18 - 05 - 2025

الجزيرة.. وغيرها

الجزيرة.. وغيرها

قل لى كيف تدير إعلامك، أقل لك من أنت.

الإعلام من الممكن أن يرفع دويلات إلى مصاف الدول العظمى، ومن الممكن أن يهبط بدول كانت من أعظم الحضارات تقدما.

قناة الجزيرة حولت قطر من دويلة صغيرة مساحةً وسكاناً، إلى دولة فى مصاف الدول المتقدمة، تستعد لاستضافة كأس العالم كأول دولة عربية وإسلامية.. كيف حدث ذلك؟

- هل التمويل

فى عام 2007 وخلال دورة للتثقيف السياسى للإعلاميين بمبنى ماسبيرو.. التقى بنا وزير الإعلام وقتها أنس الفقى، وذكر أن ميزانية قناة الجزيرة بمراسليها فى أنحاء العالم والعاملين بها الذين يقدر عددهم بالعشرات، لا تقارن بميزانية التليفزيون المصرى ولا تكاد تصل لميزانية قناة واحدة من قنواته.. ومع ذلك تحقق نسبة مشاهدة هى الأعلى فى العالم العربى.. وقتها كان التليفزيون مكدسا بالعمالة التى تصل لعشرات الآلاف عدد كبير منهم بطالة مقنعة ولا يقوم بأى عمل.

إذن المسألة لم تكن مسألة تمويل بقدر ما كانت: أين يذهب هذا التمويل!

- هل المهنية

تمتلك مصر إعلاميين على درجة عالية من الكفاءة والمهنية وتشهد كافة القنوات العربية وفى مقدمتهم الجزيرة بذلك.. لكنها مهنية مكبلة بعشرات المحاذير، تلك المحاذير التى لم تهتم بها قناة الجزيرة ولم تضعها فى الاعتبار.

محاذير الحفاظ على علاقات طيبة بالدول العربية وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول وعدم إثارة الشعوب والفوضى فى المنطقة..

لم تفعل قطر ممثلة فى قناة الجزيرة ذلك إلا لأنها تعلم جيدا أنها لن تعانى اقتصاديا لو خسرت كل الدول العربية وكسبت باقى دول العالم من خلال تقديم مادة إعلامية قوية وكاشفة، وربما فاضحة، وفى بعض الأحيان مزيفة للوعى بدرجة عالية التقنية.

خاضت الجزيرة هذا الطريق منذ التسعينيات ونجحت فيه حتى ولو على أشلاء العديد من دول المنطقة..

وتبعتها العربية وسكاى نيوز وإن كانتا أقل حدة وأقل تدخلا.. ولكن أيضا أقل قوة ومنافسة..

أما لو قارنا بين قناة الجزيرة والقنوات العالمية التى تبث بالعربية مثل BBC، وسى إن إن، وفرانس 24، وDW نجد أنهم تجمعهم نفس الصفات، شبكة مراسلين واسعة وقوية، بدون أى محاذير على تناول أخبار الدول العربية وكافة موضوعوتها حتى لو كانت تسيئ للدولة وتؤثر على العلاقات معها، وهو ما مارسته صحيفة "لوكانار إنشينيه" الفرنسية مؤخرا ضد قطر بإصدار عدد مسيئ لها وللاعبي المنتخب القطري، كإصدار خاص؛ ونشرت فيه كاريكاتيراً يصور لاعبى قطر على شكل إرهابيين فى إطار هجوم يشنه الإعلام الأوربى ضد قطر ويزداد باقتراب موعد بطولة كأس العالم فى 20 نوفمبر..

ربما تراجعت الجزيرة قليلا عن نهجها فى مهاجمة الدول العربية وأنظمتها عقب مصالحة قمة العلا.. لكنها ما زالت تمتلك قدرا كبيرا من الحرية التى تجعلها تقدم مادة إعلامية جديرة بالمشاهدة، لذلك لا أرى أملا فى المنافسة حتى لو افتتحنا عشرات القنوات الجديدة، وغيرنا اللكنة التى نتحدث بها وعطشنا الجيم لتصبح "چيم" وتميل إلى الخليجية.. مالم تُتح لنا نفس الفرصة كاملة وتم رفع كافة المحاذير..

وهذا لن يحدث طالما استمر اقتصادنا مرهونا باقتصاد الآخرين.
-------------------------------
بقلم: سحر عبدالرحيم

مقالات اخرى للكاتب

الجزيرة.. وغيرها