19 - 04 - 2024

117 قتيلا في دارفور وحرق 14 قرية.. جذور الصراعات القبلية السودانية في "الكتاب الأسود"

117 قتيلا في دارفور وحرق  14 قرية.. جذور الصراعات القبلية السودانية في

- د. محمد قسم الله: القبائل مخلب قط في الصراع السياسي تديره وتجيشه الحكومة!
- السيولة الأمنية والهشاشة التي تعانيها الحكومة الآن تُغري الجميع بأخذ القانون بقبضة اليد
- د. حمدي عبدالرحمن: أعمال العنف في بورتسودان تشعلها أجهزة استخبارات وقوى أجنبية
- د. هبه البشبيشي: تناحر القبائل يزداد سوءا مع الوضع السياسي والاقتصادي المتردي
- 35 تنظيماً سودانياً بينها تحالف” قوى الحرية والتغيير“لمنع الانزلاق في أتون “الحرب الأهلية“

لم يكن الوضع في السودان بحاجة إلي مزيد من التأجيج والانهيار، فالانقسامات تحيط بالثورة التي لم يتوقف حراكها منذ 2019 ، ومحاولة اختطاف السلطة ونقض التعهدات أسلاك شائكة تحاول القوى السياسية التصدي لها وتخطيها، ولكن أن تكتمل تلك الصورة الفوضوية بنزاع قبلي فهو أمر لم يكن في الحسبان، فسرقة هاتف هنا، ومنع مزارع هناك لتشب النيران بين القبائل التي فتحت جراحها القديمة واستنفرت كل عروق العصبية القبلية ليسقط مئات القتلى والجرحى، فما السبب وراء هذا التناحر، وهل بالفعل هناك أصابع خارجية تحرك هذا الاقتتال وتنفخ في جذوة الخلاف لتشعله؟ وما تداعيات هذه الخلافات على الوضع السوداني المأزوم؟ وإلى أي مدى ستنجح تحالفات قوى الحرية والتغيير وغيرها من لجان المقاومة في منع الانزلاق لحرب أهلية؟ «المشهد» في هذا التحقيق تحاول الإجابة على هذه التساؤلات مع المختصين ...

يفند الدكتور محمد قسم الله محمد إبراهيم الأكاديمي والمحلل السياسي خلفيات التناحر القبلي في السودان بقوله: أولا لا بد من الإقرار إنّ السودان دولة حديثة جغرافياً بمقاييس الزمان وسنوات الاندماج الجيوسياسي بين سكان هذه المنطقة التي أقول دائماً إنّ قرار تكوينها وتسميتها السودان لم يكن لسوداني واحد يد فيها حيث إنها قرار إنجليزي استعماري بحت، ولذلك تم استيلاد هذا السودان بكل تناقضاته الإثنية والدينية واللغوية من أقصى الشرق للغرب وشمالاً إلى الجنوب الذي انفصل مؤخراً نتيجة هذا الزواج الكاثوليكي القسري الذي عقده الإنجليز حتف الأنوف دون مراعاة لمخاطر هذا التباين البشري العميق.

الكتاب الأسود

ويؤكد قسم الله أن مظاهر الصراع القبلي السوداني ليست مستغربة في بلد يتكون من 570 قبيلة تقريباً تنقسم إلى سبعة وخمسين مجموعة عرقية، ولك أن تتخيل مشارب كل هذه القبائل وحميتها وتدافعها فيما بينها، ومع ضعف التنمية والخدمات بمناطق الهامش - كما نسميها في السودان - تتزايد حالات الغبن لدى هذه القبائل ضد الحكومة. بل وتتصارع هذه القبائل فيما بينها نتيجة شح الموارد المتاحة وأحياناً تتصارع لأبسط الأشياء لكونها قبائل ذات طابع بدوي وحياة تقليدية.

