يحتاج تجديد الخطاب الأسري إلى تجديد الخطاب الحقوقي، فكثير من الإيجابيات التي عززت من فرص تغيير الوعي الأسري بدأت بإعلاء الحقوق ، وكثير من الحرائق التي عززت من المناكفات في البيوت ودمرتها، خرجت من عباءة الخطاب الحقوقي المتطرف "المتمركز حول الأنثى" بتعبير المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري.
ويقوم تجديد الخطاب الحقوقي المتصل بالأسرة في رأيي على ثلاثة أركان هي : إدارك الواقع وشخصية المخاطب وهويته ، وإعلاء ما هو أخلاقي، والانتقال من مرحلة حقوق الإنسان (الفرد/الزوج ، الزوجة ، الذرية) فقط إلى مرحلة الحديث عن حقوق الأسرة كمجموع بشري متعاقد على أسمى المواثيق بما لا يضر بحقوق أفراده.
إن الخطابات التي تتحدث عن الحق في العلاقات خارج إطار الأسرة والمساكنة والشذوذ الجنسي وتضخيم الذات الأنثوية وتجاهل تسليع المرأة ومحاولات إعلاء النزعة الفردية الأنامالية للزوجة والتحقير من الأمومة والتنمر وبث الكراهية ضد مؤسسة الأسرة الطبيعية بين آدم وحواء وتشويه مسائل الميراث وشيطنة الرجال تحت توابع "الجاموفوبيا" و"الاندروفوبيا" ، خطابات لا تدرك سمات الموقع ولا شخصية المخاطب وهويته، ويجب نقدها حقوقيا، فهي بالأساس مخالفة لحقوق الإنسان من جهة ، ومتعارضة مع سنن كونية وأداة لاستنزاف الاحتياطي الاستراتيجي لاستمرار الإنسانية من جهة أخرى.
إن التمسك بتلك المسائل وأمثالها خطر كبير، يستدعي المراجعات الحقوقية العاجلة ، وهذا ليس عيبا ولا انتقاصا من شأن أحد، ولا يعني بالضرورة التخلى عن ضحايا تلك الخطابات الشاذة ، بل يتطلب الارتقاء إلى مستوى إنساني رفيع ومد يد العون لكل الضحايا ، والتوافق على خطاب حقوقي جديد يقوم على الأصول الحقوقية المتوافق عليها بين الشرق والغرب، والتي هي بالمناسبة كثيرة ومعتبرة، وتستحق حشد الطاقات حولها.
إن تراث الغرب في مجال حقوق الأسرة، وبخاصة ما هو مرفوض عربيا و إسلاميا ومسيحيا ويهوديا، ليس قرآنا ولا انجيلا ولا توارة ، وهدم التراث الغربي الحقوقي المناهض لكل ما هو أخلاقي وعقائدي، هو بناء لحقوق الإنسان الحقيقية لا المزيفة.
وحتى يحدث حوار حقوقي ، لإجراء مراجعات حقوقية تتصل بحقوق الأسرة عبر إدراك للواقع العربي وشخصية العرب والشرق عامة، وإعلاء للبعد الأخلاقي والانتقال من تعزيز حقوق الفرد إلى تعزيز حقوق الفرد والمجموع ، أقف مع الحقوقيين وفي القلب منهم المختلفين معي ، في كل ما هو متفق عليه في العقل الجمعي الحقوقي العربي الأصيل، بالنسبة للأسرة ولغير الأسرة.
إن مساحة المشترك كبيرة بين الحقوقيين العرب بكل مدارسهم خاصة في هذه الأوقات ، وإن مساحة المتفق عليه كبيرة بين الديانات السماوية وفي مقدمتها الإسلام ، وبين التراث الغربي الحقوقي ، وإني لأرى أن الإسلام سبق الغرب في اقرار مباديء حقوق الإنسان والأسرة وإن كان الغرب يطبق الإسلام في بعض مبادئه الحقوقية دون أن ينتمي له.
إن الغالبية منا ترفض تسليع المرأة والرجل والأطفال ، والعنف الأسري، والاستغلال والاستباحة والاعتمادية وأكل الحقوق والميراث وهو رفض حقوقي سامي توجد غيره عشرات الأمثلة ، وهو ما يجب أن تتضافر الجهود لإقراره في القوانين وترسيخه في العقول، بالتزامن مع إجراء المراجعات الحقوقية المطلوبة وبغير ذلك سيستمر التدافع الإنساني حتى يرث الله الأرض وما عليها، وإن للأسرة رب يحميها.
----------------------
بقلم : حسن القباني