22 - 05 - 2025

(مولد) .. وصاحبُه حاضر !

(مولد) ..  وصاحبُه حاضر !

بالرجوع لكتب السيرة المُوثَقة يتبينُ لكلِّ ذي بصر أنه لم يَثبُت يقينا يومُ مولد المصطفي صلي الله عليه وسلم؛ والسرُّ في ذلك أنه وقتما ولد كان طفلا كأيِّ طفل، فلم يكن يُعلم أنه سيكون نبيا مرسلا يُغيرُ تاريخ الأمم ويُبعث رحمة للعالمين، ولكنَّ الأرجح والأقربَ للصواب أن الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدي عشرة من الهجرة هو تاريخ وفاته صلي الله عليه وسلم؛ واستنادا إلي هذا القول فإن الاحتفال بمولده - كما اعتاد الناسُ علي مر الأزمان في الثاني عشر من ربيع الأول وبهذه الصورة المَقيتة التي تُقامُ فيها الزينات وتُصفُ فيها النمارقُ وتُشيد فيها مسارحُ  لصيِّتة ومُنشدين ينعقون كما تنعق البوم، مع طبل وزمر ورقص هيستيري يُظن أن صاحبه (ملبوسٌ) بعفريت من الجن الأحمر أو الأزرق أو أي لون شئت، فضلا عن تعاطي المُكيفات، والمشروبات الروحية وغيرها مما يُذهبُ العقول، فيكثُر اللغط والصخب والهذيان طيلة الليل، وتُرتكب الفواحش وتُنتهك المحرمات، ثم ينفض السامر قبيل الفجر بقليل، وربما امتد إلي بعد الفجر دون هرولة المُحتفلين بمولد المصطفي للمساجد استجابة لنداء المؤذن حي علي الصلاة - هو احتفالٌ بوفاته وليس بمولده كما يعتقد الكثيرون، كما أنه استخفافٌ بجلال وجمال صاحب تلك الذكري العطرة .

إن الاحتفال بمولد النبي خير البشر الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وجاء ليُخرج الناس من ظلمات الوثنية والشرك إلي نور التوحيد، يختلفُ تماما عما يتبعُه عامةُ الناس اليوم ممن يحرصون علي ملء البطون والغرق في بحر الشهوات والملذات دون تفكر فيمن يتضورون جوعا، ويبحثون في صناديق القمامة عن لقمة عيش تُقيم أودهم، أو كسرة خبز صلدة تأففت من أكلها الكلاب تُمسك رمقهم .

إن الاحتفال بمولد المصطفي يكون بمراجعة سيرته، والتأسِّي بسنته في: حِله وترحاله، في فرحه وترحه، في منهجه وسلوكه، في السير علي خطاه حذو القذة بالقذة؛ لأنَّ ما جاء به وما أقره بقوله أو صمته هو وحيٌ من رب العالمين القائل في حقه : (وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يُوحي).

الاحتفال  بمولده صلي الله عليه وسلم هو الشجاعةٌ في القول والإخلاص في العمل ودفع الضيم، والوقوف في وجه الظالم ولو كلفَ ذلك المظلومَ حياته.

إن الاحتفال بمولد المصطفي هو دعوة للعمل الجاد والسعي الدءوب لتنهض أمتنا وتعودَ عزتُنا، هو صيحة للدفاع عن الأرض التي هي أغلي من العرض، وتأصيلٌ لحب الوطن، الذي برهن عليه المصطفي حينما أُجبر علي الخروج من مكة فقال عبارته الشهيرة التي سطرها التاريخ بأحرف من نور : والله إنك أحبُ بلاد الله إلي الله وإليّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت.

إن الاحتفال بمولد النبي هو دعوةٌ للتعاون علي البر والتقوي، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع وإدخال السرور علي قلوب الفقراء والمُحتاجين.

أما أن يموت كثيرون منا بالتخمة ويعاني آخرون أمراضَ السمنة مع وجود من يموتون من شدة الجوع فهي مُجافاةٌ للمصطفي وبعدٌ عن سيرته التي من أهم ما يُميزها القناعةُ والزهد .

إن الاحتفال بمولد النبي هو تمكينٌ لصوت العلم، وهدم لصوامع الجهل، وذلك بتقديم العلماء الحقيقيين الذين يُبلغون صحيحَ الدين، ولا يبحثون عن شواذ الآثار، وضعيف الأحاديث، بل والمُختلق منها لإثارة البلبلة واللغط، كما يفعل اليوم بعضٌ من شيوخ الضلال المُعممين زورا .

وساعة أن يتحقق ذلك سيكون الاحتفالُ بمولده أجمل؛ لأنه سيكون (مولد وصاحبه حاضر ).
----------------------------
بقلم: صبري الموجي


مقالات اخرى للكاتب

المستشار هشام عزب .. يدٌ ممدودة بالعطاء !