ويقول: تاريخياً الصراعات القبلية شهيرة وممتدة ولها آلاف الضحايا في السودان ، منذ الدولة المهدية بين خليفة المهدي عبد الله التعايشي وقبيلته من الغرب والأشراف أبناء عمومة المهدي من الشمال وغير ذلك ، ثم إنّ أزمة دارفور الحالية منشؤها قبلي بحت واستفحلت بعد الكتاب الأسود الذي أصدرته جماعة الترابي إبان المفاصلة الشهيرة بين أركان النظام السابق في الخرطوم ، والذي أظهر قبائل دارفور على أنها مظلومة الحقوق في توزيعات السلطة والثروة ، وهو نتيجة مكايدات سياسية تم استغلال القبيلة فيها، وحتى في دارفور نفسها تجد الصراعات لا تكاد تتوقف بين العرب والزرقة وهو مصطلح عنصري بغيض شائع هناك. وفي الشرق مؤخراً اندلعت أحداث بين البني عامر وبين النوية خلفت قتلى ومصابين لا يستهان بهم قبل أن تترك أثرها في جسد التعايش السلمي في السودان، ثم جاءت أحداث الهوسا والبرتا الأخيرة في جنوب النيل الأزرق نتاج سلسلة طويلة من نهر الدم القبلي، والبرتا من فروع الفونج الذين أسسوا الدولة السنارية أو دولة الفونج التي قضى عليها محمد على باشا بعد الغزو التركي المصري، ولذلك يرى البرتا باعتبارهم فونج أنفسهم أصحاب حق تاريخي في ملكية الأراضي والمراعي في مناطق الأزرق، وهي قبائل لها امتدادات حتى أثيوبيا، ولاية النيل الأزرق مسرح الأحداث الأخيرة وحدها تقطنها أكثر من 25 قبيلة وهي تقع تحت مرمى النيران منذ سنوات طويلة والصراع السياسي قبل انفصال الجنوب والاستقطاب الحاد يتمدد فيها، وهي حالياً تقع تحت طائلة ما يسمى المنطقتين جبال النوبة والنيل الأزرق التي تطالب بالحكم الذاتي، فالقضايا هنالك ليست قبلية فحسب بقدر ماهي (خلطة) سياسية تستغل القبائل وتعقيداتها لتأجيج الصراع للتأثير على صانع القرار في الخرطوم، أما قبائل الهوسا فهي لها وجود كبير في تلك المناطق كذلك ولها جذورها، حتى دول غرب أفريقيا ونيجيريا وغيرها، فهي وفقاً للبرتا قبيلة دخيلة على المنطقة رغم سنوات التعايش الحذر بين الطرفين لكن البرتا يرون أنهم من يمتلكون المرعى والأرض والزراعة وبسبب ذلك قتلوا مزارعاً من الهوسا في منطقة زراعية نائية كانت شرارة لانتقال الأحداث بسرعة الريح لتبلغ المدن الكبيرة.

مستقبل الصراعات

ويوضح د. قسم الله تأثير هذا الوضع على العاصمة الخرطوم بقوله: «حين يصيب الزكام قبائل البرتا والهوسا تعطس الخرطوم»، ويقول: حاول الرئيس النميري إلغاء الإدارات الأهلية منتصف السبعينيات في محاولة للتخفيف من سطوة النظام القبلي وعصبياته، لكن الأمر عاود وبحدة أثناء حكم البشير حين كانت القبائل مخلب قط في الصراع السياسي الذي أدارته الحكومة لمصالحها دون حساب للانفجار الذي توجد بذرته بين القبائل وعددها الكبير في السودان وثأراتها التاريخية، هذا الصراع أنتج قوات الدعم السريع وهي قوات عسكرية ذات أرضية قبلية ومثلها قوات عبد العزيز الحلو من قبائل النوبة وقوات مناوي من قبائل الزغاوة وقوات عبدالواحد وهكذا ، فالوضع انتقل في السودان من مجرد صراع قبلي تقليدي إلى تجييش هذه القبائل وتسليحها وهو ما يُنذر بالخطر الداهم على مستقبل الدولة السودانية.

بالإضافة إلى السيولة الأمنية والهشاشة التي تعانيها الحكومة الآن تُغري الجميع بأخذ القانون بقبضة اليد ولذلك رأينا مشاهد عنف مؤسفة في أحداث البرتا والهوسا في النيل الأزرق والقتل والحرق على الهواء ، في غياب كامل لهيبة الحكومة وسيطرتها على مقاليد الأمور.

بات الوضع الآن أكثر احتقانا من ذي قبل ، فكل الولايات تنفجر واحدة تلو الأخرى، لم تعد دارفور مسرح الأحداث القبلية، انتقلت الجذوة إلى شرق السودان ثم إلى النيل الأزرق وبالأمس القريب الهوسا يحرقون مباني حكومة الإقليم في كسلا القريبة من العاصمة انتقاماً للأحداث التي جرت في جنوب النيل الأزرق، غير أنّ الذي يثير القلق هو الصمت الحكومي والضعف البائن وحكومة البرهان بكل طاقمها لاتزال تقدم نموذجاً سيئاً في فترة انتقالية ضبابية تكاد تغرق معها البلاد برمتها.

