تلقيت أصداء متنوعة بعد طرحي لمقالي "تجديد الخطاب الأسري" في موقع المشهد، ما بين مرحب بالفكرة، أو مختلف على بعض تفاصيلها، أو رافض ومحذر، وهو الأمر الذي يحتاج إلى مواصلة تبيان وتحفيز، والتحية موصولة لكل من تفاعل.
مصدر رفيع المستوى في الأزهر الشريف، أشاد في تواصل معي بالفكرة، وطالبني مشكورا بالعرض على المسئول المعني بالملف داخل مؤسسة الأزهر، من أجل مناقشتها في مؤسسات المشيخة المعنية بالملف الأسري، وراسلت المسئول بالفعل ، في انتظار رده، ولعله يأتي بالخير.
وتلقيت عبر وسائل الاتصال والتواصل، رسائل عديدة تشكر في الفكرة، وأخرى خائفة تحذر من التزلج على جليد الأحداث وتبديد الأصول أو من المشاركة في الضجيج بلا طحين، ودار نقاش ايجابي في عقر داري ، حول الفكرة وجدواها ، مع زوجتي الفنانة التشكيلية المدافعة عن حقوق المرأة آية علاء .
وكتب الأكاديمي الدكتور أحمد جعفر لبيب الذي يجمع بين خبرات متنوعة في الحياة والتنمية والبيان ، يناصرني في أهمية تجديد الخطاب الأسري، ولكنه نبهني إلى أهمية البدء بالأبناء، وعدم الاستغراق فيما وصفه بلعبة "شد الحبل"، بين الخطابات المتنافرة المناصرة للزوج أوالزوجة، والرجل معه حق.
وشارك أستاذ التخطيط العمراني الدكتور مهندس مجدي قرقر، مشكورا في إثراء النقاش، بسؤال مهم في تعليقات حسابي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" قائلا:" هل نحن بحاجة إلى تجديد الخطاب الأسري ،أم بحاجة إلى: قراءة صحيحة للعلاقات الأسرية في الإسلام".
وهنا أقول: إن تجديد الخطاب الأسري لا يتوقف على إحداث قراءة صحيحة للعلاقات الأسرية في الإسلام ، ولا ينفى أهميتها ، بل هو يسعى للجمع بين الأصول المبنية على قراءة رصينة صحيحة ومعتدلة راشدة والمسارات التنموية الحديثة المبنية على ما استجد من علوم ايجابية لنأخذ بيد الأسرة إلى بر الأمان والسلام والارتقاء.
وأضيف أنه يمكن فهم تجديد الخطاب الأسري عندي من أبواب ثلاث هي تعزيز الأصول والأخلاق والتنمية ، بدون تعقيد ولا تبديد ، ولا تفريط ولا افراط ، ولا تغريب ولا تشديد ، لتحقيق السلام الأسري وإيجاد أسرة آمنة مطمئنة ، تحت ظلال خطاب جديد يهدف لدعم الاستقرار السامي أو الافتراق الحضاري.
وهذه القراءة الصحيحة الراشدة ، في رأيي ، ينبغي أن تفند بوعي بنود الصراع الحنجوري بين النسوية المتطرفة والذكورية المتعفنة ، وبخاصة ما يتصل بمطالب تأنيث الفقه ، مع التصدى لمزاعم حتمية الهيمنة الذكورية ، والتوعية بما وصل إليه المجددين في هذا الباب.
وبناء عليه ، قد نحتاج إلى العودة إلى مساحة مشتركة قادها بين عامي 2012 و2013 ، المفكر الدكتور هشام جعفر، أثمرت بعد حوار موسع بين أطياف متنوعة عن إصدار إعلان الإسكندرية حول حقوق المرأة في الإسلام أو ما اشتهر بعد ذلك بوثيقة الأزهر.
وأوضح د. جعفر ، في مقاله " زيطة الحجاب في مصر" المنشور مؤخرا ، أن إعلان الاسكندرية وعدد من الدراسات الشارحة لهذا الإعلان خلصوا إلى نتيجة مفادها أن "التسييس والمحافظة الاجتماعية اللذين يحكمان النقاش حول حقوق النساء قد أضرا بالقضية ؛ وأنه دون التحرر من هذين العاملين مع امتلاك رؤية كلية لتأسيسها ؛ فإن أي حديث في المسائل الفرعية لغو لن ينتج عنها الكثير".
وأضاف – ومعه الحق - أن أمثال خطابات سعد الدين الهلالي وإبراهيم عيسى على عكس ما يتصور بعض النسويات غير مفيدة للدفع قدما بتحرير النساء ، لأنها تستثير في المقابل لها مساحات المحافظة الدينية والاجتماعية ، وهو ما تنبه إليه شيخ الأزهر حين حرص على الجمع بين التجديد في بعض المسائل والقضايا وبين المحافظة على المنهج التراثي في النظر.
من هنا قد نبدأ، في تجديد الخطاب الأسري.
------------------------------
بقلم : حسن القباني