فجرت كلمة "إزالة" التي كتبت مؤخرا بخط رديء على مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين حالة حزن وحسرة على حالنا وحال التعليم في مصر الذي ضيع طه حسين عقودا من عمره من أجله.
ورغم أن أسرة طه ، الذي كان يبصر أكثر آلاف المرات من عباقرة المبصرين، أبلغت نهاية يونيو الماضي بإزالة مدفنه رسميًا من الحي "من أجل توسعة الطريق"، إلا أن كلمة إزالة فجرت المواجع .. فالرجل الذي أوسع طريق العلم لمصر كلها صار عقبة أمام توسعة طريق.
لم تبلغ الحكومة الأسرة عن المكان الذي سيتم نقل المدفن إليه، الذي كان ينبغي أن يتحول لمزار عالمي في أوطان تحفظ الجميل.
وأثارت صحيفة "المشهد" القضية في شهر مايو الماضي بعد تداول نشطاء مواقع التواصل صور لمعدات بجوار المقبرة، حتى ان أسرته لم تكن تعرف وقتها مصير ما يثار حول هدمها أم بقائها، وقالت مها عون، ابنة حفيدة الأديب طه حسين، وقتها إن هناك معدات موجودة بالقرب من المقبرة، وأنها تخشى البدء في الهدم. وأنها – حتى ذلك الحين – كانت تأمل ألا يكون الهدم قائما للمقبرة، بعد أن أخبرها متحدث باسم محافظة القاهرة بأنه لن يكون هناك هدم ، ثم سألت الهيئة الهندسية حول قرار الهدم فأكدت الهيئة أن هناك بالفعل تطوير في المنطقة لكن لا يوجد تخطيط نهائي، مؤكدة أنها تقدر المشروعات التي تقوم بها الدولة، ولكن من المنطقى والطبيعي أن نتفادى مناطق مهمة وإيجاد حلول أخرى غير الهدم، لأن طه حسين هو رمز قومي لمصر والأمة العربية، وحتى الآن يُكرَّم في أوروبا والعالم".
طه حسين المولود عام 1889 ، عاش طفولته في عزبة الكيلو بمغاغة – إحدى مدن شمال الصعيد - وكان الفقر والجهل والمرض والقهر متفشيا ، فدفع بصرة ثمنا لذلك ، ليعود بعد 120 عاما دافعا قبره نتاج حالة جهل مماثل، تم إيفاده من قبل الجامعة المصرية إلى فرنسا في بعثة دراسة للحصول على الدكتوراه من جامعة السوريون واستطاع أن يحصل عليها عام 1918 برسالته عن فلسفة ابن خلدون ، وفى أثناء هذه البعثة درس علوم مثل علم النفس وعلم الاجتماع والأدب الفرنسي والتاريخ الحديث والتاريخ اليوناني والروماني ، وامتزجت في روحه الثقافات ، مصرية وعربية وإسلامية ويونانية ولاتينية ، ثم عاد ليحمل أمالا عريضة لتطوير التعليم في مصر .
عين في عام 1942 مستشارا فنيا لوزارة المعارف ، وفى الوقت نفسه مدير لجامعة الإسكندرية ، ثم وزير للمعارف من 12 يناير 1950 – 27 يناير 1952 .
واهتم طه حسين بجعل التعليم حقا مجانيا للجميع مجانا يستطيع كل فرد أن يبلغه ، وطالب "بتعميم التعليم الأولى وأخذ الناس جميعا بة طوعا أو كرها " ورأى أن إتاحة التعليم لكل إنسان تضمن مع الوقت تحقيق العدالة الاجتماعية، وأدرك طه حسين خطورة تنوع التعليم الأولى بين حكومي واجتبى وخاص وديني على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي ، لذا نادي بضرورة توحيد جميع أنواع التعليم الابتدائي.
طالب طه حسين منذ الثلاثينيات من القرن الماضي بمجانية التعليم ، واستطاع وهو وزير للمعارف أن يقرر مجانية التعليم الثانوي للجميع ، ثم ينادى بعد ذلك بإباحة التعليم للناس كما يباح لهم ضوء الشمس وكما يباح لهم تنفس الهواء وكما يباح لهم ماء النيل .
ماغرسه طه حسين حصدته مصر على امتداد عقود بمئات النابغين في شتى المجالات ، كثير منهم خسرت مصر جهوده في ظاهرة هجرة الأدمغة ، قبل أن يتدهور حال التعليم منذ سبعينيات القرن الماضي ويتحول إلى مجرد أوراق تعلق على الحوائط ، أما هو فلم يحصد غير إزعاجه في قبره من أجل إنشاء طريق!
-----------------------
تقرير - هيباتيا موسى