22 - 05 - 2025

الشاعر الكبير رمضان عبدالعليم يذهب للقاء ربه "غير مدين بوجع ولا مقصر بصبر"

الشاعر الكبير رمضان عبدالعليم يذهب للقاء ربه

قبل سبعة أيام كتب الشاعر رمضان عبدالعليم يقول : "للوجع بقية .. فيوميا ، أخرج من الموت علميا ، لبقية أجل .. قد يكون دقائق ، ساعات ، أيام ، ﻷستكمل آﻻما فادحة ، صارخة ، حتي تفقد صوتها .. سأذهب ، ولست مدينا بوجع ، ولا مقصر بصبر ، بل متيقننا بعظيم الرحمة والمغفرة" وبهذا اليقين رحل ‏رمضان عبدالعليم‏ في الساعات الأولى من صباح اليوم.

أما ابنته شيرويت فكتبت يوم 10 سبتمبر بدموع القلب تقول "ازدادت معاناة (بابا ) لحد يفوق أي احتمال  .. الألآم التي كانت تفاجئه بشدة أثناء الغسيل الكلوي أصبحت ملازمة له طول الوقت ، اليوم مثلا عشر أبر مسكنه ولم تتوقف الألآم ، وقد أعدنا عمل العديد من الإشاعات المقطعية والسونار والتحاليل ولم نجد شيئا عضويا ولم تتوقف المعاناة ..وقد أمتنع ( بابا ) عن تناول الطعام والدواء من سبعة أيام . وندعو له مع احبائه واصدقائه بأن ينال جزاء الصابرين.

ذهب رمضان عبدالعليم إلى جوار ربه ، بعد أن حمل للحظاته الأخيرة هموم وطنه ، لم تمنعه آلامه المبرحة أن يذكر بالنيل في آخر تدويناته على صفحته الشخصية ويحذر مما أسماه "السحق العظيم ، للشعب العظيم ،  والدولة العظيمة"..

قبل يومين من رحيله كتب ‏"بعد اﻹفقار المروع ، وتبديد ونهب فروق الأسعار ، والقروض الهائلة ، يسرعون في بيع اﻹصول ، المبني والمعني ، لإقتلاع العاصمة التاريخية ، جنبا الي جنب مع اﻹجهاز علي ما بقي من صناعة ، ومن تعليم ومن اي ملمح مصري لمصر دولة وشعب ، وسيحدث تشكيك في أصول الشعب ذاتة وينحط الإعلام لما هو أبشع .. إنهم في مهمة كببرة جداً ينفذونها بالقوة وباﻹكراه "

لم يكن رمضان عبدالعليم فقط واحد من أشهر شعراء العامية في الصعيد، ومن أكثرهم حضورا في الأمسيات والمهرجانات الشعرية، بل كان مثقفا يحمل هموم وطنه في كل محفل ، غير هياب ، ولا ملتفت أصلا لسيف المعز وذهبه.

وُلد في أرمنت سنة 1954. وبدأ حياته الشعرية مبكرا، لكنه تأخر كثيرا في نشر أعماله الشعرية، حتى إذا جاء عام 1996، نشر ديوانين دفعة واحدة هما: “مشاوير عبدالصبور”، و”الفاتحة للنيل” ثم توقف عن طبع أعمال أخرى حتى سنة 2009 ليخرج بثلاث مجموعات شعرية دفعة واحدة، هي: “عطش الفرات”، “الغيم الغريب”، “الصلاة على الأسرى”. بعدها توقف مرة أخرى عن طبع أعماله حتى سنة 2021. حيث أصدر مجموعته السادسة، “التّحيّاتُ للنّيل”.

ويقول الشاعر فتحي عبدالسميع في دراسة شيقة عن رمضان عبدالعليم إن ذلك يدل على عدم تعويله على الطبع كوسيلة لانتشاره. بقدر ما يعوِّل عليه كتوثيق لتجربته، والتي تقوم بشكل أساسي على التواصل الشفاهي من خلال اللقاء المباشر بالجمهور في الأمسيات والجلسات الشعرية.

يضيف فتحي عبدالسميع أن النظرة السريعة لعناوين دواوينه تكشف عن الحضور المركزي للماء. وهو الرمز الأكثر عمومية للحياة، ويأتي النيل في المقدمة. حيث يظهر في ديوانه (الفاتحة للنيل) وديوانه (التحيات للنيل) ليعبر عن ارتباطه بالقضايا المصرية. كما يأتي ديوانه (عطش الفرات) ليعبر عن اتساع نطاق الجماعة التي ينشغل بأساسيات وجودها، وهي الجماعة العربية، ويظهر ذلك واضحا من خلال قصائده في أعماله كافة.

مقتطفات من شعره

أمشي ألف ...

تجمعني طين ودم وشقف

ورافضني أكف ..

عن الحلم والموت

ومكرهني في الجبروت 

وطارحني فتي قليل عيبه

فارس نزفاه القيود والطيبه

أطق كحبة الغلة 

أدق أثبت المله

أشق الطرق نصين

 هنا نفسي ولبعيد السير

يانيل .....

