28 - 03 - 2024

نادر نورالدين في حوار خاص لـ"المشهد": سد النهضة لن يتسبب في تعطيش مصر

نادر نورالدين في حوار خاص لـ

- السد سيؤثر على القطاع الزراعي إذا لم نقم بالتخزين .. وإذا استمرت الفيضانات العالية ربما لانشعر بملئه
- أتمنى أن تشرك مصر علماءها في الحوار الوطني وأن يقدم الجميع اقتراحاته لتحسين الإقتصاد والصناعة والزراعة
- عقد قمة المناخ في مصر يعني أنه يتم إعطاء بلادنا مكانة دولية معتبرة وسط الدول الكبرى
- يمكننا تحقيق اكتفاء ذاتي في زيت الذره الصفراء وزيوت الطعام ، وعباد الشمس وفول الصويا ونحتاج إعاده هيكلة السياسة الزراعية
- القمح المنتج بالتحور الوراثي ممنوع دولياً و لا ينبغي على مصر زراعته كغذاء ويجب استضافة العلماء في الحوار الوطني
- مصر دولة مؤهلة لكي تكون من أكبر دول العالم المنتجة للأسمدة بدلا من تصدير الغاز والكهرباء إلى الخارج

تحدث الدكتور نادر نور الدين ، أستاذ الأراضي والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة، والخبير بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، في حوار خاص "للمشهد" عن خطورة "القمح المنتج بالتحور الوراثي" وليس بالطرق الطبيعية ، وعن حقيقة تأثر مصر بملء المرحلة الثالثة من سد النهضة، وتأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي العالمي ، نور الدين شغل أيضا منصب مستشار وزير التموين الأسبق، وهو خبير ببورصات الغذاء والحبوب العالمية، لذا فإن الحوار معه شمل جوانب عديدة.

* هل من الممكن أن تسمح مصر باستخدام القمح المحور وراثياً، رغم منعه في جميع دول العالم وهل ذلك يجعل المصريين فئران تجارب بينما رفضت دول إفريقيا الفقيرة قبول معونات من القمح المنتج بالتعديل الوراثي!؟ 

 -  بكل أسف جاء بيان منظمة الأغذية المحورة وراثياً، عن أن القمح الجديد الذي اعلنت عنه هيئة الطاقة الذرية هو قمح منتج بالتحور الوراثي وليس بالطرق الطبيعية، والمشكلة هنا تتمثل في الكذب وعدم الشفافية في الإعلان، خاصةً وان هذا القمح ممنوع استخدامه في انتاج المخبوزات والمكرونة على مستوي العالم. 

حتى الان لم تعلن الدولة عن زراعة هذا الصنف من القمح، أو استخدامه في انتاج الخبز والمخبوزات، بل أعلنت عن انتاجه فقط كتقاوي، فهو مازال تحت التجارب. 

قطعا لا ينبغي على مصر زراعة القمح المنتج بالتحور الوراثي كغذاء ويجب إجراء كل تجارب الأمان اللازمة، ومنع استخدامه في إنتاج المخبوزات ومختلف أصناف الطعام، وأن يقتصر استخدامه على إنتاج النشا المستخدم لزيوت السيارات أو في انتاج الوقود، ولكن ليس في انتاج الغذاء.

* هل مصر لديها خطط للاكتفاء الذاتي من القمح ؟ 

- من الصعب ويكاد يكون من المستحيل ان تكتفي مصر ذاتياً من القمح خاصةً وأننا نستورد حالياً نحو 13 مليون طن وننتج حوالي من 7 الي 8 مليون طن 

والدولة إذا أرادت أن تقوم برفع انتاج القمح الى الضعف لنصل الى 13 مليون طن،  يجب عليها أن تقوم بتوفير مساحات كبيرة من الأراضي وكميات كبيرة من المياه وهذا لا يتوافر في الوقت الراهن، لكن الدولة وعدت انه من خلال مشروع "الدلتا الجديد" على مدار خمس سنوات ستقوم باستصلاح 2 ونصف مليون فدان، بحيث يتم كل عام زراعة نصف مليون فدان من القمح ، وإذا تم زراعة نصف مليون فدان بالقمح من خلال مشروع الدلتا الجديد، فبعد خمس سنوات من الممكن أن نكون قد أنتجنا 7 مليون ونصف مليون طن إضافياً، و بالتالي نستطيع أن نعمل على تقليل واردتنا من القمح بنسبة 50% خاصةً وأن مصر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، بمعدل 13 مليون طن كل عام.

