23 - 05 - 2025

وجهة نظري | "لا مرحبا بالزائرين"

وجهة نظري |

"مرحبا بالزائرين" لم يكن يتصور من قام بكتابة هذه الكلمات على حائط المدرسة ، ولم يدر بخلد من أمره أن تكون عبارة الترحيب تلك موجهة لكبار قيادات الوزارة وعلى رأسهم الوزير نفسه .. فخطوة هؤلاء عزيزة لاتدفعهم لزيارة تلك المدارس المتواضعة البسيطة إلا في المناسبات السعيدة والتي تسبقها تجهيزات خاصة ومراسم إحتفالية مبهجة تجمل القبيح وتخفى الإهمال وتحجب مواطن الخطر والزلل المهددة بأبشع الكوارث.

لكن هذه المرة لم تكن المناسبة سعيدة ولم تسبقها مراسم احتفالية مبهجة ، بعدما خيم الحزن على مدرسة المعتمدية الإعدادية بكرداسة .. لم تكن عبارات الترحيب والحفاوة في انتظار وزير التعليم الدكتور رضا حجازى .. بل كانت العيون المملوءة بالدموع على موت الطالبة ملك وإصابة خمس عشرة من زميلاتها بعدما سقط سور السلم بهن.

خبر موجع أدمى القلوب وأشعل في نفس الوقت الغضب ، غضب من النهاية المفجعة لطالبة في عمر الزهور .. من المؤكد أنها كانت تحلم بالكثير ، لكن سوط الإهمال لم يغتل فقط أحلامها لكنه وأد بقسوة أحلام والديها وأهلها التي كانت ملك هي كل دنياهم وأحلامهم .

"لا مرحبا بالزائرين" أكاد أقرؤها بعيون أم مكلومة .. تنمحى أحرفها سريعا لأستبدلها بأخرى أكثر ملائمة "بأى ذنب قتلت".

ربما رأى البعض أن خيرا فعل الوزير بزيارته تلك ، فتحركه كان سريعا وقراراته لمشاطرة الأحزان كان كريما بعدما أمر بصرف 100 الف جنيه دعما ماديا لأسرة الطالبة ملك المكلومة .

ولم يكتف بالدعم الإنسانى بل أمر بإحالة مدير المدرسة والمشرفين ومدير الإدارة التعليمية للتحقيق تمهيدا لإتخاذ الإجراءات القانونية بشكل سريع.

ليس هذا فقط ، بل وجه وزير التعليم أيضا هيئة الأبنية التعليمية بمراجعة لجميع المدارس للتأكد من سلامتها وأمنها.

رد فعل طيب ومشكور ، لكن من المؤكد أنه لايمنع من التساؤل المثير للتعجب والدهشة والغضب أيضا. التساؤل المستفز الذى يقفز دوما بعد كل كارثة .. لماذا لايتم التحرك إلا بعد وقوع المصيبة؟ لماذا لاننتبه لنواقيس الخطر التي تدق ، لماذا نتجاهل إشارات الإنذار التي تكاد تعمى أبصارنا لو صدقت النوايا لرؤيتها وعدم تعمد تجاهلها!

لماذا لا تشكل اللجان وتوزع الأدوار وتحشد الجهود إلا بعد الكارثة .. هل قامت هيئة الأبنية التعليمية بدورها بالكشف على كل المدارس وتقييم مدى صلاحيتها وسلامتها وأمنها!! هل قام مدير المدرسة والمشرفون عليها بتفقدها ومعرفة مواطن الخلل بها ؟ هل أخبر مدير المنطقة التعليمية ؟ وهل الأخير رفع الأمر لهيئة الأبنية التعليمية ، وهل قامت بدورها برفع الأمر للوزارة واتخاذ اللازم! هل تتم هذه العملية بشكل روتينى وهل قام كل بدوره وماذا لم تمت ولم تتم الاستجابة ولم تسمح خزانة الوزارة وميزانيتها بالوفاء ومواجهة كل تلك الإحتياجات ..

الكل في قفص الإتهام ، في يده صكوك إدانته وفى الأخرى دليل براءته !!

كلنا مجرمون وكلنا ضحايا كما قالها أديبنا الكبير نجيب محفوظ .. مجرمون لأننا لانواجه الإهمال ، وضحايا لأننا أول من يدفع ثمنه.

ندفع ثمنه ليس فقط في الفصول المكدسة والأسوار المتهالكة وإنما في أعمدة أساسية لايمكن أن تتم بدونها العملية التعليمية وأى صدع فيها يبشر بكارثة ، لاتنال الجسد هذه المرة لكنها تنهش الروح ..

الفاجعة الثانية التي داهمتنا قبل أن نفيق من صدمة وفاة ملك تكشف ما وصل إليه حال كثير من المدرسين - أعمدة التعليم الرئيسية - التي أصابها سوس العوز وتدنى المرتبات وقلة الحيلة ، ففقدت قيمة دورها كرسل يحملون مشاعل المعرفة إلى مهمشين بؤساء ، لا هم قادرون على توصيل العلم ولا يصلحون لتربية طلبة اسوياء.

ماحدث لمنة التلميذة بالصف الثاني الإبتدائي بمدرسة سيد الشهداء بميت عقبة ، والتي لاقت حتفها بعد سقوطها من الطابق الثالث بالمدرسة ، دليل يكشف مدى ما وصل إليه حال بعض المدرسين من الجهل وافتقاد أصول التربية والتعامل مع الصغار ومواجهة أبسط المشاكل.

اختلفت الروايات حول مقتل منة ، لكنها تؤكد جميعها أن شدة المدرس وخشونته وعنفه وتجاهله لخوفها ، جعلها تسرع بخوف لتلقى نفسها دون وعي من الطابق الثالث.

من السهل أن نوجه أصابع إتهامنا للمدرس ، ومن السهل المطالبة بمعاقبته وإدانته ، لكن من غير الإنصاف ألا نوجه أصابع الإتهام لمنظومة ليست عادلة تهاونت في حقه وقزمت من دوره وتجاهلت إحتياجاته فحولته لمهمش يدبر حاله بصعوبة وإذا واتته الفرصة تحول إلى تاجر شاطر تسبقه الألقاب إمبراطور الكيمياء وملك الفيزياء ، وبدلا من محاربة الدروس الخصوصية تتجه عقول بعض المسؤولين لمحاولة إستغلالها ومشاركتها جزءا من أرباحها الخرافية التي ما كانت تتحصل عليها في ظل منظومة تعليم حقيقية ناجحة وقوية.

لسنا في حاجة لشماعة نعلق عليها أخطاءنا ، لكننا في أمس الحاجة لمواجهة مواطن تقصيرنا وضعفنا وفشلنا إذا ما أردنا حقا إصلاحا حقيقيا لحالنا ، ليس في التعليم وحده وإنما في كل تفاصيل حياتنا.
--------------------------
بقلم: هالة فؤاد


مقالات اخرى للكاتب

ماما أمريكا وخالتو أوروبا