23 - 05 - 2025

وجهة نظري | في صحتك "النفسية"

وجهة نظري | في صحتك

حسنا ما فعلته وزارة الصحة بإطلاقها مبادرة "الصحة النفسية".. فما أحوجنا لتلك المبادرة بعدما نال كل منا نصيبا ودرجة ما من الاضطرابات النفسية.

أصبحنا جميعا نعانى من اختلال نفسي .. تشى به ملامح وجوهنا .. نظراتنا .. ردود أفعالنا التي تميل دوما للعصبية .. ميل للعزلة .. هجوم مبالغ فيه على الآخر.

ردود فعل متربصة .. يدب الخلاف بيننا لأتفه الأسباب ، لم يعد يلتمس أي منا عذرا للآخر ، بعدما بتنا جميعا أسرى لذواتنا المنغلقة على همومنا الجاثمة بقسوة فوق صدورنا.

ربما يتفاءل البعض بتلك المبادرة التي أطلقتها وزارة الصحة مستهدفة علاجنا من كل هذه الاضطرابات النفسية ، فما أحوجنا لتلك المبادرة والتي تأتي ، كما يعدنا وزير الصحة الدكتور خالد عبدالغفار ، في إطار جهود الدولة للإهتمام بالصحة العامة للمواطنين.

وفق آخر مسح قومي للصحة النفسية أجرته الوزارة ، فهناك نحو 24% من المصريين يعانون من أعراض نفسية ، وإن كنت أعتقد أن النسبة أعلى من ذلك بكثير .. خاصة وأن المسح تم إجراؤه على عينة عشوائية لنحو34% .. وفقا لتصريحات إيمان ممتاز استشارية الصحة النفسية لموقع سكاى نيوز عربية ، والتى أكدت أن اضطرابات الاكتئاب كانت أكثر الاضطرابات النفسية إنتشارا حيث بلغت نسبتها 30%.

وكالعادة أرجعت المسؤولة زيادة الإصابة بالاضطرابات النفسية خلال العامين الماضيين إلى جائحة كورونا ، ولا أدرى كيف تناست تأثير الحرب الروسية الأوكرانية والتي تعلق عليها دوما حكومتنا شماعة تقصيرها وفشلها في التعامل مع مشاكلنا وأزماتنا الصحية منها والنفسية والاقتصادية.

ومع تسليمنا الكامل بأهمية مبادرة الصحة النفسية ومع يقيننا بأن الاكتئاب هو مرض العصر ، وأن معدلات الإصابة بالأمراض النفسية زادت في الآونة الأخيرة ، بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن الاكتئاب سيكون المرض الأول في العالم بحلول عام 2030 .. إلا أننا نرى أيضا أن إطلاق مبادرة الصحة النفسية لا تكفى وحدها لمواجهة أمراض المصريين النفسية. فعلاجنا من تلك الاضطرابات لن يتم إلا بمواجهة كل الأسباب التي قادتنا للإصابة بها.

وعندما تتبنى وزارة الصحة مبادرة تستهدف تعافينا من القلق والاكتئاب ومواجهة تزايد حالات الإنتحار وقتل الأولاد خشية الفقر ومحاربة اليأس بغرس التفاؤل وزرع الأمل ، عليها أن تبحث عما وراء إنتشار تلك الأمراض وإلا فلا فائدة ترجى من مبادرتها ، والتي يكون مآلها ، ككل مبادرات أخرى سبقتها ، مجرد ذر للرماد في العيون.

إذا أرادت وزارة الصحة مواجهة اكتئاب المصريين ، عليها توفير سبل العلاج الفعالة والآدمية وألا تترك المرضى البسطاء قليلي الحيلة يدورون في رحى قاسية تستنزف مابقى من طاقتهم وتزيد من إحساسهم بالعجز بعدما ضاقت بهم أسرة المستشفيات وضاق بهم القائمون عليها ، فيواجهون الأمرين حتى تقضى حاجتهم ويتلقوا علاجا أقرب لما يتلقاه متسول يطلب حسنة لوجه الله.