* هل مصر لديها اكتفاء ذاتي من الأسمدة؟ 

- بالفعل مصر لديها اكتفاء ذاتي من الأسمدة، وأهم أنواع تلك الأسمدة هي "النيتروجينية" التي تعتبر السماد الرئيسي للنباتات، ومصر مكتفيه ذاتياً بها وتنتج نحو ما يقرب من 20 مليون طن، نستهلك نصفها داخل مصر، ونصدر النصف الأخر لكل دول العالم بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتمد على الأمونيا السائلة ثم الدول العربية والأفريقية، ويقدر ذلك بحوالي 10 مليون طن

ونستطيع أن نكون دولة رائدة في تصدير الأسمدة لجميع الدول الأفريقية خاصةً بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، وذلك لأن روسيا تقوم بتصدير حوالي 15% من الأسمدة النيتروجينية و17% من الأسمدة البوتاسية. والرئيس السنغالي حينما ذهب الى موسكو أول شيء تحدث فيه مع الرئيس الروسي بوتين، هو أهمية إعادة تصدير الأسمدة إلى إفريقيا، لأن عدم وجودها تسبب في تقليل الإنتاجية إلى النصف".  

ومصر مهيأة لإنشاء عدد كبير من مصانع الأسمدة نستطيع بها أن نغزو العالم، ونكون من الدول الكبرى المنتجة والمصدرة لها، خاصةً بعد توافر الغاز الطبيعي لدينا، فبدلاً من تصدير الغاز الطبيعي والكهرباء التي حققنا منها وفرة كبيره إلى خارج البلاد من الممكن استخدامهما في تصنيع الأسمدة، وبالتالي تستطيع مصر ان تكون أكبر دولة مصدرة للأسمدة في الشرق الأوسط ، وأطالب القيادة السياسية أخذ حديثي هذا في الاعتبار، وأن يعلموا جيداً أن مصر دولة مؤهلة لكي تكون من أكبر دول العالم المنتجة للأسمدة.  

* هل الحرب الروسية الأوكرانية أثرت فعليا على الأمن الغذائي العالمي؟ وعلى مصر؟

- بالطبع أثرت وستؤثر على الأمن الغذائي العالمي، وذلك لأن روسيا وأوكرانيا تقومان بتصدير نحو ثلث غذاء العالم (34% من صادرات القمح ، 37% من صادرات الشعير، 17% من صادرات الذرة الصفراء التي تصنع منها الأعلاف، والتي تتحكم ايضاً في أسعار الدواجن واللحوم والبيض والزبدة والجلود وغيرها)

كما تصدر روسيا وأوكرانيا نحو 73% من زيوت عباد الشمس، 50% منها من أوكرانيا، بالإضافة الى قيام روسيا بتصدير حوالي 15% من الأسمدة النيتروجينية الأساسية للنباتات،و17% من أسمدة البوتاسيوم ، و40% من الغاز الطبيعي الى دول أوروبا، وهذا يعني ان روسيا وأوكرانيا تسيطران على 20% من أجمالي صادرات الغاز على مستوى العالم، وهذا الغاز يتم استخدامه في تصنيع الأسمدة والمبيدات وغيرها، وبالتالي أثر ذلك بشدة على الاقتصاد العالمي.

وواردات مصر ارتفعت بما يوازى نحو خمسة مليارات دولا إضافية ، وذلك بسبب ارتفاع الاسعار فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار القمح بنسبة أكبر من 65% وأسعار الزيوت بنسبة 100 % وأسعار الذرة الصفراء بنسبة قد تصل الى 100% وبالتالي ترتب على ذلك ارتفاع أسعار جميع السلع سواء بسبب ارتفاع أسعار البترول، أو بسبب حجب ثلث إنتاج صادرات الغذاء العالمي من قبل روسيا وأوكرانيا 

والأمم المتحدة تقدر الآن أن العالم قد يتكبد نحو 1.8 تريليون دولار زيادة في واردات الأغذية بسبب الأزمة الأوكرانية، وبالتالي ستتأثر مصر كثيراً ، خاصةً وأننا كنا نستورد من المحور الروسي الأوكراني 80% من قمحنا، وايضاً من الذرة الصفراء، وزيوت الطعام ، وهناك ضرورة للعمل على تحقيق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي من الذرة الصفراء وعباد الشمس ، خاصة وان تلك المحاصيل صيفية ، وضرورة تخصيص مساحات تزرع صيفا بالذرة الصفراء، وعباد الشمس، وفول الصويا، وبالعدس في فصل الشتاء، وبالتالي نستطيع توفير نصف فاتورة الاستيراد التي نتكلفتها وتزيد أعباءها كل عام ، بسبب الأزمات التي يمر بها العالم سواء من ارتفاع أسعار البترول أو ضربات الجفاف والقحط أو حرائق الغابات التي تحدث في بعض الدول والتي كان اخرها حرق الغابات الروسية عام 2011، مصر تستطيع تجنب آثار تلك الكوارث إذا استطاعت توفير قدر كبير من المياه من خلال ترشيد الاستهلاك أو تبطين الترع أو تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه المخلفات، وذلك لزراعة مساحات جديدة بالمحاصيل الاستراتيجية. 

