18 - 04 - 2024

الأسر وفن مواجهة الفقد

الأسر وفن مواجهة الفقد

تتكرر حوادث تلو حوادث في المشهد المصري والعربي، تمتليء بصدمات الفقد ، وكان من بينها المصاب الأليم الذي عصف بأرواح ما يقرب من 41 مصريا بينهم أطفال في كنيسة ابوسيفين بمنطقة امبابة ، ولمواجهة أزمة الفقد في المصاب الأخير وغيره، فن تحتاجه كل البيوت المكلومة والعائلات المتضررة.

إن الفقد المؤقت ، غير الفقد الدائم ، ولكن بينهما عامل مشترك هو الألم ، وإن تنمية الطاقة الروحية لأفراد الأسرة المكلومة ، والاعتناء بتحفيز الطاقة النفسية لهم ، وإظهار التضامن المجتمعي مع ذوي الضحايا ، والعمل على تصحيح أسباب الفقدان ومحاسبة المتسبب في الفقد ، يساهمون ولاشك في تعزيز قوة الأسر في أتون معركتها ضد الحزن ، وهناك الكثير من التكنيكات الأخرى لدى أهل الاستشارات النفسية إن لزم الأمر.

إن تنمية الطاقة الروحية لأفراد الأسرة لمواجهة أزمة الفقدان ، من وجهة نظري ، يأتي في مقدمة فنون التصدي للأزمة ، وهي تأتي بالتعلق بالسماء والرضا بالقضاء والقدر والتسليم للخالق العليم ، وتدبر حكمته في الابتلاء ، والعمل على التسامي فوق الألم بالابحار في بحر المدد الإلهي.

وإن تنمية الطاقة النفسية لأفراد الأسرة ، في هذا الوقت ، من الأهمية القصوى بمكان ، وهناك دروس ومقالات ومحاضرات وورش وأطباء يعتنون كثيرا بالتوعية النفسية والعلاج النفسي في مثل تلك الأزمات الصعبة ، حسب الحالة ، وذلك من أجل استعادة الاتزان الانفعالي لذوي الضحايا ، عبر خلق مناخ صحي تحفيزي قائم على السيطرة على المشاعر السلبية وتفعيل مشاعر الصبر الجميل والأمل في غد أفضل يتلافى  أسباب الفقد ، في ظلال من البواح الآمن على صخرة التعافي في حضور حكيم ، فذلك كله خير من تكميم المشاعر والاستسلام للحزن.

وإن تنمية آليات التضامن المجتمعي، في وقته وحينه ، يعزز من صلابة الأسرة النفسية ، وقدراتها على تجاوز المحنة ، واليد المبادرة التي تقدم واجب التضامن للأسر المكلومة في وقته خير من اليد المتأخرة.

وإن العمل كذلك على تصحيح الأخطاء التي تسببت في ذلك الفقدان ومحاسبة الجاني إن وجد في بعض الأزمات ، من أبواب تفعيل مسار التعافي والانتصاف للمفقود ، فالراحلون لن يعودوا والأجساد تفنى ولكن الأرواح تتواصل ، فإصلاح طريق أو مكان ، ومحاسبة خاطيء أو قاتل مجرم كما نرجوا في حالات مثل نيرة أشرف ، من أسباب السلام بعد الألم، للفاقد والمفقود.

وفي الختام كلمة ، إن التفقد قبل الفقد خير من التفقد بعد الفقد ، وإن أسوأ ما يحدث هو ألا نعرف قيمة من نحب إلا بعد الفراق والفقد ، كما قالت الروائية الانجليزية جين أوستن ، ولعل لسان كل مكلوم حكيم يردد مع أديبنا القدير الراحل نجيب محفوظ قوله : " ليس أمامنا سوى الصبر الجميل حتى ينطوى دهر الفراق ويتصل حبل اللقاء ".
-----------------------------
بقلم : حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي





اعلان