24 - 04 - 2024

زئيرُ قط .. ومواء أسد !

زئيرُ قط .. ومواء أسد !

لم نكنْ نتجاوز العاشرة من عمرنا وقتما زرناها أول مرة، فراعنا جمالُها الخلَّاب .. أشجارٌ باسقة مُتصافحة الأغصان، خُضرةٌ تحيطنا من كل مكان، طرقاتٌ نظيفة مُمهدة، بحيراتٌ صافية، مساكنُ لإيواء الحيوانات لم تغفل عنها أعينُ عمال النظافة، غزلانٌ صغيرة تلهو وتمرح، قردةٌ تصرخ وتقفز، تتصارع لالتقاط السودانى وثمرات الموز، التي يُلقيها المتفرجون، أسودٌ تزأر فيُخيمُ حول أقفاصها السكون والصمت فزعا وخوفا، سبعٌ للبحر يسبح ويتراقص، ويقفز مُلتهِما الحشائش، زرافة تقتربُ من الأطفال خارج القفص وتعبُره برقبتها الطويلة لتلتهم الخس والجزر والبرتقال، نمورٌ وفهود في حركة ونشاط دائمين، طيورٌ مُختلفةُ الأشكال والألوان، تُشعرك بأنك فى إحدى الجنان، خيولٌ صغيرة يمتطيها الصغار فتلامس أرجُلُهم الأرض فيضحكون ملء الأفواه، فيلةٌ تتبختر في عُجب، يُقدم لها زوارُ الحديقة الخس والجزر والبرسيم فتأخذه بخراطيمها الطويلة وتُلقيه فى فمها لتلتهمه، فرسٌ للنهر، نحسبه من بعيد جزيرة وسط البحيرة وعندما نقترب فإذا به حيوان ينبض بالحياة، حركةٌ أشبه بخلية النحل، حلقاتٌ من البشر تجلس فى ظل الأشجار تفترش (النجيلة) لتناول وجبة الغداء، لعب ومرح، ضحكاتٌ من القلب، بيع وشراء، كازينوهات مزدحمة، حيوانات تتسم بالحيوية، يسري في عروقها دبيبُ العافية .. كانت هذه حديقةُ الحيوان بالجيزة وقتما كنا صغارا !

ولكنْ ـ وآآآه من لكنْ ـ حلتْ علي هذه الحديقة التى كانت ضمن أجمل حدائق الحيوان فى العالم عدوى الإهمال، فشوهت جمالها، وتركتنا نتحسرُ على أيام زماااان .

فتساقطتْ أوراقُ أشجارها، وتخاصمت غصونُها، دبتْ الأكلةُ فى جذوعها، اصفرتْ (نجيلةُ) رياضها، تكسرت طرقاتُها، تهدمت مساكنُ إيواء الحيوانات، التى مات معظمها إما جوعا أو اكتئابا، حل الهوانُ والضعف علي ملك الغابة فضمر بطنُه بعدما ألهبه الجوع، واستبيح حماه، ولم يعد يزأر خشية أن يُثير أحد (القطط السمان) خارج الغابة فيأتى ويفترسه، بلغتْ السنُ بالفيل مبلغها فلم يعد يقوى على الحركة، وخيم عليه سواد الضعف والمرض، فأضحى شبحا مخيفا، مات سبعُ البحر غرقا بعدما عجز عن السباحة فى بحيرات قذرة، حالةٌ من الاكتئاب أصابتْ الزرافة بليل فأصبح الصبحُ وإذا هى جثةٌ هامدة، انتفخ فى وجه إنسان الغاب ورمٌ ولم يجد طبيبا يعالجه، ماتت الطيور والبجع، وتشوه ريشُ الطاووس متعدد الألوان، فصارتْ (الطاووسة) أجملَ منه !

اختفت الخيول الصغيرة، والجمل ذو السنامين، أصيبت النمور بلوثة وضعف، جف ماء برك الدببة وأصابها الجرب، أقفر بيتُ الزواحف، وماتت التماسيح، خلت (الكازينوهات) من المُرتادين، لم يعد لحلقات البشر تحت الأشجار وجود، أُغلقتْ جبلايةُ (الأحبة) بأبواب من حديد فاختفت الرومانسية، نزل الخرابُ بكل مكان فى حديقة الحيوان فأحجم عن ارتيادها الزوار؛ حزنا على حالها وما آلت إليه من فقر بعد نضارة وعز ..  فهل سننهض لتطوير لهذا المعلم السياحى أم سنترُكه على تلك الحال السيئة ونظل نبكى على أيام زمان ؟
------------------------
بقلم: صبرى الموجى

مقالات اخرى للكاتب

د. خالد الخطيب .. مسؤولٌ تُرفع له القُبعة !





اعلان