28 - 03 - 2024

نحو قانون منصف للأحوال الشخصية

نحو قانون منصف للأحوال الشخصية

أتابع باهتمام بالغ وقلق حذر الاصطفافات الدائرة قبيل وضع قانون الأحوال الشخصية والذي تشكلت له لجان رسمية وغير رسمية، وتكلمت عنه العديد من الجبهات سواء من لها الحق الدستوري أو من لها حق التعبير وإبداء الرأي أو من لها مآرب أخرى، وهنا أدق جرس إنذار من باب أن النصح المبكر خير من اللامبالاة والقول المتأخر.

هناك قضايا محل إجماع وقصص محل اختلاف ، شأن كل الأشياء، ولكن ما لا يمكن الاختلاف هو جغرافيا الحدث وتاريخ الفعل والجمهور المستهدف، فنحن نضع قانونا للأحوال الشخصية في مصر وله تاريخ تطور معروف والجمهور المستهدف له متطلبات واضحة للعيان، ومن هنا يمكن أن نتفق وأن نبني سويا قانونا للأحوال الشخصية لا للأولويات الأيديولوجية.

إن ميزان الأسرة العربية والمصرية يطاح به بين المفرطين والمتطرفين ويعاني من كثرة المطففين، ولعل خير الأمور الوسط، والوسطية هي أقصر الطرق للاستقرار والنجاح، وأرى أنها الباب لإخراج قانون منصف ومتوازن وصحي وواقعي.

إن الأولويات الأيديولوجية ليست عيبا في حد ذاتها ، فالأفكار ذاتها نبض لثراء المجتمعات، ولكنها إذا تجاوزت حدها وتوغلت حتى أصبحت أولويات نرجسية لا ترى إلا نفسها ولا تسمع إلا لصوتها فذلك وبال عليها وعلى المجتمع، ويعزز فرص حوار الطرشان، ويفرز أزمات تلو أزمات.

وهنا يجب أن نتصارح أن الأحوال الشخصية في بلد الأزهر الشريف لها حدود، وما استجد في الفقه والأحوال له علماء فقه ونفس وروح وقانون ، وبالتالي فايجاد صراع مسبق مع الأزهر وداعميه أو اتهامات مسبقة للتيار العلماني ونخبه ليس في صالح القانون، فلا يجب إعطاء شيك على بياض لأحد ، ولا يجب أن تتحول القضية إلى معركة كلامية، والمحسوم محسوم والمتاح نقاشه كثير، ولا وقت يكفيه اذا استمرت المناكفات وطبول النفير.

إن المصريين دفعوا الثمن غاليا في السنوات الماضية جراء المعارك الايدلوجية التي لا طائل منها ، والتي عززت الانقسام والشقاق بناء على مناكفات بحتة لا ناقة للوطن ولا جمل للمواطن فيها ، وبالتالي فإن تكرار ذات الخطأ لا محل له من الإعراب ولا الإنسانية.

إن كل نقاش مكسبا ، وإن كل حوار بناء فرصة لبناء، وإن كل فكرة للتغيير خطوة للتطوير، والأحوال الشخصية تحتاج إلى كل جهد في هذا الوقت للحفاظ على بنيان الأسرة الذي تستهدفه سهام مسمومة تحت لافتات عدة ترفع شعارات براقة في حقيقتها تصب في التشدد والانغلاق أو التفريط والافتراق، والله أسأل حسن إعداد القانون وإخراجه بما يفيد البلاد وينصف العباد ، ويعزز روابط الوئام والوداد.
-----------------------------
بقلم : حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي





اعلان