واحلامك ماهيش سيبه

لما ساعات بتدسها الهيبه

نشرب مرار الحدث

الحبل منفعتة الوحيدة

بيكتف العايشين جثث

بتلعب السيجة في الخيمة

فاوعاك تهج

الفاس إن فج 

النور بيوج

في القاهرة وطيبة

أو العكس

من ضلمة لضلمة 

فين ندس 

إن تمشي نخلنا يمشي

من غير ما نحس

يتحش الضل المخلوق م الشمس

والقبه المنفوخه احلام في القدس

ايه يغسلها ، لما تسلمها

بالشربة العذبة

وبفﻻح العزبة 

وبعيل جاع 

وبإيد ممدوده ف القاع بتشاور

مين باع ومين متآمر .. 
(من قصيدة " الفاتحة للنيل " - 1995)

***

منك للسما يا نيل ..

زي النبي ...

ونجعي الولي

وأنا الصحابي الجليل

الفاتحة ليك ... إن تزرع 

وان تقلع ، وان تشفع

في الريق ..

وان توسع بالضيق

وان تدي ....

وان نخله بتحني

جرفك بيهيل

***

وكأني لاهي ...

كأني باموت ساهي

دمي فضح سري إلآلهي

كم شلت آهي يا " حسين " 

م النهر للنهر ...

باما خدعني " عمرو " 

ياما حماني " عمار بن ياسر " 

ألفين سنة وإحنا بنتحاصر 

نتكاثر ، وتحصدنا البوارج

ألفين سنة وإحنا خوارج

ملايين ، ميتين .. بنافق

آه لو تعود واثق ..

وتعيدها راسك ع الجسد

نتحد ..

بين الفرات والنيل 

كم ذليل حلم الأسد

كم عليل الوقت ..

السبت بين جمعة وأحد

وحده عبد 

وحده كارهنا للأبد

 موت حصد

وإحنا بنتعبي 

موت بالهبة

يا " حسين " ...

أخطي كام عتبة 

واقفل بيبان الجرح

وتفك كام رقبة 

رقبتك علي الرمح 

من أي ليل الصبح

وكل السلاح عازك

ياللي هناك جسدك

ياللي هنا راسك

غامض عيونك ف مصر

وفينا مدعي السجدة 

وفينا الفخور بالكفر

إتعلي علي سورك

قلبك النافخ في صورك

شابك ف العقد أسلاك

من فين أسلاك ..

وقبل القمر نورك

يامين يشورك ..

ف عالمي العربي

جلدي قديم مرفي

قمري جديد مطفي

عدو أمامي ، عدو خلفي

واللي يحررني 

هوه ده سلفي 

الشرط يبدأ من الﻻغي

مين ع الفرات عطشان

مين ع الصفات باغي

ومن عاز يشف ، ممكن

ومش أي عنف ...

جاب م العري وسكن 

اللي مانعني وأنا بانده

واللي شطبني ....

كي ﻻ أكون أشبه

لاتنين دخلوها أفسدوها ..

أن الملوك إذا دخلوا دولة

سلموها  ...

(من قصيدة " عطش الفرات "-  1996)

***

وإن قضاءً وقضَى

أو من سبيل الفضفضه

ولا مره رِسى ، دَمعى العَصى

ع الوصف

والورد عَالم من العَطف

اللُطف، النَعيم

الوَرد حَميم .....

كما قبول الدُعا

حَنون وقلبى على سِعه

ياما وعى ، يكون مع

ورد الشهيد

جديد العيد

وإن عظيم القَطف

والسيف عنيف

والحبل خَطف

الخاطف ولا المخطوف

موصوف للجحيم

الحبل بهيم.....

يهيم ، ف القيام والسجود

يندغ العابد وينكر المعبود

ويشطب عهود لما تكافح

وانا وجهى صابح ...

وقافل الأزرار

على كتف جلادى

أطنان من الأوزار

كان مين أرجو ...!!

هل حاولت أنجو ....؟

وإن كترت الأسباب

لم أهجو .....

حتى "الكلاب"

لم أتهاب ...

كما "النسر " ...

اللى أذانى

طالب إذعانى

وبيسبق "النمر"

ف الأرهاب

لكن "الهدهد" حنون

نبيه ف لفَتاتُه

" للغراب " إبتسم

لما دَفن أمواتُه

"وللأنبيا" عَزم ...

يخلع العرش وبهواتُه

لعين ، لعين ... 

بس فيه غمضة العين

لو كل حين .....

أدخل الزنازين رزين

وإن أطلع

ف مهلوك يامولاى

وع الأقل حزين

بما إتخذلت ...

مع إنى بَذلت

وإن إتعزلت ، هِزلت

لكن لازِلت

كأنى بازلت

فأنت مين ....؟

غير ليل ، وتيل

يا حبل ...

