لم أمت كما تمنيت ، رغم إلحاحى وصلواتى ورجائي ، رغم الألم واللوعة والاشتياق ، ولكنه لم يستجب لي لأسباب يعرفها هو وحده ، تعجبت لشهور فعلاقتى به .. كانت استثنائية ، هكذا همس لي قلبي فى لحظة صفاء وشوق ورجاء لرحمته سبحانه.
كنت أشعر أنه يحبني ، منحنى حياة ونعما لو وزعت على عشرات النساء لكفتهم. حقق لي الكثير والكثير من أحلامي على صغرها وقلة شأنها وأهميتها للناس ، ولكن لأنه أرحم من الأم بوليدها ألف مرة ومضروب فى اللانهائية ، يستجيب ويلبى أماني مخلوقاته ، أليسوا من صنعه سبحانه ؟!
أنقذنى من ورطات كثيرة نتيجة لحماقتي وسذاجتي وقلة خبرتي بأحوال الدنيا والناس .. غفر لي كثيرا من زلاتى أو هكذا تصورت عندما منحني فرصة تلو أخرى لتصحيحها .. أرشدني لطريق الصواب والإيمان عندما ساورتنى الشكوك في مرحلة ما من حياتي نتيجة تفسيرات خاطئة ومغرضة وظالمة تجاهنا نحن نساء العرب ، ولكنه سبحانه أعادني فى الوقت المناسب لحبه ونزع كل حيرة وحزن من قلبى وحياتى.
كيف بالله لا أقع أسيرة الإيمان به ورسله وكتبه وقيمه وحكمته وعدله ورحمته ، لأتيقن أنه يريد لي الأصلح ، حتى إن تخفى فى صورة بلاء وابتلاء صعب علي احتماله ، ولكن أبدا لم أعترض!
تصلنى رسائله الخفية المعلنة والملطفة لقلبي المكسور من العام والخاص ، إلا إذا اختلطا في روحى ليعذبانى بنفس المقدار، حتى يأتي سبحانه ليلهم روحي بالإجاية ويلطف بي . فتنير رسائله فى قلبى وعقلى لأهتدى وتسكن روحى وأهدأ ، واتعجب من وضوحها كل مرة كأنه كان يحدثني أو يبعث برسائله على هاتفى الذكي ، وأضحك للتشبيه فلو قلتها بصوت عال لاتهمونى بالجنون أو على موجة الترصد بالنساء لاتهمونى بالكفر ولأهدروا دمي بلا عقل أو رحمة ، حمدا لله أنها لم تخرج من فمي إلا لقلائل لا يتعدون نصف أصابع اليد ، أليس فى ذلك تكمن عظمته !
في أتون محنتي ، توقفت للحظات أتساءل : هل كانت لوعة فراقى عن حب عمرى تساوي عطاءه كل تلك الأيام؟ هو وحده يعرف مقدار وهول المحنة ، ومقدار الألم والعذاب والصدمة ، إذن حكمته وإن خفيت عني وقتها ، فإن رسائله لي لم تنقطع ، رويدا رويدا كانت السحب تنقشع والحكمة تتسلل إلى روحي ، والصبر يفرض قوانينه علي شئت أم أبيت ، فتمنيت أجره لعلى ألحق بحبيبى جزاء لي على صبري بقضائه ، وفى وسط العتمة وأنا أرجوه لأيام وليال ليلحقنى به ، تأتينى رسالته عبر بوست يضىء هاتفى في ليلة أرق غبراء سبقتها اخواتها من ليال مليئة بالأرق والألم. تنبؤني بأن كلمة النهاية تكتب عندما يقول هو إنها النهاية.
لكن إن تمردت على قضائه وعشت النهاية بصقيعها وبرودتها ومواتها وأنت على قيد الحياة وعشت كأنك جثة هامدة تتنفس فقط لا غير ، وترفض منحة الحياة التي وهبها الرحمن لسبب وحكمة يعرفها هو .. فإن ذلك يكون تجرؤا على منحة الله لك بالحياة مرة أخرى لأيام أو شهور أو سنوات قصار أو طوال ، فهى هبة وهدية ومنحة وفرصة يتمناها كثير من الخلائق ، لعلهم يعودون فيعملون طيبا وصالحا .. فيتصدقون أو يتعبدون أو يتفكرون أو يتوبون ويستغفرون ويعملون صالحا ، فيكرمون اليتيم ويحضون على طعام المسكين ويدافعون عن الضعيف ويقفون فى وجه الظلمة والفجرة.
ربما كانت فرصة لفعل أشياء صغيرة في أعيننا ولكنها كبيرة عند الرحمن فى كل الأحوال ، فلربما مددت يديك لتقي عجوزا عثرة طريق ، كان يطويها جريا فى شبابه دون حساب لتغير الأحوال ، ربما جبرت خاطر مسكين غدرت به الحياة وخذله من ظنهم أحبابا ، ربما ساندت محتاجا للصحبة والرحمة قبل المال ، قتلته الوحدة بعد غياب الأحباب ، ربما طهرت أموالك بالزكاة والصدقات ، حينها ربما لن تجد محتاجا فى الطرقات ، ربما شهدت شهادة حق لمظلوم تخلى عنه الأخلاء نفاقا ورياء وقبلهم مصالح تذبح من أجلها الضمائر ، لربما قلت كلمة حق فى وجه سلطان ظالم ، وقيت بها البلاء من بلاء المنافقين والمخادعين والمستفيدين من كل العهود والموالد ، لربما أبقاك الله لمجرد إماطة الأذى عن الطريق ، وكل طريق يتأذى بها الناس.
ربما ، إنها فرصة تمناها وركع وسجد من أجلها الكثيرون آملين مصلين وهاهي تأتيك هبة وهدية من الرحمن الذي يعلم ونحن لا نعلم فترديها وترفضيها؟ لا ، و الله لأتقبلها راضية مرضية كفرصة ثانية .. وأحفر طريقى بإذنه تعالى إلى الجنة .. مرورا بالحياة مرة أخرى !!
-----------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني
من المشهد الأسبوعية