22 - 05 - 2025

طارق عامر والحكومة والأزمات

طارق عامر والحكومة والأزمات

أزمة مصر لم تكن في سياسات البنك المركزي ، لكنها في سياسات حكومة بناء الحجر قبل البشر.

طارق عامر تولى المسؤولية ومصر لا تمتلك سوى 800 مليون دولار سيولة .. نعم ثمانمائة مليون دولار سائلة فقط في حين كان باقي الـ 16 مليار جنيه التي اعلن عنها كإحتياطي هي الذهب .

هذا المبلغ السائل الذي هو ثمانمائة مليون دولار لم يكن كافيا لشراء قمح للاستهلاك لشهر واحد ، فما بالنا باحتياجات الدول. من البنزين و باقي الواردات التي نعيش على استيرادها من الخارج...

الأزمة كانت شديدة الصعوبة و كان لابد من إجراءات شديدة الصعوبة ، و لولا جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الاوكرانية لخرجت مصر بسلام .. لكن الازمات العالمية المتتالية اعاقت تحقيق الأهداف ..

إضافة إلى عجز الدولة عن تبني مشروع ضخم للتنمية يعتمد على الأيدي العاملة و يتعامل مع المائة مليون مواطن بإعتبارهم مائتي مليون يد عاملة.

التنمية تعني تطوير مهارات السكان و تشغيلهم لزيادة دخل الفرد و من ثم زيادة دخل الوطن ..

سوف أضرب لكم مثالا ..

في أول اجتماع لمحافظ البنك المركزي مع الحكومة كان له مطلب وحيد و هو وضع خطة لزيادة الانتاج و تقليل الاستيراد ..

الحكومات التائهة لم تستطع وضع الخطة . 

خصص البنك المركزي عدة مليارات من الجنيهات لتمويل المشروعات الصغيرة و متناهية الصغر لتشجيع الشباب على الإنتاج..

فشلت المنظومة الحكومية في وضع خطة لتأهيل و تدريب الشباب و تيسير إجراءات انشاء الشركات ، بسبب كثرة الاجراءات و تداخل السلطات بين جهات عدة و تراكم الفساد في الحلقات المختلفة لتخليص الاجراءات.

فشلت المنظومة الحكومية كذلك في تطوير التعليم الجامعي وما قبل الجامعي لتخريج اشخاص مؤهلين لإنشاء مشروعات إنتاجية توفر احتياجات المواطنين و تقلل الاستيراد ..

ظل الإنتاج متضائلا أمام الإستهلاك ، و ظل الإستيراد يزداد توحشا.

 حاول المركزي بقيادة طارق عامر اتخاذ بعض المبادرات لحماية العملة الأجنبية من الضياع في إستيراد سلع تافهة ، علا صراخ بعض المواطنين ، فالمنتج المحلي لا يكفي و بعضه ليس بالجودة التي عليها المنتج المستورد، فضاعت الإجراءات هباء.

 ولأن الحكومة تحتاج إلى مزيد من السيولة لتمويل مشروعات البنية التحتية و البناء ، لجأت إلى رفع أسعار الخدمات و زيادة الضرائب ، فإرتفعت أسعار السلع و أصبح دخل المواطن لا يكفي احتياجاته واستهلك ما كان لديه من مدخرات وبدأ الإستياء و الإحباط ينتشر بين المواطنين.

ركزت الحكومة خططها في إنشاء مدن جديدة و مزيد من الطرق و الكباري، ولكي تفعل هذا لجأت إلى الاقتراض من الداخل و الخارج وتوسعت في مزيد من الإقتراض..

إلى هنا ظلت الفجوة بين الإنتاج والاستيراد تتسع وظل الجزء الأكبر من المليارات المخصصة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغير في البنوك كما هي ، فالشباب غير مؤهل لإنشاء مشروعات ، وغير قادر على التعامل مع وحش الاجراءات الحكومية وعصابات الفساد ، وخاصة أن شبح السجن يطارده إن هو فشل في إدارة مشروعه وخسر رأسماله و لم يتمكن من تسديد القرض. 

إزدادت الأزمات وازداد السخط بين المواطنين. 

وكأب لديه عدد كبير من الأبناء ولديه ورشة صغيرة ، الورشة لا تتسع لاستيعاب طاقة الأبناء للعمل ، والأبناء ليست لديهم مؤهلات للعمل في ورش خارجية ، والورش الخارجية تجلب عمالا مؤهلين من قرى مجاورة و بأجور أقل .. 

كان الأب يعطي بعض ابناءه يوميا مبلغا صغيرا من المال لا يكفي الاحتياجات الشخصية لأي منهم ..

ولأن الأب يحب أبناءه  قرر بناء ناطحة سحاب ليسكن كل منهم في شقة فاخرة، ولكي يبني أخذ الأب قروضا من مدخرات أبنائه ومن غيرهم  لبناء ناطحة السحاب ، لكنه لم يُعلم أبناءه تعليما جيدا مناسبا لسوق العمل و زيادة إنتاج الورشة وزيادة دخل الأسرة بما يكفي لسداد القروض و أخذ يتفنن في الحصول على ما لدى أبنائه من مال قليل (الضرائب وزيادة اسعار الخدمات ) .  

فبدأ في رفع أسعار الوجبات التي يتناولها الأبناء.. والمال لا يكفي ولجأ لمزيد من الاقتراض لرفع أدوار ناطحة السحاب على أمل أن يبيع الشقق ، لكن الوباء والازمات العالمية عطلت تسويق ما بناه وطال الوقت وما زالت الورشة على حالها وإنتاجها لا يفي باحتياجات الأسرة والتزماتها والأبناء بلا عمل .. فأنى لهذا الأب أن ينهي بناء ناطحة السحاب و أن يسدد ديونه !

و ماذا لو أن الأب وضع ما لديه من مال في توسعة الورشة وتعليم وتدريب أبنائه الكبار جيدا حتى يستطيعوا العمل في الورشة وزيادة كميات المنتج و بيعه وزيادة الدخل.. على أن يكون فائض المكسب من الفارق بين الدخل والمنصرف مخصصا لبناء بيت من عدة أدوار يكفي لسكن الأبناء؟

قضيتنا في تحقيق الاكتفاء الذاتي و تقليل الاستيراد .. قضيتنا في تطوير الإنسان ليتحول إلى منتج لا مستهلك ..
-------------------------
بقلم: إلهام عبدالعال

مقالات اخرى للكاتب

حقيقة الورطة الأمريكية والاقتصاد العالمي | ترامب ومليارات العرب