19 - 04 - 2024

جيل "ويجز" و راية عبد الوهاب مطاوع

جيل

بينما أكتب مقالي حول مغني الراب الشاب "ويجز" بعدما حل مؤخرا ضيفاً على هيئة الإذاعة البريطانية العريقة بي بي سي، وأطلق رسالة مهمة إلى الأسر العربية والمؤسسات المعنية، وجدت أن عداد التاريخ يكشف عن ذكرى ميلاد الكاتب الاجتماعي القدير الراحل عبد الوهاب مطاوع في 11 نوفمبر 1940، والذي توفي في  6 أغسطس 2004، عليه من الله سحائب الرحمة والمغفرة.

أطلق "ويجز" صرخة جيل في مواجهة عواجيز "الفرح" ومن سار على دربهم، وناشد الأسر أن تستمع له ولكل شباب الراب ليفهموا هذا الجيل ويتعرفوا عليه وليعرفوا كيفية التواصل مع أبنائهم، وطلب صراحة من الشباب ألا يتخذوه قدوة.

تذكرت الآن ، وأنا أجرى في مقتبل سن المراهقة نحو بائع الصحف لأشتري "أهرام الجمعة"، لأعيش في رحاب صاحب القلم الرحيم الراحل عبد الوهاب مطاوع، فنشأ جيلي وأجيال عدة ، على نصائح منيرة وردود شافية وخلاصات لخبرات الحياة، واليوم أمسك القلم في يدي لأجدد العهد على سلك درب الراحل وأكمل ما استطعت مسيرته، حاملا في يدي الأخرى رايته التوعوية البيضاء التي يحتاج كثيرا من الشباب إلى التجمع حولها.

إن فهم هذا الجيل الصاعد، إشكالية كبرى حقا، يحمل همها الكثيرون، وباتت تشكل تحديا كبيرا في البيوت العربية والمصرية، ولكن هذه المرة تحدث (ويجز) بعبارات صريحة كاشفة ، تكشف عن وجع حقيقي موجود في هذا الجيل ، الذي لا يريد أحدا أن يفهمه ولا يستوعب أحلامه وآماله، ولا يحتويه، ويشعر بالعجز أو يدور في دوامة التعجيز ، فلم يجد البعض منهم مكانا آمنا إلا في عناوين الانتحار والانحراف واليأس والاكتئاب.

إن "عواجيز الفرح"، الذين يحترفون عادة النقد واللوم والتجريح في الأفراح، انتقلوا إلى كل الساحات ، وأطلقوا ألسنتهم السامة صوب قلوب الشباب وعقول المراهقين، يقتلون الآمال والأحلام بقذائف التعجيز، والنقد الهدام، والتشاؤم، والاحتقار، والوصاية. 

"ويجز" من جانبه أبطل حجة مهمة، وقال للمراهقين والشباب بوضوح -أشكره عليه-:" لست قدوتكم"، ولكن هذا الجيل يفتقد راية عبد الوهاب مطاوع ، ووجود قدوة مؤثرة ، في ظل غياب مسارات الوعي ، وارتفاع أسهم ترندات الترفيه والتسطيح والتشتيت على أسهم الإستقامة والهوية الوطنية و التحفيز الإيجابي والصحة والأمان.

ويجز وجيله يفتقدون نصائح مثل صاحب القلم الراحل حين قال لأمثالهم منذ زمن :" متى تعلم الإنسان الحكمة بغير ثمن باهظ من أيامه و أعصابه و ذكرياته الأليمة"، وحين قال :" إن أكبر أخطائنا فى حق أنفسنا هو القلق و الاستسلام للاكتئاب و الشعور بالاحباط"، وحين بصرهم برحلة الحياة مبكرا بقوله :" محن الحياة تنضج الإنسان علي نار الألم".

ويجز وجيله يفتقدون راية عبد الوهاب مطاوع الذي تحفز على تعلم المسئولية حيث يقول :" إن الجانب الأكبر من نجاح الإنسان أو فشله يتحمله الإنسان وحده"، وينبه هذه الجيل قائلا :" إن هناك ديونا لا نستطيع أن نسددها إذا تأخرنا على أدائها في الوقت المناسب"، ويشجعه بقوله:" فاحمل أقدارك فوق كتفيك يا صديقي وامضِ في الحياة صابرًا آملًا أبدًا في رحمة الله التي تسع كل شيء، فلست وحدك في همومك ولا الدنيا تستهدفك أنت بالذات بهذه الضريبة".

بهذه اللغة الرحيمة الايجابية، فإن أكثر من 21 مليون نسمة هم تعداد الشباب بمصر في الفئة العمرية (18 ـ 29 سنة) بحسب آخر إحصائيات رسمية في عام 2022، وشباب الوطن العربي الذين بلغت نسبتهم 32% من إجمالي العرب وفق تقديرات غير رسمية، يحتاجون من الجميع – ولا استثنى أحدا – وأنا منهم – مزيدا من التفكير في المستقبل، لا تحت الأقدام، ولا في الاستغراق في الماضي دون تعلم دروسه وعبره كي يتم الاستفادة من هذه الطاقات بشكل خلاق وبناء.

إن المراهقين والشباب في الوطن العربي يريدون أمثال عبد الوهاب مطاوع .. من يفهمهم أولا، ومن يسمع آلامهم ومن يرشدهم إلى سبل الأمل ومسارات النجاح بعيدا عن الوصاية والإرهاب والخوف والقهر وخيبة الأمل ، وصدق الراحل حين قال :"إن أطهر النفوس النفس التي اختبرت الألم فرغبت أن تجنب الآخرين مرارته".
------------------------------
بقلم : حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي





اعلان