* كيف ترى ترؤس مصر قمة المناخ في الفترة المقبلة؟ وكيف نستغل عقد هذا المؤتمر في شرم الشيخ لصالحنا؟ 

- تغيرات المناخ أصبحت قضية عالمية منذ أن حصل آل جور وشركاؤه على جائزه نوبل للسلام بتقريرهم الصادر عن تغيرات المناخ عام 2007، والتي كان قبلها ايضاً قمة الأرض، وقمة اليونيجيرنو، فجميعها اهتم بالاحتباس الحراري، وارتفاع حرارة كوكب الأرض، والعام الماضي تم عقد القمة  في مدينة غلاسكو التي تعتبر واحدة من أكبر مدن اسكتلندا بإنجلترا، وقبل ذلك عقدت في باريس، وبالتالي حينما يتم عقدها في مصر فهذا يعني أنه يتم إعطاء مصر مكانه دولية في وسط الدول الكبرى، فتم اختيارها بعد انجلترا وفرنسا، والأرجنتين والبرازيل الخ.... لذلك تعتبر قمة المناخ تكريماً لمصر.

 تغيرات المناخ أو الاحتباس الحراري سببها أن الدول الصناعية تطلق كميات كبيرة من غاز ثاني اكسيد الكربون، وغاز أكاسيد النيتروجين، واكسيد غاز الميثان، وغازات التبريد التي تستخدم في أجهزة تبريد التكييف، والثلاجات، والديب فريزر وخلافه، كل ذلك يتراكم في طبقات الجو العليا فيتسبب في منع تبدد الحرارة الناتجة من كوكب الأرض وذلك يؤثر على تنفس الإنسان والنبات والحيوان. كما أن الميكروبات الموجودة داخل التربة تمنع خروج هذه الحرارة الى الفضاء الخارجي وذلك نتيجة تراكم الغازات في طبقات الجو العليا فتقوم بعكسها مرة أخرى الى داخل كوكب الأرض، ومن هنا جاء مسمى "الاحتباس الحراري"، ومن المفترض ان تقوم مصر بعرض خططها في مجابهة تغيرات المناخ سواء التكيف معها أو التصدي لها ، ونظراً لتلك الاستعدادات يتم حالياً عمل رفع مستوى شواطئ مصرية حتى تمنع غرق بعض اراضي الدلتا والساحل الشمالي في حالة ارتفاع مياه البحر.

والتكيف مع تغيرات المناخ يحتاج الى محاصيل جديدة وبالتالي هذا النوع من التكيف يحتاج الى الصرف على البحث العلمي الزراعي لإنتاج أصناف جديدة مقاومة للحرارة والجفاف والعطش وفي نفس الوقت تعطي محصولا أكثر بمياه أقل.  

ومن أثار تغيرات المناخ في مجال صحة الانسان، انتشار الأمراض والملاريا والناموس، وبعض أمراض الحيوانات مثل اللسان الأزرق وغيره ، بجانب تأثيرها على الهجرة ، حيث تجف الأراضي وتتصحر ويهجرها سكانها الى المناطق المجاورة أو إلى دول أخرى على نحو مايحدث في الهجرة الى أوروبا، وتأثيرها ايضاً على السياحة بسبب الاحترار العالمي والبحث عن أماكن اقل فى درجة الحرارة ، وبعدما كانت التغيرات المناخية توضع تحت بند التوقعات أصبحت الان يقيناً، والدليل على ذلك ارتفاع درجة حرارة منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بنسبة تصل الى 3 ونصف درجة كما جاء في التقرير الاخير لمنظمة الحكومة الدولية لتغيرات المناخ.

