25 - 04 - 2024

المعوقات الثلاث للحوار الأسري

المعوقات الثلاث للحوار الأسري

تنعم العائلات التي تجيد الحوار البناء بمناخ معيشي ايجابي وسلام نفسي متجدد، بينما تلاحق البيوت التي تقوم على العنف بالأزمات تلو الأزمات حتى الوصول إلى الشقاق والافتراق ، إن لم ترق الدماء قبلها ، وذلك منتشر للأسف في الأسر العربية والمصرية في الأيام الأخيرة انتشارا كبيرا ، ويمكن القول أن هناك معوقات ثلاث لبناء حوار أسري ناجح، أو سيادة مناخ الحوار الإيجابي البناء في أوساط العائلات وخاصة بين الزوجين وبين الوالدين وأبنائهم.

أول تلك المعوقات هو الأصل العنيف، حيث يصعب أن تجد ثمرة صالحة للحوار من شجرة لا تثمر إلا الصياح والغضب والعراك، ولم ترو تربتها منذ البدء من نيل الحوار، ولذلك لا مجال للنقاش الايجابي في أسرة يغلب على تاريخها ونمطها العنف بكل أنواعه ، ولا مساحة للجدل بالتي هي أحسن مع نواتج تلك الأسرة ما لم يتم تعافيهم على أسس صحيحة، وفي هذا يجب أن يشارك أهل الاختصاص والعلم ، منذ مهد تكوين البيوت.

وقد يقولون : من شابه أباه فما ظلم، ومن شابهت أمها فما ظلمت، ولكن البيوت الناشئة باتت لا تحتمل نواتج تلك البيوت الظالمة، وعلينا أن نواصل التوعية المستنيرة الراشدة لانقاذ ما يمكن انقاذه في دروب الحب .

وثاني المعوقات هو النرجسية، وقد باتت آفة بيوتنا وحارتنا هي النرجسية، ولا أمل في حلها الا بيقظة قلبية وضمائرية، تؤمن بأهمية التعافي من ذلك الاضطراب النفسي الفادح، والسعي لذلك، وتوقظ صاحب "الأنا " المتضخمة الذي يؤمن أن "رأيه صواب لا يحتمل إلا الصواب ورأي غيره خطأ لا يحتمل إلا الخطأ "، وتأخذ بيده إلى بر الأمان حيث مقولة الإمام الشافعي :"رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، ومقولة الفيلسوف الفرنسى فولتير :"قد أختلف معك فى الرأى ولكنى مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك فى التعبير عن رأيك"، ومن هنا يمكن للحوار أن يبدأ في البيوت بمنطق هاديء بعيدا عن إقصاء الزوج لزوجته أو احتقارها أو العكس، وبالمثل مع الأولاد من الآباء والأمهات تحت سقف التقبل والتعاطف والهدوء والتسامح والتغافل والتغافر والتضحية الراشدة.

أما ثالث المعوقات ، فهو التاريخ السلبي الذي يحاصر كل بداية حوار، فكل من الزوجين مع أول كلمة سلبية يتذكر الماضي الأليم والتاريخ السلبي، وهو ما يتطلب التوقف قليلا والاستغفار، والبدء بوعي وعزم في حوار بناء مدروس بالتزامن مع صنع تاريخ ايجابي مبهج يحفز على الاستمرار في الحوار، فالماضي لا ينسى خاصة أوقات الألم ، وبالتالي تحتاج القلوب إلى حاضر ايجابي يتصارع مع الماضي الكئيب حتى يفوز عليه، ويفتح أبواب القلوب لمزيد من تآلف الأرواح.

إن الأرواح لا تُباع ولا تُشترى ولكنها تتآلف بعد أن تتعارف، وتعارف الأرواح يُبنى على الجبر في الأتراح و السعادة في الأفراح والدعم وقت الجراح وإبداء السماح ومن هنا يولد الارتياح والإنشراح وتتآلف الأرواح ويكتب للحوار القوة والنجاح.

إن الحوار في العلاقات الإنسانية والأسرية ليس ترفا ولا رفاهية، بل هو من مقومات استقرار البيوت والعلاقات، وأي محاولة لإقصاء أو احتقار طرف من طرف آخر تهدد بنيان العائلات، وتمهد الطريق للخرس الأسري الذي يؤدي إلى الشقاق والافتراق والذي سيكون ولا شك افتراقا غير حضاري، ومن هنا كل الأزمات تبدأ بعد ذلك.

اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
--------------------------
بقلم : حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي





اعلان