تكرار الأزمات

وفي دراسة له حول احداث الراهنة في السودان يؤكد الأستاذ الدكتور حمدي حسن عبدالرحمن أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة أن الأزمة التي يشهدها شرق السودان منذ عامين تنذر بمخاطر جسيمة ولاسيما في سياق حالة الهشاشة وتحديات الانتقال المتعثر في مرحلة ما بعد عمر البشير، ويقول: وربما يطرح البعض إمكانيات تكرار السيناريو الكارثي الذي انتهي بانفصال الجنوب،ويبدو أن أصل الحكاية هي السياسة وتوظيف القبيلة لخدمة مصالح فئوية ضيقة لبعض مكونات النخبة الحاكمة في الخرطوم، ويبدو كذلك أن الجميع يقرأ من نفس الكتاب المرجعي الواحد، وهو ما يفسر لنا سر تكرار أزمات السودان المركبة التي يختلط فيها العرق والدين وتسلط المركز على حساب المناطق المهمشة والأطراف، في نفس الوقت الذي تتدافع فيه قوى إقليمية ودولية لممارسة الدور واكتساب النفوذ، ومن المعروف تاريخياً أن الشعوب البدوية القديمة في شمال شرق إفريقيا، التي عاشت في ظل الأنظمة الحضرية لمصر وكوش وأكسوم بالإضافة إلى العالمين اليوناني - الروماني والعربي، تم إهمالها عموماً وذلك مقابل التركيز على النموذج التاريخي للشعوب "البربرية" في شمال الصحراء الكبرى. من وجهة النظر هذه، نجد اهتماماً محدوداً بدراسة سكان الشرق، بحسبانهم مجموعة غير مستقرة من البدو الرحل. ومع ذلك سيطر الرعاة الرحل من أسلاف البجا في شرق السودان على الصحاري لآلاف السنين، وعلى الرغم من اعتبارها عموماً مجموعة من القبائل المنقسمة سياسياً وتشترك في اللغة والاقتصاد الرعوي فقط، فقد أنشأ مجتمع البجا القديم ونخبه المسيطرة ترتيبات سياسية معقدة في فضائهم العام، وطبقاً للمصادر المصرية واليونانية والقبطية والعربية، يتضح أن البدو شكلوا "دولة بدوية" كونفدرالية كبيرة خلال العصور القديمة المتأخرة وأوائل العصور الوسطى، فهل يؤدى الحراك الحالي في شرق السودان بمكوناته المتعددة واستقطاباته الواضحة بين طرفي الحكومة الانتقالية إلى إحياء تقاليد سلطة عموم البجا؟

طبيعة الانقسام
يبلغ عدد سكان شرق السودان ما يقرب من ستة ملايين نسمة، نصفهم على الأقل من قبائل البجا، وهى جماعات رعوية بالأساس من الشعوب غير العربية. تشمل البجا قبيلة الهدندوة (أكبر قبيلة ويعيش بعضهم في إريتريا)؛ والأمرار، الذين يقيمون في ولاية البحر الأحمر؛ والبني عامر، الذين يقيمون في كل من السودان وإريتريا، أما البشارية فهي موجودة في كل من السودان ومصر، يتحدث أبناء الشرق لغة واحدة - أصلها كوشي- ويجمعهم اقتصاد رعوي واحد وذلك باستثناء بني عامر، الذين يتحدثون لغة التقري، وهي لغة سامية، وغالباً ما يُعتبرون مجموعة عرقية وافدة، كما تقيم في الشرق عدة قبائل عربية مثل قبيلة الشكرية، الغالبة في القضارف والشايقية والجعليين- وهي قبائل نيلية - والرشايدة وهم بدو رحل هاجروا من شبه الجزيرة العربية في منتصف القرن التاسع عشر ويعيشون في أطراف كسلا وعلى طول الحدود الاريترية. أضف إلى ذلك، أن ما يصل إلى 40% من سكان القضارف يرتبطون بحركة الهجرة الوافدة من غرب ووسط إفريقيا مثل جماعات الهوسا والزرما، كما يعيش العديد من أبناء دارفور أيضاً في الشرق، خاصة في بورتسودان وكسلا، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الحلفاويين النوبة، الذين تم توطينهم في خشم القربة أو حلفا الجديدة غرب كسلا
.
ويوضح د. حمدي أنه على الرغم من مستويات الفقر المرتفعة، يعد الشرق من أكثر مناطق السودان ثراءً، حيث تعتبر بورتسودان بوابة لمعظم التجارة الخارجية (بما في ذلك النفط) وتحتوي على عدد من المشاريع الزراعية المروية واسعة النطاق، ومع ذلك، لم تستفد من عائدات التجارة والزراعة غالبية الرعاة ومزارعي الكفاف في المنطقة. وقد أدى الجفاف والمجاعة المتكرران،على مدى عقدين من الزمن، إلى تدمير سبل العيش في المناطق الريفية. كما أفضت مركزية السلطة في الخرطوم مع وجود شبه احتكار جمع وإعادة توزيع الإيرادات، إلى حرمان الشرق من الحصول على مخصصات معقولة للتعليم والصحة والخدمات الأخرى.

كسلا وبورتسودان
وتعود الاشتباكات العنيفة بين قبائل البجا وبني عامر في شرق السودان إلى عام 1986، بيد أنها تجددت بعد شهر واحد فقط من الإطاحة بالبشير، واستمرت في التصاعد منذ ذلك الحين. وكان لتعيين والي مدني لكسلا من قبيلة بني عامر أثر سيء، حيث هددت بعض مكونات البجا بالقتال من أجل تقرير المصير في ولايات شرق السودان على البحر الأحمر وكسلا والقضارف. وتبدو الصورة قاتمة، حيث يقوم ناظر البجا محمد الأمين ترك، وهو من الهدندوة، بقيادة أعمال الاحتجاجات وإغلاق شرق السودان من خلال العصيان المدني. وتبدو بورتسودان وكأنها تعيش أجواء قتال وحرب. ربما يكون النزاع أهليا بين البجا وبني عامر، ولكنه في الأصل مرتبط بوضع الهشاشة - ولاسيما في الأجهزة الأمنية - الذي تعاني منه الدولة السودانية التي تمر بمرحلة انتقال عسير.
ويقول حمدي حسن عبدالرحمن: باعتقادي أن النزاع في شرق السودان في جانب منه هو نزاع أهلي بين البجا من جهة والبني عامر والحباب من جهة أخرى، وفي جانب آخر يعبر عن أزمة سياسية تبعتها أزمات اقتصادية واجتماعية. وقد شهدت الفترة التي أعقبت سقوط نظام البشير أحداث عنف كثيرة في بورتسودان وكسلا وغيرها من المناطق بشرق السودان وراح ضحية لهذه الأحداث عدد كبير من المواطنين، وهذا يشمل مثلاً الأحداث القبلية التي وقعت بين مكوني البني عامر والنوبة الأهليين والتي راح ضحيتها عشرات المواطنين رغم عدم وجود إحصاء دقيق عن الأعداد الحقيقية.
ولا شك أن الحملة التي يقودها زعيم البجا محمد الأمين ترك لمعارضة مسار الشرق في اتفاق سلام جوبا تعبر عن استغلال الانقسامات القبلية لتحقيق المصالح السياسية لنظام البشير المخلوع. كما أن ارتباطات ناظر البجا ترك بحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً غير خافية. علاوة على ذلك، فقد ترشح ترك نفسه عن حزب المؤتمر الوطني في انتخابات عام 2015.
ويؤكد أن ثمة مخاوف من أن التوترات والنزاعات العنيفة في شرق السودان قد تتحول إلى "دارفور أخرى" ما لم يتم احتواء الموقف ومعالجة جذور هذه النزاعات. وعلى سبيل المثال، يؤدي السماح لقادة الإدارة الأهلية - مثل محمد الأمين ترك - باختيار حكام الولايات إلى الإضرار بالنسيج الاجتماعي ويفجر المزيد من العنف. وفي الواقع، فإن سيناريو دارفور في بورتسودان سيكون أكثر خطورة، حيث أن الشرق يتسم بموقعه الاستراتيجي وقربه من مركز الحكم
.

