تعتبر مؤسسة الأسرة من أشد المؤسسات التي تتأثر بالتقلبات الاقتصادية والضغوط المالية في فترات العوز الدولية، وتحدثت في المقال السابق عن تنمية الخبز وأثره في السلام الأسري، وفي هذه المرة أتحدث عن أهمية ضبط المصروفات وتوفير منظومة حماية اقتصادية للبيوت استعدادا لأي ضغط محتمل.
وبرأيي ، النابغ من تجارب الحياة ونصائح الحكماء ، فإن الترشيد خير من التبديد ، والاعتدال خير من التبذير والإنفاق الإيجابي خير من التقتير ، فالله عزوجل لا يحب المسرفين ولا البخلاء ، حيث يقول تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا"، ويقول تعالى :" وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ".
ولعل سعينا جميعا لجعل "المصروفات الأوْلى أولا" ، وتفعيل التكافل الاجتماعي واعانة المعسر والمحتاج والفقير ، وبذل الطاقة في تنمية الخبز ، مع التقليل من "السلف" و"الديون" قدر الاستطاعة ، من أبواب توفير الحماية الاقتصادية للبيوت في تلك الأيام الثقال.
ومن الأهمية بمكان كذلك أن يعلى كل صاحب عمل من قيم الإنصاف والفضل ، في معاملة موظفيه وعماله وشركاء نجاحه ، وأن يبادر كل صاحب زاد بدعم كل من لا زاد له حتى يصلب عوده ، وأن يقاوم الجميع مناخ العجز والكسل لأن فاتورة القعود عن تحصيل الخبز صعبة وباهظة.
ووفق تقرير نشرته مجلة "لا فاميليا" الإسبانية، فإن هناك العديد من المقترحات الاقتصادية التي يجب أن يعتني بها الآباء والأمهات ، ومنها : ضبط ميزانية الطعام واستهلاكه سواء في البيت أو المطاعم ، عبر التحكم في الكميات والتكلفة ، بجانب ضبط الإنفاق ، والتقليل من الديون والاقتراض وتجنب التظاهر بما لا يتم امتلاكه في الواقع ، والعمل على الادخار، وتعزيز روح التواضع في الأسرة برفض ما لا فائدة ترجى منه.
ويشدد خبراء على أهمية تحديد إيرادات الأسرة، ونفقاتها ، وتحديد الفائض أو العجز، وعدم مجاراة الضغوط الاجتماعية وتصرفات الأصدقاء ، والاستغناء عن الكماليات و الرفاهيات من أجل توفير الضروريات والاحتياجات ، وعدم التكالب على شراء كميات من السلع بأكثر من الاحتياج أوتجاهل فرص العروض والخصومات، بجانب ضرورة التفكير في الخروج من أي مأزق مالي في حدود إمكانيات الأسرة دون اللجوء للديون ، وإن كان فلابد من دراسة أبعاد الأمر جيدا.
هذه نصائح مهمة للوعي الجمعي الأسري ، ويوجد غيرها الكثير لمن يريد المزيد ، وكل بيت أعلم بظروفه ، وكل أب نبيل أدرى باحتياجات بيته وأولوياته وواجبه الأسمى ، وكل أم نبيلة هي ولا شك رمانة الميزان الاقتصادية المنشودة في البيوت خاصة في تلك الأوقات ، ومن المهم الآن هو أن نبصر مواضع أقدامنا قبل وضع أيدينا في جيوبنا في زمن لا يقدر متطلبات الجيوب.
--------------------------------
بقلم : حسن القباني