22 - 05 - 2025

تجديد الخطاب الأسري

تجديد الخطاب الأسري

أدعو كل من يهمه الأمر إلى تجديد الخطاب الأسري، قبل فوات الآوان.

وأخص بفكرتي هذه، الأزهر الشريف، والمجالس المعنية ، والمستشارين والمختصين بشؤون الأسرة والطفل، والفاعلين في المجال العام الاجتماعي في مصر والدول العربية والإسلامية.

 تجديد الخطاب الأسري ، لا يرتبط في خارطة أفكاري بالجدل القديم المثار حول تجديد الخطاب الديني أو السياسي أو الإعلامي، بل أحلق بمفهومي الخاص القائم على الأصول الأخلاقية والمسارات التنموية، في سماء إحياء قيم الأسرة وإصلاح ما اندثر من أصول والتفاعل مع كل نافع حديث ، لتحقيق الاستقرار الأسري وإيجاد أسرة آمنة مطمئنة تعيش في رحاب الرحمة والمودة أو تفترق بود وتحضر وسمو.

وإن هذا التجديد الذي أقصده، لا يعني إطلاقا صراعا مع الدين أو نفيا للفطرة الإنسانية التي قامت على بنيان التقاء آدم وحواء، ولا تجديدا للمناكفات بين اتجاه وآخر، وإنما يقصد ضمن ما يقصد لم شمل الجهود التنموية للحفاظ على كيان الأسرة تحت سقف خطابي حضاري تجديدي متنوع يستهدف الارتقاء بالأسرة.

ومن هنا ، لا أفرق بين، يمين أو وسط أو يسار، لأني مؤمن بعبور الأيديولوجيات وإمكانية تجميعها في نقطة تمركز مشتركة في وقت ما وفي قضية ما ، فهناك مساحات للاتفاق يمكن البناء عليها في كل مسارات الحياة، كما يوجد مساحات للاختلاف يجب دوام النقاش الايجابي فيها، طالما أن المقصود ليس إلغاء نواميس الكون أو بناء كعبة جديدة.

إن بعض بنود الأبعاد الحقوقية والنفسية والاقتصادية قد تكون مسارا لاتفاق، كرفض العنف والتسليع والاستغلال والاستباحة، وحب التملك والسيطرة، وتنمية الحب والخبز.

 ولعلنا في حاجة ملحة، في البداية، إلى فك الاشتباك بين حقوق الأسرة من ناحية ، وحقوق الزوجة والزوج والأبناء من ناحية أخرى، فإن كان لكل عضو من أعضاء الأسرة حقاً فإن للأسرة حقاً وحقاً، دون ضرر أو ضرار، وبالتالي فحقوق الأسرة لا تلغي حقوق اعضائها ولكن لا تسمح لأحد فيها طبقا لشروط التعاقد المبرمة أن يلغيها أو يجور عليها كما يحدث في حملات فوبيا الزواج.

وهنا ينبغي أن نتوافق في مسار التجديد حول قيمة الأسرة أولا ، فهي وفق ما أعتقد بوتقة المجتمع وحصنه وصمام أمانه ، وأصله وفصله، وقوة العائلة من قوة المجتمع ، وتفكيكها هي ضربة موجعة له، والعائلات من أجل ذلك فوق كل شيء بالمجتمع ، لأنها الأصل وكل أدوات المجتمع في خدمتها.  

ومن الضرورة أن نؤكد أنه لا مجال في التجديد لتبديد الاحتياطي البشري الاستراتيجي لاستمرار الحياة، عبر نمط شاذ جديد، فالأسرة جاءت عن طريق آدم وحواء، ولا نعترف بغير هذا الطريق، كما أنه لا يمكن في نظري التجديد تحت لافتة "التمركز المتطرف حول الأنثى"، بعبارة المفكر العظيم الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري.

إننا جميعا في حاجة كذلك إلى تجديد المعين التثقيفي للأسرة الذي أخذ في فترات سابقة من أوحال الأرض ما يتعارض مع نجوم السماء، من أجل أن يأخذ من الأصول ما يعزز النجاح والوصول، ويأخذ من العلم الحديث ما يسهل دروب التعافي والتماسك والتحضر.

ولعل الأزهر الشريف أو أي مؤسسة اجتماعية رصينة تتبنى هذه الفكرة، من أجل البدء في حوار أوسع، لا أعرف مكانه ولا وقته، يضم جميع الشركاء للوصول إلى مساحة اصطفاف اجتماعي بناء على ما يصل إليه الجميع من اتفاق في الخطاب المنشود.

وحتى يتحقق ذلك سأواصل الكتابة بمداد الأمل والله من وراء القصد.
-----------------------------
بقلم : حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي