لمَّا عَزمَ النبيُّ الهجرةَ إلى المدينة بعدما نكَّلت قريشٌ به وبصحبه المستضعفين، وأصمَّت آذانها عن سماع دعوته، والدخول فى دين الإسلام، وقف صلي الله عليه وسلم علي مشارفَ مكة يُرددُ مقولة تُكتبُ بماء الذهب بَيد أنها تؤصل لحب الوطن والانتماء للأرض، فقال صلى الله عليه وسلم : ( والله إنك أحبُ بلاد الله إلى الله، وأحبُها إلى قلبى، ولولا أن أهلك أخرجُونى منك ما خَرجت).
هذه العبارة التي نطقَ بها حبيبُنا وأسوتنا محمد صلى الله عليه وسلم، ما أحوجنا إلى ترديدها والعمل بمُقتضاها، لنُقيلَ عَثرةَ أمتنا التي كانت وقتما كان هناك رجالٌ منارةَ العلم، ومهدَ الحضارة، وفخرَ التاريخ.
إننا كشعوب عربية وإسلامية بحاجة ماسة لأن نُلقى خلف ظهرانينا العصبية المقيتة، سواء لحزب أو جماعة أو تيار، ونلتفَ جميعا حول راية واحدة، تسعى للنهوض ببلداننا، وتحقيق الريادة لها، كما كان الحالُ من قبل .
إن كثيرا من دول المنطقة قد حباها الله بعبقرية المكان، التي تضمن لها الرخاء، والتي جعتلها مطمعا لدول الغرب على مر العصور والأزمان، ولكن الموقع وحده، لا يصنع نهضة، ولا يُشيدُ حضارة، ولا يَبني مجدا، إذ لابد إلى جواره من مُقومٍ بشرى يعمل بسواعد لا تعرف الكلل، وإرادة سياسية تُجيد التخطيط والتدبير .
إننا جميعا في مركب واحدة، والوصولُ بها إلى بر الأمان فيه نجاةٌ للجميع، أما التقاعسُ وتوفير الجهد، وشيوع روح الفوضى، واللامبالاة، والإهمال، و(الاستسهال، والاستهبال)، والنفخ فى نار الفتن والخلافات، وعدم احترام وقت المصالح والمؤسسات، وغيرها من السلوكيات المستهجنة، التي حققنا - بفخر - فيها الريادة والسبق، كفيلةٌ بغرق تلك المركب، والوصول بالبلاد إلى ما لاتُحمد عقباه.
إن حُبَ الوطن الذي أصَّله في نفوسنا المصطفى، والذي تجلى في عبارته السابقة ليس كلمةً تُقال، بل هو منهجُ حياة، يتحققُ بالعمل الجاد والمُتقن، امتثالا لقول نبينا : ( إن الله يحبُ إذا عَملَ أحدُكم عملا أن يُتقنه).
حبُ الوطن يتحققُ بالحفاظ على وقت المؤسسات والمصالح الحكومية؛ لأن الوقت هو الحياة، وبالإخلاص للهدف الذي ننشده، ونعمل جادين من أجله، وهو رقى وطننا ونهضة بلادنا دون استصغار لجهد، أو تحقير لعمل، شريطة المداومة؛ لأن أفضلَ الأعمال أدومُها وإن قل .
أضفْ إلى هذا كله أنه لابد من إرادة سياسية تُكافئ المُخلص؛ ليتفانى في عمله، وتُقوم المُعوجَ فينزجر ويستقيم .
وأخيرا حبُّ الوطن هو كلُّ خلقٍ حميد، وسلوكٍ قويم لابد من تجسيده على أرض الواقع، وساعتئذ فقط سنضرب عصفورين بحجر واحد وهما نهضةُ أمتنا، وطاعةُ نبينا، الذي نطمح إلي إحياء ذكراه .
---------------------------
بقلم: صبرى الموجى