19 - 04 - 2024

احذروا .. "التطفيف" الأسري

احذروا ..

يعاني ميزان الأسرة المصرية والعربية في هذه الأوقات شديدة الحساسية والخطورة من كثرة المطففين، الذين تجاوزوا مساحات التواجد الاقتصادية في الميزان والمكيال ، إلى مساحات العلاقات الإنسانية والإجتماعية وبالأخص الأسرية منها، بشكل أثر سلبا على متانة العلاقات وجودة الحياة والخطاب الأسري.

في الاقتصاد، يتواجد فئة مذمومة في السماء والأرض، تُعرف بالمطففين، وهم من يقومون بالتطفيف أي "البخس في المكيال والميزان"، حيث يطلب استيفاء كامل ما له عند الناس دون نقصان، فيما يصر على الانقاص إن طلب منه الناس ما لهم، وقد حذر الله عز وجل في سورة المطففين في الكتاب العزيز من تلك الجريمة فقال تعالى : "وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)".

هذه الفئة تتوغل في النسيج المجتمعي ، بشكل لفت نظري ونظر المفكر الدكتور هشام جعفر، وهو ما يسميه "التطفيف الاجتماعي"، وحذر من توابعه التي تشكل أزمة صارخة في العلاقات الإنسانية والأسرية، وأتفق معه شكلا وموضوعا، فإن كثرة المطففين في العلاقات والمعاملات ، أربك كل شيء وأفسده.

في بعض العلاقات يريد أصحابها المطففون أن يأخذوا كامل حقوقهم وإذا جاء وقت إعطاء الحقوق يتلاعبون ويتصارعون ولا يوفون، وينسون أن التحذير السماوي واضح من المطففين بعبارة ثقيلة الرهبة "ويل للمطففين"، ويتناسون أن العلم الحديث حذر أشد التحذير من تلك العلاقات السامة التي تبني على الاستغلال والاستباحة.

إن "التطفيف الأسري"، الذي ولد من رحم انتشار "التطفيف المجتمعي"، أمر شديد القسوة في العلاقات الإنسانية والأسرية، ويؤدي إلى تصاعد الخذلان في العلاقات بشكل يدمر كل الروابط ويمنع تجديد الخطاب الأسري المنشود.

وإن كثيرا من التحديات الأسرية، تقوم اليوم بسبب زيادة أعداد المطففين في الكيان الأسري، وتحريض البعض للزوج أو للزوجة على التطفيف والبخس ، تحت مزاعم تناهض تعاليم السماء وأدوية الأرض، ولذلك فإن التحريض على التطفيف في العلاقات الأسرية جريمة مكتملة الأركان.

إن تلك الجريمة تتوغل مع انعدام الضمير وعدم ردع القوانين، وبالتالي فعلينا السعي الدائم في مسار استنهاض الهمم نحو الاستقامة الروحية والأخلاقية، وتعافي النفوس عبر الحلول الدينية والتنموية الحديثة وتطوير القوانين المنشود في قوانين الأحوال الشخصية.

وإني لأنادي مع نبي الله شعيب -عليه السلام- كل الأسر قائلا: "ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم" هود: 85 .

طوبى للمنصفين ودمتم بود
----------------------------
بقلم : حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي





اعلان