30 - 04 - 2024

تجربة شخصية في العلاج بالفن للأطفال .. جسر للعبور نحو المستقبل

تجربة شخصية في العلاج بالفن للأطفال .. جسر للعبور نحو المستقبل

من خلال تجاربى الخاصة للبحث عن وسائل مختلفة للعلاج بالفن مع عدد من أطفال مدينتى الصغيرة تأكد لى أن جميع الوسائل الثقافية تعد منفضة ريش ناعمة لرفع الغبار من حياة أطفالنا، وتحسين الصحة العاطفية والعقلية، وغسل الروح من غبار الحياة اليومية. فعندما يأتى الطفل الى مرسمى يتهيأ للإندماج فى الحياة التى أصنعها له. ينسى كل مشاكله اليومية ويفتح قلبه وعقله للتفاعل مع كل ما يقدم له من تجارب فنية وثقافية وحتى مع بعض الألعاب التى أقدمها له. إنه يقبل على كل ما يقدم له بحب ويستمتع بالوجبات الفنية التى أقدمها له. منهم من يكون كسولا فى البدايات، ومنهم من يأتى مشغولا بشىء ما. وما أن نبدأ حتى يتحول الجميع الى خلية نحل يمارسون أنشطتهم بحب وتعاون. يأخذهم الفن بعيدا عن مشاكلهم. يحلقون بخيالاتهم وأحلامهم فيتحول البعض ممن كان قلقا الى مستقر، فالفن عامل مهم للإسترخاء وتخفيف التوتر. الفن مزيل للقلق، وهو نوع من الأنشطة التى تجعلك تشعر بالتماسك، ويحفز المهارات المعرفية والشعور المتزايد بالوعى الذاتى.

يتعلم الأطفال كل ما هو ممكن ويثقون بأنفسهم وأفكارهم ومشاعرهم بعد فتح مجالات التعبير عن أفكارهم دون الحاجة الى وضعها فى كلمات، فإن ممارسة الفن يساعد على تحسين الوعي الذاتي واحترام الذات ، وتقوية العلاقات ، وتنظيم السلوكيات ، وتطوير المهارات الاجتماعية. وهذا النوع من العلاج يساعد الأطفال والبالغين فى التعامل مع المواقف السلبية والصدمات من خلال إعادة التأهيل والتعلم والتواصل.

تؤثر الفنون التعبيرية بشكل إيجابي على الوظيفة والمزاج والإدراك والسلوك. يتضح هذا بشكل خاص مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، مثل أولئك الذين يعانون من التوحد ، وضعف الكلام ، واضطراب ما بعد الصدمة ، وإعاقات النمو ، أو غيرها من الحالات الصحية العقلية والسلوكية. يعد التعبير من خلال الفن طريقة لمساعدة هؤلاء الأطفال على الشعور بالحياة الطبيعية دون إصدار أحكام ، مع السماح لهم بإظهار شخصيتهم الفردية وجذب الانتباه إلى نقاط قوتهم.

قد لا يمتلك الأطفال من جميع الأعمار ، من ذوي الاحتياجات الخاصة وغير الخاصة ، المهارات اللغوية للتعبير عن أنفسهم ، ويأتى دورالفنون التعبيرية ليوقظ خيالهم وإبداعهم لمساعدتهم على اكتشاف من هم وكيفية تنشيط حواسهم. كما أنها تضفى عليهم إحساسًا بالهدوء للجسم وتؤثر بشكل إيجابي على العقلية والحالة العاطفية.

   قد يكتفى البعض بملخص ما أقول ولكن التمعن فى الأهمية الكبيرة للعلاج بالفن تدفعنى للتأكيد على أن العلاج بالفن يمنح الشباب التعبير عن ميولهم عندما لا ينجح اللفظ فى التعبير، هم يطرحون عواطفهم القوية والتى غالبا ما تكون مكبوتة فى داخلهم مثل الغضب والحزن والخوف. فصناعة الفن وممارسته تدعمهم وتمكنهم من خلق بيئة آمنة للتغلب على الصراعات الداخلية، والتوتر الذى يعبرون عنه دون إفصاح كلامى قد لا يقدرون على فعله، وربما يكون السؤال والجواب شاقا ومخيفا للأطفال والبالغين خاصة عندما يتعلق الأمر بأمور أو أحداث مؤلمة. هنا يكون العلاج بالفن حلا أكثر قابلية للتطبيق والتواصل من مجرد إجراء محادثة، والتحدث عن تلك الأشياء.