ألا يكفى ذلك لإصابتنا بالإكتئاب؟ لنا أن نتخيل كم الأسر المهمشة البسيطة التي تعانى لتلقى علاج يطلق عليه مجاني بينما يكلف المرضى الكثير .. وللأمانة ليست وزارة الصحة وحدها المسؤولة عن تزايد اكتئابنا وقلقنا واضطراباتنا النفسية ، وإن كانت هي صاحبة المبادرة التي تستهدف تعافينا منها ، إلا أنها أيضا تتحمل جزءا من المسئولية لما وصلت إليه صحتنا النفسية من تدهور.

أصابنا الاكتئاب عندما لم يجد الملايين منا علاجا آدميا ناجعا .. ولم يجدوا مدارس آمنة وغير عاجزة عن تعليم صغارهم وفق مناهج متطورة حديثة ، بل شابها العقم والجمود والتخلف.

ملايين من طلبة المدارس يحصلون على شهادات بلا تعليم ، وملايين مثلهم يتخرجون من الجامعات دون تأهيل .. ينضمون لغيرهم في طابور البطالة ، بعدما أيقنوا أن شهاداتهم حبر على ورق ، فضربوا بها عرض الحائط وبحث الشطار عن وظائف أخرى لاتمت لشهاداتهم بصلة رافعين شعار "الرزق يحب الخفية" لا الشهادات الجامعية.

لكن يبقى غيرهم في انتظار أمل يبدو في عيونهم ووفق ظروفهم صعب التحقق ، تنغلق أبواب الرزق والعمل وتضيع جهودهم هباء في إيجاد مخرج ، فتتعلق أحلامهم بالسفر عله يكون مخرجا ، قبل أن يكتشفوا أن الوصول إليه في الوقت الحالي ليس بالأمر السهل بعدما أغلقت الكثير من البلدان العربية أسواق عملها على مواطنيها فقط.

سبب آخر للإكتئاب تعانى منه كثير من الأسر المصرية بعدما تتكبد بمشقة سنوات طويلة فى تعليم أبنائها لينتهى حلمهم بالبحث المضني عن وظيفة صعبة المنال.

مدارس بلا تعليم وجامعات بلا تأهيل وشهادات لامعنى لها ، وفوق كل ذلك غلاء فاحش يستنزف دخولنا المحدودة ، ويصيبنا بالعجز عن مواجهة أبسط الإحتياجات ، تنحدر ملايين الأسر درجة بعد درجة ، تهبط الأسر الميسورة إلى الطبقة الأدنى وتكاد تتلاشى الطبقة المتوسطة ، وتكبد الطبقة الفقيرة مزيدا من الإنسحاق.

هذا هو حالنا الذى وصلنا إليه .. فهل مازالت وزارة الصحة متحمسة لمبادرتها لنتعافى من اضطراباتنا النفسية!! ، هل مازالت قادرة على علاجنا من القلق والاكتئاب واليأس! هل مازالت متفائلة بنجاحها في مواجهة كل تلك الاضطرابات ، وواثقة في مد يد المساعدة لانتشالنا من تلك الهوة السحيقة التي وصلت إليها حالتنا النفسية؟! أم أن مبادرتها لا تخرج عن كونها مجرد أنخاب رديئة ترتفع الأيدى بها غير مكترثة وتتجرعها بلا مبالاة "فى صحة اضطراباتنا النفسية".

من غير المنطقى أن نقابل تلك المبادرات بالتفاؤل ، ونحن ندرك أن مصيرها الفشل ، وأن النجاح الحقيقى يكمن في الاعتراف بمواطن الضعف والفشل والتقصير والقصور ومحاولة مواجهتها وعلاجها وبذل الجهود الحقيقية في سبيل تحقيق ذلك ، وإلا ظلت الحكومة كما هي دوما في واد بينما جموع الشعب في واد آخر .. فلا هي تتوقف عن مبادراتها زائفة البريق ، ولا الشعب مكترث ولا يخدعه ضجيجها الذى يأتي غالبا بلا طحين.
-----------------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

ماما أمريكا وخالتو أوروبا