بعد أن شاهدت معرض "فنانون خالدون" المقام بقاعتى ضى الزمالك والمهندسين وكتبت عن المعرض. فوجئت فى الإفتتاح بإضافة أعمال فنانين كبيرين هما (ممدوح عمار 1938-2012) و (عبدالرحمن النشار 1932-1999 ). ورأيت من الواجب والتقدير أن أحتفى بأعمالهما فى موضوع تكميلى خاص. فعمار والنشار فنانين لهما بصمات فى تأكيد الهوية، وأعمالهما الفنية لها أثر على تاريخ الحركة التشكيلية المصرية والعربية.
ممدوح عمار
تناول ممدوح عمار البيئة المصرية والعادات والتقاليد على مر العصور، وكانت رؤيته الغريزية الحسية هى الأقرب فى تناول موضوعاته. فهى ليست مناظر جمالية تعرض لها ولكنها حياة عاشها وانطبعت فى وجدانه وأحسها بروحه، وترجمها الى لوحات بعمق فى الرؤية والمشاعر التى بدت واضحة فى إيقاعات الخطوط والألوان بتناغمات وإيقاعات لها أبعاد إنسانية غير كونها محكومة بقدرات الفنان الإبداعية الخالصة.
أعمال عمار بنيت على التأمل والغوص فى أعماق الشكل والتفاعل معه فتميزت بالصدق ولامست روح المشاهد ليتفاعل بدوره مع اللوحات التى تعكس شخصية الفنان فى كل تفاصيلها. وقد إنحاز فى العديد من الأعمال الى البسطاء والفلاحين والكادحين ليلقى الضوء عليهم ويعطيهم حقهم بتناول أفراحهم وأتراحهم ببساطة ووعى يبرز قيمة الشكل ليعبر عن رؤى كثيرة بفلسفة الفنان التى إعتمدها من التاريخ والأصالة. من العادات والقيم الراسخة فى حياة الناس. اللون الدافىء والبناءات النحتية التى تناولها بخامات مختلفة كالذيت والألوان المائية، وتمكن من توثيق الحياة برؤية تشكيلية على مدى نصف قرن مر فيها بانكسارات وإنتصارات وعبر عنها بثبات وتمكن ووعى، ورؤية فلسفية عميقة تعتمد على المشاعر التى تتجاوز الواقع رغم أنها تعبر عنه، وتلتزم بالقوانين الأكاديمية لكن بوعى ورؤية وتمكن لفنان لم يتخل عن نشأته بين الطبيعة والتى ساهمت بشكل كبير فى تشكيل وعيه والحالة التعبيرية التى ظهرت فى لوحاته بمراحله المختلفة.
عبدالرحمن النشار
بدأ الفنان عبدالرحمن النشار بالتشخيصية التى تبنى من خلالها حرية الإنسان سواء بمصر أو الخارج، تبنى قضايا الوطن فى فلسطين بجدارية كبيرة تعبر عن مأساة الشعب. وبناء لوحاته تميزت بالبناء المحكم الرصين، وبالتشكيلات الغنية بالحركة والترابط، وبالمعالجات اللونية المتناغمة، واإنشاءات المركبة التى كانت تبشر بتوجهه المستقبلى الى البناءات الهندسية والعضوية ذات البعد الفلسفى الخاص برؤية درامية تعبر عنها علاقاته التشكيلية التى ربط فيها البعد الحسى بالبعد البنائى الهندسى، ومن خلال تزاوج العضوى بالهندسي فى تكوينات متداخلة برومانسية تظهر فى الإيقاعات اللونية، وسريالية تبدو واضحة فى بعض الأعمال التى ضفر فيها المحسوس والمرئى بروية ترتبط باللا معقول، أو بنتاج العقل الباطن وما يطرحه من أفكار وتوليفات متعددة فى نسيج بنائى محكم.
بناءات مسطحة وأخرى مجسمة يبحث من خلالها الفنان عن الأبعاد الجمالية التى تحرك حدقات أعيننا لتدور بين التكوينات العضوية والهندسية فى نعومة تؤكد قدرة الفنان وبراعته فى قوة الربط الذى يعكس حس الفنان ووعيه، وتميزه فى هذا التناول برؤية تشكيلية ترتبط بشفافية وشاعرية تدفع الفنان الى التعمق والبحث فى العلاقات الخطية واللونية وإسقاطات الظل والنور، وتأكيد الحركة بحساسية تعلى من قيمة أعماله الفنية.
------------------------------
بقلم: د. سامى البلشى