29 - 03 - 2024

إعادة ضبط عقلك من أجل وعي أعلى

إعادة ضبط عقلك من أجل وعي أعلى

نرى ما نتوقع رؤيته .. نختبر فقط الأشياء التي تعزز خبراتنا القديمة

يبعد المجتمع العلماني الحديث جدا عن السعي وراء درجة الوعي الأعلى، تلك الدرجة سواء أطلق عليها البعض القرب من الله، أو الاستنارة، أو اليقظة، أو العيش كحياة القديسين.

ويقول ديباك شوبرا، طبيب وكاتب أمريكي، ومؤسس مركز شوبرا للصحة في كاليفورنيا، أن ذلك المجتمع الحديث، هو السبب وراء جعلنا كبشر بعيدين عن أن نعيش تجربة حياتنا العادية، وعليه فالآن يعد الوقت الأنسب لبدء الطريق نحو الوعي الأعلى، على الرغم من طغيان أفكار المجتمع.

بادئ ذي بدء، تتطلب هذه العملية خيارات واتجاهات واعية، تتناول بالتساوي كلا من الصحة العقلية والرفاهية النفسية وتنمية الوعي الأعلى، إنه من السهل أن نعمل على إعادة ضبط عقولنا لتحرير أنفسنا من العادات السيئة، والسموم العاطفية، والإدمان، والعقبات التي تحد من حدة العقل، والسلام الداخلي، والسعادة الدائمة، وهي عملية شبيهة بتنفيذ اي مشروع، فقط يركز العقل في اتجاه جديد، مثل التدريب لسباق الماراثون أو اعتماد برنامج مضاد للشيخوخة.

ويؤكد شوبرا قائلا : إعلم أن العوائق التي تحول دون زيادة الوعي هي من صنع عقلك، وهذا لحسن الحظ ، حيث يمكننا تبنى إجراءات روتينية لتفريغ عقولنا من بقايا التفكير المشروط، والوساوس، والالتزامات، والأحكام المسبقة، ما سيساعد في تحفيز الإبداع الجديد والتفكير الأصلي وذاكرة أكثر حدة ووعي ذاتي أعمق.

ولكن قبل البدء في ذلك، علينا أن نكون على علم بالقوى التي تقيد العقل اليوم، فظروف الحياة المحيطة بنا تعمل على تحفيز أذهاننا بشكل مفرط، وتدعونا إلى العمل فوق طاقتنا، حتى بات من السهل أن نصاب بالإزعاج في عصر تهيمن عليه الوسائط الرقمية والإلكترونية المستمرة، هذا إلى جانب عادة القلق المستمر والمخاوف التي اكتسبناهابخصوص المشاكل الاجتماعية والعالمية المتزايدة، فصارت أذهاننا عرضة للتوتر طوال النهار والليل، لدينا القليل من وقت الفراغ لإبطاء وتسوية أفكارنا وعواطفنا.

لا يحدث الخروج من دورة فوضى النظام (الانتروبيا) تلك بمجرد التفكير، فالعقل المفكر يحبسنا في تلك الدورة اللاواعية من الفوضى العقلية، وأعباء الذاكرة تثقل كاهل العقل، مما يحد من إدراكه الدقيق ويجعلنا نقع تحت التأثيرات الخارجية.

 أنت بحاجة إلى ملاحظة ما يحدث "هنا"، فقط الملاحظة هي السلاح الأساسي لإحداث التغيير، ستلاحظ أن ردود الفعل العقلية الجاهزة تمنعنا من رؤية حقيقة الأشياء، بينما تحجب ظلال الذاكرة رؤيتنا الداخلية.

إننا نرى ما نتوقع رؤيته، نختبر فقط الأشياء التي تعزز خبراتنا القديمة، نفكر وفقا للمعتقدات الثابتة الراسخة، فلا نحصد إلا أنماطًا متكررة، ونبقى نعيش قي دائرة ما تعلمناه من الحياة في مواقفنا اليومية، وعلاقاتنا، وأفعالنا، وتعبيراتنا.

حالما تواجه هذا الأمر بشكل مباشر، فاعلم أن عقل تفكيرك لا يعرف كيفية تحرير وعيك من أجل أسلوب حياة إبداعي جديد، هذا ما ستحصده من الملاحظة، لتبدأ بعدها خطوتك التالية وهي الانخراط في عملية إعادة العقل إلى المستويات المثلى من الأداء.

إعادة ضبط العقل لا تتم بشكل باطني فقط وإنما بطرق اختبارية كذلك، تمت دراستها جيدًا والتحقق منها.

* خطوات لإعادة العقل

توقف عن التحميل الزائد على الجهاز العصبي المركزي باستخدام المنبهات الخارجية.

