29 - 03 - 2024

"هفضل أحبك من غير ما أقولك إيه اللي حير أفكاري"! في ذكري مولد رامي .. الشاعر الذي ظل يجري ورا شقائه

قال أحمد رامي ذات مرة عنها: "أنني أحبها كالهرم، لم المسه ولم أصعد إليه ولكنني أشعر بعظمته وشموخه"، رامي الذي كتب بقلبه، وظل يشقي وراء حب عمره، من صبر وبقي إلى جوار من يحب ولم يهمه أن يجني شيئا ، من فقد القدرة علي السيطرة علي قلبه، ظل يكتب ويبكي ويطوف وراء محبوبته الذي وقع في حبها من النظرة الأولي وبالتحديد في أحد ليالي يوليو 1924 حين دعاه صديقه ليجلس معها في حديقة الأزبكية، بداية لم يعجب رامي بشكلها وثيابها ولكن بمجرد الحديث معها أعجب بخفة دمها ومن ثم بدأت بالغناء وكانت تغني قصيدة له تركها لصديقه قبل سفره إلى باريس، انبهر بها رامي معبراً عن ذلك بقوله هذه أول مرة أطرب فيها لمغني بعد الشيخ سلامة حجازي ..!، وتأكد رامي أنه وقع في عشقها ولم يعرف أنه سيظل ينزف وراءها وستظل هي تتجاهله.


حب من طرف واحد، شخص ينزف وآخر لا يبادله المشاعر ، قالتها صريحة ذات مرة أنها تحب رامي الشاعر ولكن لا تحب رامي الرجل ، تزوج من باب أن تستمر الحياة وأنجب الأطفال وقص رامي على عروسه قبل الزواج قصة حبه لأم كلثوم بكل تفاصيلها .. وكانت هناك صداقة وطيدة بين الحبيبة والزوجة، ولكن ظل قلبه وحيداً ولم يتوقف لثانية واحدة عن التعبير عن حبه لحبيبته وصديقته وشريكته.


ولد أحمد رامي في 9 أغسطس عام 1892 بالقاهرة وبالتحديد في حي السيدة زينب، مصري من أصل تركي، فجده الرابع لأبيه أميرلاي عثماني، درس في مدرسة المعلمين وتخرج منها عام 1914، ومن ثم سافر إلى باريس في بعثة من أجل تعلم نظم الوثائق والمكتبات واللغات الشرقية وحصل هناك على شهادة في المكتبات والوثائق من جامعة السوربون.


كما درس في فرنسا اللغة الفارسية في معهد اللغات الشرقية وساعده ذلك في ترجمة «رباعيات عمر الخيام». 



عُين أمين مكتبة دار الكتب المصرية كما حصل على التقنيات الحديثة في فرنسا في تنظيم دار الكتب، ثم عمل أمين مكتبة في عصبة الأمم عاد إلى مصر عام 1945.


وبعد عودته إلى مصر عُيِّن رامي مستشاراً للإذاعة المصرية، حيث عمل فيها لمدة ثلاث سنوات ثم عُيِّن نائباً لرئيس دار الكتب المصرية. وقد لُقّب بشاعر الشباب.


وبدأ العمل بين رامي وأم كلثوم بعد نظمه لأغنية "خايف يكون حبك لي شفقة علي"، ولم تكن هي المقصودة أبدا بالأغنية، فقد نظم الشاعر الأغنية عام 1924 وكان في هذا الوقت يعيش في باريس وكانت المقصودة منها جارته الفرنسية.


تمتع رامي بالموهبة الفذة والروح المرحة وكان الشعر يأتيه بالمزاج فقط، وما أن يأتي الشعر يجد رامي حاضراً يسجل ويدون. 


وكثيرا ما تكون موهبتنا مجلاب التعاسة لنا، وهذا ما حدث مع رامي الذي ما تاب يوماً عن الإمتناع عن سبب ايذاء مشاعره وهي أم كلثوم، ولكنه ظل يقدسها، قرابة الخمسين عاماً يتحدث عنها، وكأنه في كل مرة يتحدث، يحبها من جديد. 


