29 - 03 - 2024

وزارة التضامن ومحامو التعويضات

وزارة التضامن ومحامو التعويضات

«50 ألف جنيه لأسرة كل مُتوفًّى.. وزيرة التضامن: صرف 100 ألف جنيه إعانة عاجلة لأسرة كل مُتوفًّى بحريق كنيسة أبوسيفين.. وفي حادث قطاري سوهاج: صرف 20 ألفًا لأسرة المتوفى و5- 10 آلاف للمصاب، كل مصاب بعجز كلي سيحصل على معاش شهري مدى الحياة للقُصّر أو لذويه (....)»..

 لا اعتراض مطلقًا على هذه الآلية، سواء فيما يخص قيمتها أو سرعة \ بطء إجراءات تنفيذها، وإنما الأزمة الحقيقية في توقيت نشر هذه التصريحات والبيانات.. ففي مشهد صادم رنّ الهاتف فجر أحد الأيام العصيبة مخبرًا بوقوع حادث على الطريق الصحراوي- مشهد مكرر (الوجع واحد) والشخوص وذووهم يتغيرون- تمت الاستجابة وإذ بالهرولة صوب موقع الحادث أو المستشفى الذي يُنقل إليه ضحاياه، يتلقى، مثالاً، نبأ رحيل شقيق في بدايات ربيعه الثلاثيني، أبيض اللون، شعره أسود كما عينيه، ليس بالطويل ولا بالقصير، ذي بنية قوية، لا تفارق البسمة وجهه ويتسم بروح فكاهية يحبه كل من يعرفه أو من يتعامل معه، بشوش ومتسامح وأمين، خلقه يشهد له الجميع.. 

أي صدمة هذه التي تخرق الآذان؟ ارتعش الجسد، وسال الدمع وكاد يتوقف القلبُ، وحوله من حوله، ثم وجد الجسم نفسه منهمكًا في إنهاء إجراءات الدفن، ووسط كل هذا الوجع والألم يرن الهاتف مرات، لمحامين لا توجد معهم سابق معرفة، يعرضون رفع دعوى قضائية من أجل الحصول على تعويض من إحدى شركات التأمين مقابل نسبة من المبلغ الذي تتمنى إنفاق أضعاف أضعافه على الفقيد لو كان مصابًا.. يتسابق هؤلاء المحامون واحدًا تلو الآخر يطلبون سرعة وضرورة وأهمية تحرير توكيلات من الورثة الشرعيين للسير في إجراءات التقاضي من دون الالتفات لما لمَّ بذوي الضحية من ألم، غير متنبهين لكم الحزن ووجع الصدمة، ولا يقدرون المصاب حق تقديره، ربما يظهرون ذلك..

وعودٌ على بدء، تخرج وزارة التضامن، وسط فجيعةٍ كتلك التي وقعت جراء حريق كنيسة الشهيد أبي سيفين معلنة أرقامًا أو تعويضات لأهالي الضحايا والمصابين، الذين لم يصدقوا بعد، ما لمّ بذويهم، وما نزل بهم، عقولهم تائهة وقلوبهم مرتجفة، وظهورهم تُراها منقصمة، الحزن يخيّم على الجميع،  يزور كل أسرة مصرية، ولِمَ لا وراح أناسٌ ضحايا إهمال وهم يؤدون طقوسا يتقربون بها إلى الرب، أطفال يرتقون تحيطهم صرخة أم، ظنا منها أنها من تسببت في إرسالهم إلى السماء، كونهم أرادوا إرجاء أداء صلواتهم إلى حين، أطفال تواءم، لم يدرك أحد أن كل خطوة لمدة 5 سنوات، فترة عمرهم، كانت تمضي بهم نحو موت قاس وموجع للجميع..

وفي مثل هكذا حوادث التي نتضرع إلى السماء عدم تكرارها، الدعم محمود من الجميع، ومشاركة الوجع فرض عين، والمساندة من كل اتجاه مطلوبة، ولكن الإعلان عن تعويضات، أيا كانت قيمتها، يعطي إحساسا بعدم التقدير فيزيد الحزن والألم.. أي أموال تلك التي تساوي قطرة دماء أسيلت، أو روحًا فُقدت في حادث يترك جُرحًا غائرًا لا يندمل.. فالتريث التريث في مثل هكذا تصريحات ونشر مثل هذه البيانات، لا سيما أن خروجها من وزارة يعي الكل دورها وقت الأزمات، وإلا أضحى دورها كدور بعض محامي التعويضات.
----------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي

مقالات اخرى للكاتب

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟





اعلان