران إلى ليبيا والجزائر، ومراكش حيث أضرب العمال. وهذا مرورا بمصر حيث أقيمت سرادقات للعزاء أيضا.كما كان من تداعيات الاغتيال أن تأسست في القاهرة "لجنة للدفاع عن المغرب العربي" برئاسة الدكتور "محمد صلاح الدين" وزير الخارجية في عهد حكومة الوفد الأخيرة بين 50 و يناير 1952، وكما ورد في كتاب "بن حميدة".
لايحب استقلالا على الطريقة المصرية
للأسف ربما لا نعرف منذ أجيال في مصر والمشرق العربي مكانة وقيمة الشهيد "فرحات حشاد" على نحو مماثل لمواطنه "صالح بن يوسف" الذي اغتاله بورقيبة ـ باعتراف معاونيه لاحقا ـ في فرانكفورت بألمانيا 12 أغسطس 1961. وكان هذا الاغتيال لا يخلو من ظلال صراع مع عبد الناصر وتوجهاته العروبية. وكذا مقارنة بمعرفتنا بالزعيم اليساري المغربي "المهدي بن بركة "، والذي اغتيل بدوره في عهد الملك "الحسن الثاني"، بعد اختطافه في باريس 29 أكتوبر 1965. ولقد كان لكليهما حضوره في ساحة حركة العالم الثالث من أجل التحرر من الاستعمار.
لكن من قال بأن "حشاد" بدوره كان يفتقد إلى جانب حضوره المحلي/ الوطني لليوم مع اتحاد الشغل الذي أسسه عام 1946 علاقاته وأفكاره ورؤاه العابرة للحدود على نطاق عالمي. وبالنسبة لمصر تحديدا لدينا في كتاب المؤرخ "بن حميدة" ما يفيد بأن الرجل كانت عينه على مايجرى فيها ولها. وكما جاء في ص 11 :" لم يكن حشاد يبحث عن أي نوع من الاستقلال، فالظاهر أنه كان يكرر مرارا للكثير من اعضاده : "لانحب استقلالا على الطريقة المصرية". ولعل عودة باحثين مستقبلا إلى أرشيفات القاهرة في عقد الأربعينيات وبداية الخمسينيات تكشف عن علاقات مع النقابات واتحاد العمال المصري الذي تأسس عام 1944 مستقلا عن سلطة الدولة، أو مع قادة انتفاضة العمال والطلبة فبراير 1946 ولجنتها العليا المشتركة، أو عبر لقاءات في مؤتمرات دولية لنقابات العمال..ربما.
العدالة الفرنسية الغائبة لليوم
شوارع وطرقات المدن التونسية التي عركتها سيرا على الأقدام خلال إقامتي وزياراتي كصحفي لنحو 8 سنوات اعتبارا من سبتمبر 2011 محفورة في ذاكرتي وهي تحفظ اسم "فرحات حشاد" وعلى نحو ينافس حضور "الحبيب بورقيبة". وهو ماكان منذ ما قبل ثورة 17 ديسمبر 2010 / 14 يناير 2011. وأعتقد أن هذا غير مألوف أو شائع في غيرها من المدن في عالمنا العربي. لكن فقط بعد الثورة حصل التونسيون على اعتذار عزيز المنال ومتأخر جدا من الدولة الفرنسية حين زار الرئيس السابق "فرانسوا أولاند" بلادهم في عهد الرئيس "المنصف المرزوقي"، وتحدث أمام المجلس التأسيسي (البرلمان ومشرع الدستور) في يوليو 2013 متعهدا بفتح الأرشيفات الرسمية السرية والكشف عن الحقيقة، كما زار حينها ضريحه في "القصبة". وفي فبراير 2018 وخلال عهد الرئيس الراحل "الباجي قايد السبسي" عاد الرئيس "إيمانويل ماكرون" خلال زيارته لتونس ليعترف بجرائم فرنسا الاستعمارية. ولكن كما يبدو ولليوم لم تتخذ الدولة الفرنسية أي خطوة عملية في هذا الاتجاه.
----------------------------------
بقلم: كارم يحيى
محرر المقال في الضريح