تقولُ الأمثالُ : فاقدُ الشيء لا يُعطيه، والذئب خاليا أسد، والمعني أن الذئب متي وجدك أعزلَ مُجردا من سلاحك استأسد عليك وهاجمك.
وهذا ما يجعلُني أؤكد أن صمتَ الغيورين علي الدين من العلماء والدعاة عن افتراءات العلمانيين والمُغربين والتنويريين، الذين يُريدون أن تكون الحياةُ (سداح مداح)، ويصيرَ المسلمُ بلا ضابط ولا رابط، يختلط عنده الحابل بالنابل، فتنحل عُري الدين في نفوس المسلمين عروة عروة، وينتشر الاختلاط الممجوج، ويُداس الحجابُ بالأقدام، وتخرج المرأة سافرة تكشف أكثرَ مما تستر بحجة أنها تُساير الموضة، وتخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، فضلا عن التحلق حول شاشات الأفلام الساقطة، والمسلسلات الماجنة، التي تُؤصل لثقافة الانفلات الأخلاقي بعدما بعُدت عن عرض أعمال تُحلق بالمشاهد في آفاق القيم والفضائل، ولهثتْ وراء الأعمال التجارية المُروجة لمشاهد العري والخلاعة، والبلطجة، والألفاظ الخادشة للحياء، والعبارات التي تبقر بطون العفة والفضيلة، وغيرها من صور كثيرة اتسع معها الخرق علي الراقع - أقول - صمتُ العلماء والدعاة عن هذا وغيره ليس عن ضعفٍ أبدا، أو عدم تملكِ حُجج الرد علي تلك الدعاوي المُغرضة، لكنه حلمُ الحليم، وإيثارٌ لمبدأ ( عدم سكب البنزين علي النار لكيلا تزداد اشتعالا )، يقينا منهم بأن ترديد تلك الافتراءات أثناء تفنيدها ونقدها، هو نشرٌ لها من طرف خفي، وربما منعَ الكثيرين منهم عن الرد أيضا كثرةُ شواغلهم بالبحث والدرس والتحقيق، وهذا في نظرهم أمرٌ فاضل، لا يجوز أن ينصرفوا عنه إلي المفضول وهو الرد علي كل صغيرة وكبيرة .
ومادام الدينُ ملكا للجميع، فقد صار الدفاعُ عنه فرضَ عينٍ علي الكل دون إلزام فئة بتلك المهمة وإعفاء آخرين، لأن الكلَّ أمام تلك الأزمة سواء، فدينُ المرء هو لحمُه ودمه، واستعمالُ المرء في نصرته والدفاع عنه شرفٌ لا يعدله شرف .
وربما يتساءل القارئ ما الدافع وراء تلك المقدمة الطويلة ؟
أقول إن الدافع سببه كثرةُ من خرجوا علينا (بطلعتهم البهية) ممن اعتبروا الدينَ مطية مُستباحة، وأرضا مشاعا لا صاحب لها تطؤها أقدامُ كلِّ من ( هبَّ ودب )من المتفذلكين، الذين لا يعرفون في الدين ( الألف من كوز الذرة)، ورغما عن ذلك يتصدرون منابرَ الفتوي عبر الفضائيات، دون وجه حق، فيُحرمون حلالا، ويُنكرون معلوما من الدين بالضرورة، والدينُ مما يقولون براء .
كثيرةٌ هي الآراء الشاذة، التي رددها هؤلاء الأقزام، ومنها إنكارُ الحجاب، وشتم الصحابة والعلماء، وتشجيع الاختلاط، وممارسة الزنا تحت مسمي الفن، وتزييف الحقائق، وطمس الفطر تحت عباءة التمثيل والتسلية والترفيه، رافعين شعار : ( الترفيه من الشرع).
نعم، ما قلتموه حقٌ أردتم به باطلا، فإن كان الترفيهُ حلالا، فيجب ألا ينشر حراما، ولا يُروج لكذب كما تفعلون، فقد كان نبيُنا يمزحُ ولا يقول إلا صدقا، وإذا كان الترفيه حلالا فلابد أن يكون بحساب، وليس كلَّ الوقت كما يفعل - للأسف - إعلامُ اليوم، الذي يقتلُ عمرَ المشاهدين ببرامج لا جدوي منها ولا عائد من ورائها.
فدعوتُكم للتحرر من التكاليف - أيها التنويريون - يُخالفها إرسالُ الرسل؛ لأن مُقتضي العدل ألا يُحاسبنا اللهُ علي أمور لا نعرف حكمها، وهو ما يؤكده قول ربنا : ( وما كنا مُعذبين حتي نبعث رسولا).
فإرسالُ الرسل دليل علي إثبات التكاليف.
فليوفر هؤلاء التنويريون نصائحهم ..
ليفعلوا في أنفسهم مايريدون دون أن يفرضوا علي المجتمع فكرهم .. ليتحرروا كما يشاءون دون أن يُلزموا غيرهم بذلك .. ليتوقفوا عن مقولتهم الخبيثة : ( الدين جوهر لا مظهر )؛ لأن الدين جوهر ومظهر معا، ولا يستغني أحدُها عن الآخر، والدليل ببساطة : لو كان جوهرا فقط لجاز للمرأة أن تُصلي مُتبرجة سافرة، مادام قلبُها عامرا بالإيمان، أما أن يجعل الإسلامُ الحجابَ شرطا لصحة الصلاة فهو أكبرُ دليلٍ علي أن الإسلام ( جوهرٌ ومظهرٌ معا ).
وأخيرا فليعلم هؤلاء التنويريون أنهم إن كانت لهم ألسنةٌ للنقد والتجريح العاري عن الدليل فإن للعلماء والدعاة ألسنة أشدُ وأفتك، وما يمنعُهم سوي الحلم .
------------------------------
بقلم : صبري الموجي