المتغير الخارجي
ويشير د. حمدي إلى أن المثير للقلق، هو تدفق الأسلحة النارية على شرق السودان بمعدل غير مسبوق، إذ يبدو أن التوترات المتصاعدة أصبحت أكثر عنفاً، حيث إن القبائل تستخدم الرصاص الحي، على عكس المناوشات السابقة التي كانت في الغالب تستخدم العصى. ولاشك أن توظيف المتغير القبلي لتحقيق أهداف سياسية يزيد من تعقيد الأزمة، وثمة حالة من الفراغ الذي خلّفه غياب الشعور العام بالمصلحة المباشرة والشعور العام بالانتماء الوطني، وعليه فإن الحروب القبلية يغذيها غياب الأمل وتفشي الفقر وضعف مؤسسات الدولة، وعلى الرغم من اعترافنا بأن أزمة الشرق في السودان هي بالأساس صناعة محلية، فإن ثمة أيادٍ خارجية تحاول استغلالها لتعظيم مكاسبها في معركة التدافع الإقليمي والدولي على السودان. ونظراً لقربها من البحر الأحمر الجيوستراتيجي، يميل البعض إلى القول بأن أعمال العنف في بورتسودان توظفها وتشعل جذوتها أجهزة استخبارات وقوى أجنبية ضاغطة، وثمة مصالح لقوى إقليمية نتيجة التداخل العرقي والقبلي عبر الحدود في شرق السودان مع كل من إريتريا وإثيوبيا، لقد حاولت إثيوبيا استغلال التوتر الأمني في الاقليم لغزو بعض مناطق الفشقة الحدودية، بيد أن الجيش السوداني قام بردعها والتصدي لها.
وختاماً، فإن النهج الأمثل لمواجهة أزمة الشرق واحتواء ثورة البجا هو تعلم الدرس والاستفادة من تجارب الماضي القريب في غرب وجنوب السودان. من المتعين معالجة الأسباب الجذرية، وإجراء البحوث حول أسباب العنف، فضلاً عن تطوير خطاب عام وحكومي جديد لمواجهة التأثيرات السلبية للقبلية وإثارة النزعات العنصرية الضيقة.

نيران صديقة

من جهتها تميل الدكتورة هبه البشبيشي الباحثة في الشؤون الإفريقية إلى إسناد ما يحدث من تناحر بين القبائل السودانية إلى النزاع على ملكية الأراضي، وتقول: الأحداث مؤسفة خاصة مع وقوع قتلى وجرحي بالمئات، والسبب الأساسي هو الاقتتال حول ملكية الأراضي بين قبائل الهوسا والبرتى ومطالبة الهوسا بإمارة الإقليم، ومن الطبيعي أن هذه المطالبات يعقبها رفض وأعمال عنف.

وتضيف: اعتقد بصورة أو بأخرى أن هناك دعم اثيوبي لأعمال العنف لأنها وقعت في ولاية حدودية مع إثيوبيا، وبالتالي من السهل أن تندس عناصر مخربة من إثيوبيا بين القبائل السودانية، لأن الأحداث ليس لها مبرر حقيقي وأتت في وقت لاحق للمشاكل بين الدولتين.

وتحذر البشبيشي من استمرار هذه الحالة من الفوضى القبلية وتأثيرها على الوضع العام بالسودان، وتقول: العواقب ستكون وخيمة طبعا لأن الوضع السياسي والاقتصادي في السودان ليس جيدا، وبالتالي كل الولايات سوف تشعر بالتأثير والانحسار في الخدمات والأموال وكل شيء، لكن العمل السياسي هو الأخطر حاليا لمحاولة احتواء الموقف وعقد جلسة مصالحة أو حتى وعد بتقديم دعم أو القبض على المتسببين في الأزمة ومحاكمتهم مما يعمل على تهدئة الأوضاع إلى حد ما.

من الداخل

ومن داخل السودان قال إبراهيم هاشم زعيم قبيلة القمرالسودانية إن 117 شخصا من عشيرته قتلوا في اشتباكات مستمرة مع قبيلة الرزيقات العربية منذ الأسبوع الماضي، وحرق 14 قرية كليا. فيما ندد ولكر برثيس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان بأعمال العنف في دارفور ووصفها بأنها "غير مقبولة". 

وتشهد المنطقة نوعا من الفراغ الأمني خصوصا بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم إثر توقيع اتفاق سلام بين الفصائل المسلحة والحكومة المركزية عام 2020.

وتشهد محلية كلبس التي تبعد حوالي 160 كلم شمال شرق مدينة الجنينة عاصمة الولاية، اشتباكات قبلية خلفت قتلى وجرحى.

وأشار هاشم إلى أن الاشتباكات سببها النزاع حول ملكية أراض، قائلا "قناعتي بأن هذا القتال الذي يدور على نطاق واسع جدا، الغرض منه إزاحة القمر من أراضيهم".

