28 - 03 - 2024

أحمد نناوي

أحمد نناوي

«ربما التقصير مني و(ربمات كثيرة)».. لم يجد هذا المبدع الثلاثيني الذي ربما يُسمح لي- بحكم دراستي الدرعمية من جانب، وردود وردات الفعل، سواء من جيله أو ممن يكبرونه ويكبرنه سنًا ويشاركنه شعرًا، على نظمه الذي لا ينضب- بوصفه أمير شعراء الشباب، سوى هذه العبارة للرد على تساؤلات عدم حضوره وظهوره بالمشهد الإعلامي الذي يستضيف شخصًا جل رصيده أغنية، إن صح التعبير، من كلمة واحدة، وآخرين يتغنون بما يغيّب العقول فيحصدون الذهب والعربات، أو اقتناصه جائزة مرموقة كتلك التي تُنسج لها عناوينُ وتُفتّح لها بوابات ونوافذ إلكترونية، وتلاشي الاهتمام به كُفلانٍ وعلِّان ممن لهم صيت و"وسيط".. وهو الذي أتى من القرية التي يُرجِع الفضلَ كلَّه إليها، في صقل موهبته فتراه مُغردًا:

«أدينُ

لقريتي بالشِّعر

قولًا

وفعلًا واكتمالًا للمسيرة

تُراودني المدينةُ

عن سماها

وقلبي صوبَ قريتنا الصغيرة

أحنُّ إلى القُرى

وكأنَّ قلبي

غداءُ الجالسينَ على الحصيرة».

فهو لا يزال قلبه معلقًا بقريته الصغيرة كسائر عظماء أتوا المدينة فنثروا إبداعاتهم لا على المستوى الشعري فقط، لكنهم جاءوا في زمن حيث لا وساطة ولا مكانة وظيفية تكون دافعًا لرفعتهم إلى عنان السماء وهم الذين ربما فقراء علميًا، ضعفاء أدبيًا، أغنياء ماليًا.. هؤلاء القرويون، وهم كثر، جاءوا زمنًا يحظى فيه المبدع الشاعر، الأديب، كما الطبيب، المهندس، المفكر، والعالم البارع، بما يستحقونه من مكانة سامقة وتقدير عال.. جاءوا زمنًا حضر فيه من يتهافت على النهل من نهر كل فكر يتقدم بمجتمع تسمو فيه القيم على كل شيء، ويؤخذ فيه بأيدي كل من يستطيع أن يسهم في الحفاظ على والارتقاء بالجمع لا الفرد، لا تنتشر فيه تفاهات التريند»، فينشغل الكثيرون بسفاسف الأمور التي تكون، لا شك، لصالح فئة بعينها إنْ تريدُ إلا نفسها واستغلال كل ما يخدم مصالحها، سواء أكان على مستوى شخصي أم وظيفي أم حتى دولي.. زمن كثيرون يقولون فيه ما يسمونه شعرًا، فينظْم صاحبنا متسائلًا:

لماذا

لمْ يعدْ للشِّعر طعمُ! 

وجارَ عليهِ تكرارٌ.. ونظمُ؟

توارتْ

هيبةُ الشُّعراء حتَّى

كأنَّ شعورَهُمْ زيفٌ.. ووهمُ!

كثيرٌ

من يقولُ الشِّعر لكنْ

قليلٌ من لهُ في الشِّعر حجمُ!

لتتوالى على نظمه ردود وردات الفعل من كل حدب وصوب، فيخاطبه أحدهم: "أعلمُ أنه قد تنقدح لديك الملَكة فتأتي بنفائسَ وفرائد، وقد تنجلي عنك ربة الشعر فتتركك في مهاوي الضيق والعي، وتحس إزاءها بانحسار الكلمة وقلة جدواها، وعندئذٍ تتبدى محنة الشعراء"، مردفًا: إن في هذه المحنة يكُمن أيضًا مجدهم، ومن هنا تصدق المقولة الشهيرة الأثيرة "أنتم الناس أيها الشعراء".. لتجد ثمة بصيص أمل يلوح في الأفق ويؤكد أن من المحنة ستأتي، حتمًا، المنحة وإن تأخرت.. تؤكد ذلك الأمر وجهة نظر ثانية ترى:

أن الحرف أضحى محض حبر.. وصار الشعر معدوم الرسالة

وكان ضميره اليقظان حرًا.. فأمسى غائبًا ينعى رجاله

ولكن:

ينسَى الظلامُ رجالَهُ والنورُ لا ينسَى رجالَهْ

ويقول ثالث: 

هي الأذواقُ صارتْ

ظِماءً.. حيثُ خالَطَهنَّ سُمٌّ

كأن قرائحَ الشعراء قَفرٌ

وأنَّ لهم مَناخِرَ لا تَشَمُّ

تَرَى النِّحريرَ بين الناس أضحَى

كما لو أنه في الشعر قِزمُ

إذا لم يَبدُ للشُعَراء حِسٌّ

فما يُغنيهمُ كيفٌ وكَمُّ..


فلتتأمل في كل هذا الجمال، هل يقتربُ حقًا الشاعرُ من تخوم النبوءات والأنبياء؟

على كل واع ومسؤول وكل ذي رأي وعقل وبصيرة، أن يتبنى مثل هذه المواهب ويقتنص هذه الملكات التي لا تتكرر كثيرًا، وعلى الوسائل الإعلامية مرئية أو سمعية أو مقروءة، عامةً، أن تفتح نوافذها لمثل هؤلاء النبغاء، بل يُرى ضرورة في أن يقاس على هذا الأمر، فيؤخذ بأيدي المبتكر، الموهبة، المجتهد، كلٌّ في مجاله، ويُعطى حقُّه، علّه يسهم في انتشال ما تبقى من أجيال، ويتوارى ما يُحيا من تفاهات.. 

كما ينبغي على وزارة الثقافة، خاصةً، أن تدعم بطل زاوية اليوم، ويكفيها فقط أن تتابع عبر كشّافيها، إن وُجدوا، شعر هذا المبدع وتتنبّه لبلاغة وفكر وفلسفة ما ينظْمُه.. فهو ولمَ لا وهو القائل:

«لا تسأل الغواصَّ عن سر الغرقْ

أو تسأل النوَّام، ما معنى الأرقْ

لا يشعرُ الإنسانُ إلا نفسهُ

فاسأل عن النار الذي منها احترقْ

فإذا أجابك من سألت شعورهُ

إنْ ذاق من نفس الشعور فقد صدقْ»

كما يفخرُ:

«روحي

على كفِّي وأزعمُ أنني

ملكٌ معي في الملكِ ما يكفيني

وكأنني

والوصفُ ليسَ يخونني

أسدٌ على الدنيا فقدتُ عريني

حسبي من الدنيا

بأني شاعرٌ

هذا هو الأمرُ الذي يعنيني».

وما هذا إلا غيض من فيض أمير شعراء الشباب.. أحمد نناوي!
-------------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي

مقالات اخرى للكاتب

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟





اعلان