كان يتحدث اليها في التليفون كل يوم مرتين، مرة في الصباح، ومرة في المساء، وخصصت له أم كلثوم يوم الاثنين من كل أسبوع، وهو يوم أجازته من عمله حيث يعمل موظفاً في دار الكتب، ليكون يومه دون سواه حيث لا تزور أم كلثوم أحد ولا أحد يزورها من الصباح إلى المساء غير رامي، وكأنها تدوس علي قلبه أكثر وأكثر حتي يكتب لها، فتبهر هي جماهيرها بمشاعره والتي هي ليست إلا كلمات بالنسبة لها. 


عندما سألوه ذات مرة: ألم تفكر يوما أن تتزوجها؟


ضحك رامي وقال: لو تزوجتها لانطفأ الحب! هل سمعت عن رجل تزوج الهرم، أو تزوج نهر النيل؟ لا 


كان حبه لها ليس مقترنا بغرض أو مال، حتي أنها قالت عنه مرة أنه مكث عدة سنوات يقدم لها قصائده وأغانيه مجانا دون أن يتقاضى ثمنا منه علي ذلك.


 وقالت له ذات يوم انك مجنون لأنك ترفض أن تأخذ ثمن أغانيك .. قال رامي:


ـ نعم أنا مجنون بحبك، والمجانين لا يتقاضون ثمن جنونهم. هل سمعت أن قيس أخذ من ليلى ثمن أشعاره التي تغنى بها؟


قالت أم كلثوم:


ـ ولكنك لن تأخذ مني مليما .. ان شركة الأسطوانات هي التي ستدفع أجرك !! وعندئذ فقط قبل أن يأخذ رامي أجرا عن أغانيه التي كان من الممكن أن تدر عليه آلاف الجنيهات !!


وبالرغم من أن رامي أحيل للمعاش عندما بلغ سن الستين، مع ذلك لم يكن معاشه يتجاوز بضعة جنيهات، وحينها ذهبت أم كلثوم الى رئيس الوزراء وطلبت إليه أن يعين أحمد رامي مستشارا في الإذاعة دون أن تخبره بذلك.


لم تكن تحبه ولكنها كانت تشفق عليه وتحب شعره، وبالرغم من أنه كان في غاية الوسامة في فترة شبابه ولكنه أصيب بمرض الجدرى الذي شوه وجهه ولم يؤثر هذا الحادث في علاقتة مع أم كلثوم، بل زادت اهتماما به وان كان هذا التشوه أصاب رامي بعقدة، وجعله ينقطع عن زيارة أم كلثوم، الا أنها كانت تزوره هي في بيته.


وفي إحدى المرات غضبت عليه أم كلثوم وخاصمته، وحاول أن يصالحها .. فأصرت على خصامه ، ويومها أطل علينا رامي بقصيدته الرقيقة والتى يقول فيها "عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك ؟"


وعندما قرأت أم كلثوم هذه القصيدة، شعرت بمقدار عذابه وشوقه إليها فاتصلت به تليفونيا في مكتبه ودعته للحضور الى بيتها. 



وعندما سافرت أم كلثوم في إحدى المرات إلى رأس البر وعادت كتب لها رامي أغنية "شرف حبيب القلب بعد طول الغياب "وأغنية" قلبي عرف معنى الأشواق".


وحين سافرت أيضًا الى الخارج للمرة الأولى، كتب رامي أغنيته "البعد علمني السهر".


وكانت أم كلثوم في بعض الأحيان تعطي هي الشاعر أحمد رامي وغيره من الشعراء موضوع الأغنية.


وكتب أحمد رامي أغنيتة الشهيرة "جددت حبك ليه .. بعد الفؤاد ما ارتاح»، وذهب كعادته في يوم الخميس الأول من كل شهر، الى حفل أم كلثوم لسماع الأغنية، التي أدتها أم لأول مرة فأطربته وأبدعت. 


وكانت السيدة عطا الله زوجة رامي تستمع للحفل في الإذاعة، واذا بأم كلثوم تغني "جددت حبك ليه"، ولم يكن رامي قد أخبر زوجته بهذه القصيدة، وتحركت الغيرة في قلبها، وتصورت أن رامي عاد إلى حب أم كلثوم بعد انقطاع دام عشرين سنة، وضاعف من غيرتها أن والدة رامي كانت جالسة الى جوارها، فأبدت بدورها استياءها من ابنها الذي يجدد الحب "بعد أن حمدنا الله وخلصنا من هذه المصيبة". 