ورفض أحد زعماء قبيلة الرزيقات التحدث حول الأمر وقال لوكالة الأنباء الفرنسية عبر الهاتف "لا تعليق!".

وكان قيادي في قبيلة الرزيقات أكد وقوع الاشتباكات نتيجة لخلاف حول ملكية الأرض وقال مفضلا عدم الكشف عن اسمه "أراد أحد الأهالي إيقاف شخص من حرث أرضه، فتطور الأمر وقُتل منا ثمانية أشخاص، والاشتباكات مستمرة".

إدانة أممية

من جهته، دان فولكر برثيس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان أعمال العنف في دارفور ووصفها بأنها "غير مقبولة".

وكتب على حسابه الرسمي على موقع تويتر "لقد هالتني مرة اخرى أعمال العنف في كلبس، غرب دارفور، والتي أسفرت عن عدد مرتفع من الضحايا ... إنّ دائرة العنف المستمرة في دارفور غير مقبولة وتسلّط الضوء على الأسباب الجذرية الواجب معالجتها". 

ودعا السلطات المعنية وقادة القبائل والتنظيمات المسلحة إلى تهدئة التوتر وضمان حماية المدنيين.

وتكررت الاشتباكات القبلية في ولاية غرب دارفور حيث قتل أكثر من 200 شخص في أبريل الماضي في مواجهات بين قبائل عربية وقبيلة المساليت الإفريقية.

قبل ذلك، قتل العشرات في دارفور ولا سيما منذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على شركائه المدنيين في السلطة في 25 أكتوبر.

وتشهد المنطقة نوعا من الفراغ الأمني خصوصا بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم إثر توقيع اتفاق سلام بين الفصائل المسلحة والحكومة المركزية عام 2020.

سرقة هاتف

وأيقظت حادثة تعد ونهب على إحدى الفتيات في مدينة كسلا، عاصمة الولاية في شرق السودان، فتنة نائمة بين قبيلتي “البني عامر” و”النوبة”، سرعان ما تحولت على خلفية ماض طويل من الصراع إلى أحداث عنف راح ضحيتها اثنان من المواطنين، من بينهم سائق عربة والي الولاية المكلف، فضلاً عن عشرات الجرحى، والمنازل المحروقة من الطرفين.

أتون الحرب الأهلية

35 تنظيماً سودانياً بينها تحالف ”قوى الحرية والتغيير“ وعدد من لجان المقاومة، اتفقت الأربعاء 20 يوليو الجاري، على ما أسمتها ”الوحدة والاصطفاف لوقف الاقتتال القبلي ومنع البلاد من الانزلاق في أتون الحرب الأهلية“وفقا لقولها.

وحذر بيان مشترك لهذه التنظيمات، من ”محاولات شد البلاد من الأطراف بواسطة القوى الظلامية للّعب في مساحات القبلية“، قائلاً إنه ”تكتيك خبيث يعمل عليه الانقلابيون بدءا من الشرق، ولكنه لن يكون بدماء أهلنا في النيل الأزرق“.

ودعا البيان لجان المقاومة والقوى المدنية في السودان إلى ”توحيد الصف والتحرك العاجل ضد الحرب الأهلية والاقتتال في البلاد، التي لن يكون المخرج منها إلا بإسقاط الانقلاب وتعزيز ثقافة عدم الإفلات من العقاب“.

وشدد على أن” إسقاط الانقلاب هو السبيل الوحيد، لإنهاء هذه الحالة من السيولة الأمنية واللادولة، وحالة صنع واجهات قبلية تعمل على خلق مشاكل وصراعات فيما بينها، لتوفير مسوغات ومبررات لاستمرار الحكم العسكري“.

وبدوره، حذر تحالف قوى الحرية والتغيير في السودان، من مخططات لتفتيت البلاد من خلال” إثارة خطاب الكراهية بين المكونات الاجتماعية“، معلناً ”تشكيل جبهة واسعة للتصدي لتلك المخططات“.

واتسعت رقعة الاحتجاجات القبلية في عدد من ولايات السودان عقب أحداث إقليم النيل الأزرق، حيث نظم أبناء قبيلة الهوسا في السودان، الثلاثاء الماضي، مسيرات احتجاجية متزامنة في عدد من المدن السودانية، منها الخرطوم وبورتسودان وحلفا والأبيض، ضد أحداث العنف القبلي التي وقعت في إقليم النيل الأزرق.
---------------------------
تحقيق  آمال رتيب
من المشهد الأسبوعية







اعلان