أن يدَّعي مغمورٌ معرفته بهذا وذاك من سُراة القوم وعِلية الناس كنوع من المُفاخرة والمباهاة أمرٌ جائزٌ في عُرف العامة الغافلين عن أن ذاك حرام، إذ يُعد صورة من صور الكذب، الذي لا يليق البتة بمسلمٍ سمع قول نبينا لما سُئل : ( أيكون المؤمنُ كذابا؟) فأجاب : (لا)، والنفيُ لمُطلق الكذب باستثناء حالتين، أباحه فيهما الشرع : مع العدو، وعند الإصلاح بين الزوجين، فهاتان وفقط يكون الكذبُ فيهما أبيض، ودونهما فالكذب كله أسود من (القطران)، ولا يأتي بخير !
أُكرر : ادعاءُ المغمور معرفته بهذا وذاك، حتي وإن كان علي خلاف الحقيقة قد يكون مُستساغا؛ لأنه بهذا يُداري خسته، ويرفع ضعته، أما أن يسلك هذا بعضٌ ممن ملأوا السمع والبصر، وكانوا حديث الصحف والمجلات، إضافة إلي وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، التي يدورون علي طاولاتها قيلا وقالا، يحضون الناس خلالها علي فضائل ومُثلٍ هم أبعد الناس عنها فتلك هي الطامة الكبري، التي تُنذر بأنه أزفت الأزفة، وأنه ليس لها من دون الله كاشفة .
جمعني مؤخرا لقاء بأحد هذه الوجوه السمجة، والذي - للأسف - ارتقي يوما مرتقي صعبا، ورغما عن هذا فهو أكذبُ من (عرقوب)أو (أبي لمعة)، فلا يُذكر أمامه مسئولٌ، إلا ويؤكد أن صلته به وثيقة، وأنهما معا بمثابة (الغصن وظله)، أو (الحَلة وغطاها)، وما إن يطلب السامعُ لحديثه ذي الشجون شفاعته لدي ذلك المسئول - وزيرا كان، أو رئيس مصلحة، أو حتي غفيرا - إلا وراغ من السائل كما يروغ الثعلب، واختلق الأعذار، وساق العديد والعديد من مبررات إحجامه عن مدِّ يد العون .
هذا النموذجُ ومَن علي شاكلته، هو صورة شائهة لدُمي جعلها الإعلامُ أعلاما رغم أنهم أقزام، فالكبير بأعماله وليس بأقواله، هو صفرٌ علي شمال الرقم لا قيمة له؛ لأن الناس في حياتنا منهم من يُشبه النهر يشق الأرض الصخرية، فلا يترك أثرا، ولا يُنبت زهرا ولا ثمرا، ومنهم من هو كماء المطر ينزل علي التربة الخصبة فيحيلها إلي جنات معروشات وغير معروشات .
والفطنُ من قيَّم المرء من حديثه، فعض علي قليل الكلام كثير العمل بالنواجذ، وأغلق بابه في وجه من يدعي الفضل والعلم، وهو فيهما فقير .
ولله درُ من قال:
وكـــــــلُّ يـدعي وصـــلا بليلي .. وليلي لا تقــــــــر لـــهم بذاك .
فكثيرٌ من عاطلي الفكر والمشاعر، وجابت شهرتهم الآفاق بضربة حظ، يدعون أن بيدهم - وحاشا لله - مقاليد الأمور، وهم في الحقيقة أهون من ذبابة، وأحقر من بعوضة، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، فما بالك بغيرهم .
هذا النماذج .. أقول لها بملء الفم : شاهت الوجوه، كلكم تدعون وصلا بليلي، التي تتدلل عليكم جميعا .. فارحمونا من كذبكم الأسود !
ورددوا معي قول شيخ المعرة :
هل صح قولٌ من الحاكي فنقبلَـه .. أم كل ذاك أباطيلٌ وأسمــــــارُ.
أمَّا العقـول فآلت أنه كـــــــــذبٌ .. والعقل غرسٌ له بالصدق إثمـارُ.
-----------------------------
بقلم : صبري الموجي