م الخليج للنيل

يا مين صَفك ، لَفك

شَدك على هدوء النخيل

الوقوف

القوام ، الشموخ ، السعوف

الحلا ... النوا

مين علمك كتم الهوا

مين علمك تتحَد

وانا حدى بحَد

عالمى المفزوع ، المنزوع

الطايع

التابع كل مايباع

الساقط من علاه

"لا اله الا الله"

أعز جنده ...

ونصر عَبدهُ ، المتمسك

المتنسك ، المدد

يا حبل إنسى إنك من مَسد

وأفهم وضوحى ، جروحى

لن أقفل عيون البَص

لن اخجل أقُص

ما تيسر ...

عن قلب مدثر بنص

"قاتلوهم" ...

هم الطغاه ...

وللطغاه ، طُغاه يتلوهم

يقراهم التواطؤ ويتلوهم

أنا من عصاهم

عساهم الرجوع

لو انساهم ، أساهم

ف الذُل والجوع

أعرف طريق "للخلف در"

اتجاهل التقوى ف " علي " 

والفجور ف "عمرو"

فإن كنت مر ، ويتبعك سيف 

أمضي ...

لن أرضي 

امتي التاريخ غمض العيون 

غمضه 

لا أنا "يزيد" ولا "الحجاج"

ولا عضيت قلب الفقير 

عضه 

ف عتمة العالم العربي 

أنا ومضه 

لو اعرف الصرخه 

تطفيني نفخه 

لا يكيدني كايد بعجزه 

ولا حقي يفتقد عِزه 

أيوه بعاند ، أعاند

أجاهد ، عدو  عُمرهُ ... 

ما بيعاهد

لكنهُ أبشع

يا حبل .....

هل حذرتك تسرع

تبطئ

تحب النهايات يا حبل

وأنا بالنهايات ، بابدأ

ماليش ف الثوانى الممكنه

ماليش ف المسكنه

ف الغُرفه أو ع التل

إن وزعتنا أهل

مزعتنا أهليه

إن انتكس للعصور الجاهليه

لن تطوينى كطى السجل

أنا اتخذت "الله"

واتخذوا العجل

أنا عبد رب النخيل

والخيل

والطيور المتسابه

لو شجاعتى متهابه

أميل لكل البدع

أقرا سلام العدو

م المنتجع

واقترض ذلى

أعترض عمرى

يضيق القيد ما أضايق

أموت ف فلسفة الحقايق

والإفتراض ع الفرض

دمى أما يُشر

تنبت حقولى أرض

فعُض وغُض طرفك

يامين لفك ....

وقت ما العالم وضيع

أنا لو ضليع ف الخوف

أضيع

كأنى سنين مش مُجازه

أسير كأنى جنازه

ناس تقف لى

ناس تخاف لى

والأغلبيه بكل عازه

وإن يصعب التبرير

لا أستعطف الحاخامات

لا أستلطف التفاهات

ف الضمير

لا يخفينى بير

وإن الليل بحار مخيفه

وإن الأنهار نار

من بعد ماكانت لطيفه

وإن عنيفه الطعنات

وكل الشتايم حليفه

أنا فوق قمم العباده

مُحصن بالشهاده

باستبسل ....

وانت اللى أعزل

وأنا للموت ودود

يا حبل وانت مَمدود

م الأول

أنا حلمى أطول

انظرلى لو تقدر

لا وشى مَزرود

ولا أحب أموت أسهل

م الرفاق

"يلتف الساق بالساق"

يقف "العراق" مقاتل

على قد ضيق السلاسل

سكان بابل بواسل

كالحجر صالدين ....

كالشهيد خالدين ....

جادين ....

جالدين الجلادين

نوازل

م الجدود ، جنود

لا يتحفوا من حدود

ولا يتخفوا من وزن

دين ، فن

ولا يتهفوا من حزن

ولا يتخفوا من زلازل

سكان بابل بواسل

وأنا منى ، كنت لملمنى

لوأنى دم متخاذل

أنا هنا .. ساعة للصلا

وساعه للموت اللى نازل

بيحدد المسارات

أنا عارف ......

أرمى فين الجمرات

ع الفرات الشيطان

ف العالم العربى

العالم العامل رفات

بتاريخ من كلام ...

عن الدوله العظيمه ...

والعزيمه ...

تسقط الهزيمه

كما يجب

لو عروبتى عبء

كنت أقول كفء

من قتل العرب

كنت أجرى ع الهرب

ولو مُده  

ياحبل ........

وانت بتتباهى بالعُقده

هل شفتنى مهزوز

والعيون شارده

أنا لى حكمة الوَرده

حكمة النمل والنخل

تراب من غير شهيد

وطن بلا دخل .

"من أحاديث المشانق"

( عطش الفرات )   

---------
رحم الله رمضان عبدالعليم الذي رحل بعد شهور طويلة من المعاناة مع غسيل الكلى ، وترك أسى في الروح يظل باقيا وملهما للصمود