عاد رامي من السهرة عند الفجر ووجد والدته مستيقظة، وما كادت تراه حتى صاحت في وجهه:


ـ هي حصلت كده يا رامي يا ابني ؟ انت كبرت وتزوجت وأصبح لك أولاد .. وترجع للكلام الفارغ ده ؟


لم يفهم رامي في أول الأمر ما تقصده أمه، ولكنه فهمه، فهم أن أمه استمعت للأغنية واستنتجت منها أن الحب عاد ثانية إلى قلب رامي ..!!


حاول رامي أن يدخل الى غرفة نومه، ووجد زوجته أغلقت الباب بالمفتاح، ورفضت أن تسمح له بالدخول. 


حاول رامي أن يقنع زوجته من وراء الباب المغلق أن هذا عمل أدبي ولا علاقة له بالحب والغرام والهيام.


ولكن الزوجة أبت أن تصدق هذا الدفاع، لقد كانت كلمات الأغنية كلها تعلن بأعلى صوت أن رامي عاد إلى حب أم كلثوم.


وخلال مسيرته، حصل أحمد رامي على عدد كبير من الجوائز والأوسمة التقديرية. في عام 1965 نال جائزة الدولة للآداب، وسام التميز الفكري من الملك الحسن الثاني ملك المغرب، كما نال وسام الاستحقاق من الدولة في الأدب عام 1967، وقد نال دكتوراه فخرية من أكاديمية الفنون عام 1976، وحصل على وسام الاستحقاق اللبناني المرموق، ومنحته جمعية الملحنين ومقرها باريس درعًا تذكاريًا. تقديرا لمساهماته.


ومن أهم أعماله" ديوان رامي بأجزائه الأربعة – أغاني رامي – غرام الشعراء – ترجمة رباعيات الخيام، كما قدّم لأم كلثوم 110 أغنية، منها: على بلد المحبوب، كيف مرت على هواك القلوب، إفرح يا قلبي، النوم يداعب جفون حبيبي، فاكر لما كنت جنبي، إذكريني، يا ليلة العيد، يا طول عذابي، هلت ليالي القمر، غلبت أصالح، غنى الربيع ، ياللى كان يشجيك أنيني، سهران لوحدي، يا ظالمني،عودت عيني، هجرتك، حيرت قلبي معاك، جددت حبك ليه ". 


وقال في رثاء أم كلثوم« ما جال في خاطري أنّي سأرثـيها بعد الذي صُغتُ من أشجى أغانيها .. قد كنتُ أسـمعها تشدو فتُطربني واليومَ أسـمعني أبكي وأبـكيهــا .. وبي من الشَّجْوِ..من تغريد ملهمتي ما قد نسيتُ بهِ الدنيا ومـا فـيها


وما ظننْـتُ وأحلامي تُسامرنـي  


أنّي سأسـهر في ذكرى ليـاليها


يـا دُرّةَ الفـنِّ.. يـا أبـهى لآلئـهِ 


سبـحان ربّي بديعِ الكونِ باريها


مهـما أراد بياني أنْ يُصـوّرها 


 لا يسـتطيع لـها وصفاً وتشبيها.


كما ساهم رامي في ثلاثين فيلما سينمائي، سواء بالتأليف أو بالأغاني أو بالحوار، من أهمها: «نشيد الأمل»، و«الوردة البيضاء»، و«دموع الحب»، و«يحيا الحب»، و«عايدة»، و«دنانير»، و«وداد».


كما كتب للمسرح مسرحية «غرام الشعراء»، وترجم مسرحية «سميراميس». كما ترجم كتاب في «سبيل التاج» من فرانسوكوبيه كما ترجم «شارلوت كورداي» لـ يوتسار، ورباعيات الخيام وعددها 175 رباعية وكانت أول الترجمات العربية عن الفارسية، كما ترجم بعض قصائد ديوان ظلال وضوء لسلوى حجازي عن الفرنسية.


دام حبه لسيدته قرابة ال55 عام ولم يمت ذاك الحب بداخل رامي أبدا وظل هو وفيا له.






اعلان