- اسمح للعقل بالاسترخاء،  وتمرن على ترك العقل يذهب.

- راقب نفسك وانت تتصرف أو تتحدث دون وعي، وتوقف من فورك.

- إفسح داخل نفسك  مجالا لوعيك للوصول إلى مستوى أعمق.

- ركز على السلام الداخلي والهدوء والعقل الهادئ وليس العقل التفاعلي.

- احصل على قسط كافٍ من النوم العميق كل ليلة.

- اتخذ خطوات عملية لتقليل التوتر على المستويات الجسدية والعاطفية.

- أضفي على نشاطك اليومي قيما عليا.

اتفق معظم من قام بهذه التدريبات على أن هذه الخطوات نجحت في تحسين الحالة النفسية، ولكن الذاكرة والتكيفات القديمة والعادات ثوابت عصية على التغيير، ويتطلب الأمر اهتمامًا لحظيًا واعيًا لمواجهتهما بالكامل، فالأمر ليس ببساطة كبسة زر نضغط عليه لإيقاف تشغيل العقل وتشغيله مرة أخرى بالطريقة التي يمكننا بها باستخدام الكمبيوتر، ومع ذلك، لا تزال هناك قوة داخلية يمكننا تطويرها لإبطاء وإيقاف العقل من الدخول في الوضع الافتراضي الذي يبقينا محاصرين في العادات والثوابت.

هذه هي قوة الوعي المركّز ، حيث ننتقل من الوقوع في شرك أفكارنا إلى مراقبة أفكارنا بهدوء والسماح لها بالتفرق من تلقاء نفسها، وكأنك تشاهد عقدة من الخيوط ينسل كل خيط من العقدة ليرحل منفردا، وقوة الوعي هذه متاحة للجميع.

تأمل مرحلة تطورية شاركت فيها بوعي، فمثلا القراءة، غالبية الناس يقرأون من دون التفكير في فعل القراءة، ولكن بالتركيز على القراءة الواعية ستنحو في اتجاه جديد، وذلك من خلال التركيز اليومي على القراءة، حيث سيتم اكتساب مهارة جديدة في الوعي.

وبالمثل يتطلب الوعي الأعلى تحويل وعيك إلى اتجاه جديد وتطبيق التركيز اليومي عليه، وذلك من خلال ممارسة التأمل العميق، حيث يتطلب العقل فترات راحة طويلة لتجديد نفسه، نتخلى خلال تلك الفترات عن أي نشاط ذهني خارجي المنحى ونعيد العقل إلى حالة من الراحة والسكون والصمت حيث يمكنه أن يجدد نفسه بشكل طبيعي.

* صمت داخلي

يحدث ذلك من خلال اتصالك بالصمت الداخلي، لا تفكير ولا أفكار، هنا يعيد العقل ضبط نفسه بشكل طبيعي، ويمتلئ بإلهام جديد من الداخل، فهذا العقل الصامت يعمل كوعي متقبِّل، نربط فيه أنفسنا بالقوى الجذرية للوجود، فيتم تحقيق ما لا يستطيع العقل المفكر تحقيقه.

فلإعادة ضبط العقل يجب أن نطور حالة واعية من السلام والراحة كحالتنا الافتراضية مع ممارسة التأمل، حيث يتعلم العقل الاسترخاء في حالة بسيطة من الانفتاح والقبول دون صراع.

إدراكك البسيط بإنك حاضر في كيانك الداخلي يزيل حجاب الفكر، فتشهد الحياة من موقع التقبل والمراقبة، مع تركنا الأشياء على ما هي عليه ، فإن ذلك سيسمح لنا بإعادة تصفية أذهاننا من ظلال الماضي وإيجاد حلول جديدة ودائمة،  نعيد عقولنا إلى نقطة الصفر، النقطة الأساسية للصمت والتركيز والسكون.

فمكان أصل العقل هو هدفه النهائي، هذا هو الوعي الذاتي الكامن وغير المحدود وراء عقل التفكير الخارجي.

فمثلا تركز بعض المدارس الروحانية بشكل كبير على الوعي كنوع من الفضاء، فعندما تُمنح مساحتك الخاصة تشعر بالحرية لتجديد نفسك، فالعقل يتطلب مساحة داخل أنفسنا وفي العالم من حولنا، ونختبر أنفسنا كوجود أو حركة في الفضاء، وليس فقط كمجموعة من الآراء العقلية المرتبطة بجسد مادي. يمكن الوصول لهذه الحالة بين أفكارك كحالة ثابتة حيث تدرك بشكل مباشر ما تشعر به حاضرًا تمامًا هنا الآن ، وهو المكان الذي يتطور فيه الوعي الأعلى.
------------------
ترجمة: فدوى مجدي
من المشهد الأسبوعية







اعلان