   هناك مشكلات مأساوية يتعرض لها الأطفال مثل الإعتداء الجسدى أو الجنسى عليهم، أو كسر مشاعرهم بإنفصال الأبوين أو تنمر الزملاء فى المدرسة، أو الفقدان سواء بالسفر الطويل أو وفاة الأم أو الأب أو الأخ، أو غير ذلك من الأمور التى يتم دفنها فى عقلهم الباطن حيث يؤثر عليه في المستقبل. ليس من السهل على الأطفال التحدث عن هذه الأنواع من المشاكل ، خاصةً عندما تكون هناك مشكلات عاطفية عميقة الجذور في اللعب. من خلال العلاج بالفن ، يمكن للأطفال المساعدة في إخراج هذه المشاعر المكبوتة إلى السطح بحيث يمكن للمعالج بالفن التركيز بعد ذلك على معالجة تلك المشاكل سواء بنفسه أو من خلال أخصائيين أو عن طريق الأسرة.

  هذه الأهمية للعلاج بالفن تجعلنى ألفت النظر الى الفرق بين المراكز الفنية لتعليم الفن والتى يقوم بإدارتها هواة درسوا بعض التقنيات والأسس ودخلوا المجال دون أدنى خبرة ويقومون بتزويد عملائهم ببعض الأساليب فى الرسم. هذا الأمر الذى لا يخضع لأى نوع من البرامج يجعل الطفل يحب الرسم بالطريقة التى لا يفكر بها، ولكن بالطريقة التى تم تدريسها له مما يوقف الحالة الإبداعية بداخله ولا تسمح له بالإنطلاق خلف خياله ولكنه يلتزم بطريقة المعلم ويكون سعيه لإتقان ما تعلم وليس لإخراج ما بداخله لتعزيز لغته هو والتعبير عما يشغله، والتعبير بحرية عن نفسه للتخلص من المشاعر المكبوتة بداخله. إن التعبير عما بداخلهم يمثل الجسر الذى يعبرون منه لمستقبل جيد.

المعالج بالفن لديه من البرامج ما يمكنه من مساعدة الأطفال الطبيعيين ، والذين تعرضوا لمشاكل، وأيضا ذوى الهمم بعد قراءة أعمالهم الفنية وإكتشاف المشكلة. هذا الأمر لا يستطيع القيام به الهواة غير الدارسين لقراءة وتفسير الأعمال التى ينتجها الأطفال وأيضا الذين ليس لديهم الخبرة والبرامج الخاصة بالعلاج بالفن والتى تساعد الطفل بعد إكتشاف المشكلة. 

على كل حال فإن التناول الحر للفن بعيدا عن الهواة الذين يدرسون الفن يساعد على التخلص من التوتر، ويفتح آفاق التعبير عن العواطف، كما يؤدى إنشاء الأعمال الفنية الى إطلاق هرمونات سعيدة مثل "الدوبامين" الذى يحسن المعنويات ويحقق الثقة بالنفس، ويفيد فى علاج الإضطرابات النفسية، وتعزيز الشفاء والرفاهية العقلية.

   أن العلاج بالفن مفيد لجميع الأعمار، ويحقق نتائج إيجابية للعديد من المشكلات مثل: القلق- الكآبة- الضغط العصبى- إجهاد ما بعد الصدمة- فرط الحركة ونقص الإنتباه- الشيخوخة وقضاياها- أمراض القلب- فقدان الشهية- قضا الأسرة- التوحد- متلازمة داون- وغير ذلك من الأمراض النفسية المختلفة"

 أعتقد أننا جميعا وبلا إستثناء قمنا بالرسم على هامش الصفحات فى الكتب التى كنا نتصفحها سواء للمذاكرة أو حتى للتزود الثقافى . هذا الأداء الذى كنا نمارسه يمنح الدماغ قدر من الراحة. هذه الممارسة تجدد النشاط والوعى والتركيز، فما المانع من أن تحتفظ بدفتر أبيض فى مكتب عملك سواء كنت طبيبا أو محاميا أو تشغل أى وظيفة، ما عليك إلا أن تخرجه وتحرك قلمك عليه كيفما تشاء وقتما تشعر بالكسل أو الإرهاق أو إنشغال ذهنك. هذه وسيلة صحية لتتبع مشاعرك بإستمرار. هذا الفعل مهم جدا لصحتك العقلية ومعالجة مشاعرك. فالرسم طريقة رائعة لتحسين رفاهيتك، والتعامل مع الضيق النفسى، وتخفيف القلق والتوتر. الرسم يسمح للخيال أن ينطلق بحرية.

هناك البعض ممن لم يصلوا الى القناعة الكاملة بالعلاج بالفن ، ويرفضون هذا النوع من العلاج تماما. ويعتقد البعض منهم أنهم ليسوا مبدعين بما يكفى لنجاح العلاج، على الرغم من أن الهدف من العلاج هو التعبير عن أفكار الفرد وعواطفه، وليس إنتاج روائع فنية. وعلى هؤلاء المتشككين التواصل مع أخصائين فى العلاج بالفن، والإلتزام بسلسلة من الجلسات للتعرف على فوائد العلاج بالفن. أما الذين لديهم القناعة بالأهمية العلاج بالفن فليبدأوا
-------------------------
بقلم: د. سامى البلشى






اعلان