تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدين عند وصوله أمس الأربعاء 13 يوليو 2022 إلى مطار بن جوريون عن صهيونيته و الصهاينة غير اليهود لاجديد فيه ولا يدعو للدهشة أو الصدمة .. بل هو يستدعى أيضا الإشارة إلى العرب الصهاينة من غير معتنقي الديانة اليهودية وبينهم العديد من الحكام رؤساء وملوك وأمراء مسلمون . وكذا جماعات وحركات إسلامية وقومية ويسارية تستوعب كل اليهود لصالح الصهيونية وإسرائيل، وبما في ذلك دعاة ومعتنقي تغليب الأبعاد الدينية للصراع بوصفه ( يهوديا / إسلاميا). , وبالطبع هناك ايضا صهاينة بين المسيحيين في العالم وفي منطقتنا العربية بما في ذلك جماعات وكنائس وقادة سياسيين ودينيين .
فالصهيوني ـ وبيننا أيضا كمسلمين ومسيحيين وعربا ـ هو كل من يعتقد بالمقولات الأيديولوجية العنصرية للصهيونية ويتقبلها .. وجوهرها يتلخص في القبول والاعتراف بأن ـ لأي يهودي " الحق " في الهجرة إلى أرض فلسطين المحتلة وبأن اليهودية قومية ولليهود دولة ـ وبأن " إسرائيل " هي الوطن القومي لليهود . ـ وبأن إسرائيل من "حقها" أن تدعى تمثيل كل يهود العالم على اختلاف جنسياتهم وقومياتهم المتعددة ومنشأ كل منهم . ـ وبأن لإسرائيل "حقوق التمثيل والولاية على اليهود في بلادنا العربية والمشاركة في رعاية المعابد والكنس اليهودية عندنا .. وللأسف منذ نهاية السبعينيات هناك شواهد عدة على موافقة حكومات وسلطات مصر والمغرب على ممارسة السلطات الإسرائيلية الصهيونية هذه الولاية عندنا وأسألوا كل من وقع اتفاق صلح مع الصهاينة أو حافظ عليه وقام بتطويره وصولا الى "منتدى النقب" الذي اصبح بمثابة منظمة اقليمية موازية للجامعة العربية تم الإعلان عن بنائها المؤسسي منذ اسابيع معدودة فقط ( ويا ريت مانضحكش على نفسنا ونلوش بكلام عن "ناتو عربي أو شرقي أوسطي" وعن رفضه بالكلام .. والشركاء في التحالف الاقليمي المسمى بمنتدى النقب هم الى جانب تل أبيب وواشنطن: حكام وحكومات كل من مصر والإمارات والبحرين والمغرب .
.. وطبعا معروف ان هناك يهودا ليسوا صهاينة بل معادين ومناهضين للصهيونية .. سواء أكانوا من مواطني الدول العربية كاليساريين المصريين الراحلين : يوسف درويش و شحاته هارون وأحمد صادق سعد والأخير صاحب الكتاب المهم " فلسطين بين مخالب الاستعمار" الصادر عام 1946.
والمعروف أيضا أن هناك يهود داخل الولايات المتحدة و" إسرائيل " غير صهاينة ومناهضين للصهيونية ولا يعترفون بمقولاتها العنصرية كاعضاء جماعة " ناطوري كارتا " وغيرها .
...
ومنذ عشرين سنة نشرت في مقدمة كتابي " رهان المليون السابع : اليهود والهجرة الصهيونية 2020" الصادر من القاهرة ـ واستنادا الى حربالمصطلحات التي عايشتها قبلها خلال عملي بقسم الشئون العربية بجريدة الأهرام وعلاقاته وتفاعلاته مع الديسك المركزي ومكتب رئيس التحرير ـ هذه الفقرات :
" هكذا جاء الانقلاب الديموغرافي الصهيوني علي حساب فلسطين سريعاً وحاداً ، لكنه مزعزع . ويراوح الانقلاب المستمر صعودا وهبوطا ، و دون بلوغ حسم مصيره بين حد الاستيطان الاستئصالي للأمريكتين واستراليا.. والحد الآخر لاستيطان جنوب أفريقيا و الجزائر.
لم يكن ما سبق إلا مقدمة لحديث عن التاريخ والجغرافيا والسياسة.. وإن كان تاريخاً حديثاً وراهناً ، و كانت هذه الجغرافيا سياسية وسكانية سريعة التقلب .وكلاهما ـ التاريخ والجغرافيا ـ لا يزالان دون بلوغ نهاية الشوط.
ولذا..فإن حديث السياسة المنزوعة من سياقاتها التاريخية والجغرافية ـ و المقصود الحديث عن "تسوية تاريخية" أو "اتفاقات سلام" تنهي الصراع ـ يبدو أمراً بالغ البؤس وممعناً في السطحية والخداع ، خصوصا إذا تجاهل الأبعاد الديموغرافية والأيديولوجية الصهيونية.
وربما كانت فكرة هذا الكتاب قد ولدت في اللاوعي عندما تجسد أمامي ـ خلال تغطيات صحفية وندوات أكاديمية وفي لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين وعرب وبفضل آليات الرقابة في المؤسسات الإعلامية ـ جدار الصمت وهو يرتفع حول التاريخ الحي والجغرافيا الحية.. و إجمالاً حول البشر الأحياء في واقعهم ومصائرهم ..وحول العقل ، فيحجب الحقائق والوقائع ، ويفرض الرؤى الجزئية، ويهدر أبعادا أساسية، وحتى تتعذر أية نظرة شاملة. وهكذا كان إخفاء كلمة "الصهيونية" مطلوبا على مدي ربع قرن، وفي محاولة دءوبة للفصل بين حاضر "تسوية النزاع" وبين تاريخ و أبعاد "الصراع".
أليس لوناً من "العمي" بالغ الغرابة أن تسمح حكومات عربية في الأمم المتحدة عام 1991 بإلغاء قرار الجمعية العامة وصم الصهيونية بالعنصرية، و تظل توعز إلى "قادة قطيع العميان" في بلادها بمهمة الفصل المطلوب بين الصهيونية وبين إسرائيل ، وبالتالي "تحرير" شعوبها من الماضي الحي، بينما كان قادة إسرائيل والمعول عليهم إنجاز التسوية التاريخية لا يتخلون أبدا عن إعلان الولاء و الالتزام بالصهيونية عقيدة وممارسة، كما فعل "ايهود باراك" لدي تشكيل حكومة "الرهان العربي علي قرب التسوية" في مايو 1999.!"
" .. الصهيونية لم ترحل ..تحتل أرضا وتمتلك القوة والتحالفات الدولية ..كما توجه إرادات..والأخطر أنها تحتل عقولا وضمائر حتى بين صفوف ضحاياها العرب ، لكنها في الآن نفسه تواجه أسئلة صعبة بشأن مستقبل إسرائيل وهويتها "اليهودية " و واجهتها " الديمقراطية " .
لعل سنوات وسنوات من "تغييب" حقيقة و أبعاد الصهيونية في مصر والعالم العربي قد اقتربت من نهايتها . أما هذا الكتاب فيطمح إلى المساهمة في إعادة الكشف عن الصهيونية من جديد .. واستنادا إلى وقائع الحاضر والمستقبل لا الماضي وحده.. وإلي قراءة المصادر الإسرائيلية ذاتها .".
.. وتماما ينطبق الحال على العديد من حكامنا العرب قول بايدن كما هي ترجمة عنوان رابط تغطية صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية :" لست في حاجة لأن تكون يهوديا كي تكون صهيونيا ".
-----------------------
بقلم: كارم يحيى