* تؤكد الأمم المتحدة في تقاريرها أن هناك نحو مليون نوع كائن حي مهدد بالانقراض نتيجة تغيير المناخ، فما حقيقة ذلك!؟

- بالفعل هناك كائنات حية مهددة بالانقراض ، فأحد تداعيات تغيرات المناخ تقليل التنوع الحيوي، وهناك تقرير صدر من منظمة الأغذية والزراعة يذكر أن أكثر من 70 مليون كائن حي اختفى من الكون مثل الحشرات وديدان الأرض وغيرها، وتلك الحيوانات كانت لها فوائد كثيره من ناحية ارتفاع مسام الأرض والتنفس ، وتغيرات المناخ أثرت ايضاً على مساحات كبيرة من الغابات وأصبحت تلك الغابات خالية من التنوع الحيوي، فبالتالي تغيرات المناخ ستؤثر على تنوع "التوازن" والتنوع "الحيوي".

وهناك ضرورة لمنع ازالة الغابات خاصةً بعدما قامت "الأمم المتحدة والفاو" بإصدار تقرير يطالب بزراعة شجرتين في حالة إزالة شجرة، والمنظمة حذرت مما تقوم به بعض الدول من ازالة الغابات لاستغلالها اقتصادياً مثل البرازيل واندونيسيا، لذلك إذا ارادنا تصنيع اخشاب يجب زراعة غابات جديدة بدلاً من اقتلاع الغابات القديمة. 

* هل مصر ستمر بأزمة حقيقة مع بدء الملء الثالث لسد النهضة؟

- الملء الثالث لسد النهضة حتي الآن يعتبر ضبابيا، وعلى الرغم أنه تبقت أيام قليلة على أول شهر يوليو الذى سيتم فيه بدء الملء، إلا أن اثيوبيا لم تعلن رسمياً حتى الأن الحجم المتوقع تخزينه من المياه. أديس أبابا سربت بشكل غير مباشر غبر صحفيين إثيوبيين أنها تعتزم تخزين 10 مليار متر مكعب هذه المرة، وإذا تم ذلك سيقل منسوب مياه النيل الأزرق بمقدار 10 مليار متر مكعب، وسيتم خصم مايخزن من حصة مصر والسودان بمعنى خصم 5 مليارات متر مكعب من مصر، وكمية مماثلة من السودان.

وأعتقد أن خصم 5 مليار متر مكعب من حصة مصر لن يؤثر علينا كثيراً، رغم أنها تغطي ري مليون فدان، لكن نحن نستطيع تخطي تلك الأزمة من خلال عملية تبطين الترع التي نقوم بها حالياً، اضافةً الى ذلك معالجة مياه المخلفات التى  ستوفر لمصر نحو 10 مليار متر مكعب، و بالتالي نكون مستعدين للملء الثالث قبل أن يبدأ. وما نقوم به ليس معناه ان تفرض اثيوبيا إرادتها على مصر وان تفرض سياسة الأمر الواقع، على العكس ينبغي ان نتوافق على حجم الملء بما لا يضر بحصة مصر أو السودان.

ولا أعتقد ان اثيوبيا تستطيع هذا العام تخزين 10 مليار متر مكعب ، لأن "الحاجز الأوسط" الذي يعترض مجرى مياه النيل الأزرق يسير ببطء، ومن المفترض أن يرتفع بمقدار 20 مترا طوليا ليحجز هذه الكمية، وحتى الأن لم يرتفع إلا بمقدار 6 امتار، وتبقي أسبوعان فقط على الملء، وإثيوبيا لن تتمكن من إتمام ارتفاع الحاجز الأوسط على النحو الذي تريد، فبعد بداية موسم الأمطار من الصعب "صب" أي اسمنت في ظل أمطار غزيرة أثناء موسم الفيضان (يوليو وأغسطس) وبالتالي قد لا تخزن أكثر من 5 أو 6 مليارات هذا العام، لذلك سننتظر حتى يوليو وأغسطس لنرى ماذا يحدث، فإثيوبيا تركز الآن على تشغيل التوربين الثاني المنخفض، بعد تشغيل التوربين الأول منذ شهر تقريباً، وبالتالي هم مهتمون بذلك اكثر من اهتمامهم بالملء الثالث للسد.

* هناك من يتخوف من أن مصر ستعطش بسبب سد النهضة فما ردك على ذلك؟

-  لا أعتقد أن مصر ستعطش بسبب سد النهضة، ولا أنكر أن المخزون سيكون كبيرا أمام السد ويقدر بحوالي 75 مليارمتر مكعب، لكن سيتم ذلك على مدار 10 سنوات، بمعني انه سيكون بمعدل من 7 ونصف مليار الي 10 مليارمتر مكعب كل عام ، وهذا يعني أننا سنفقد كل عام 10 مليارات متر مكعب من حجم المياه التي تعودنا على وصولها إلينا من النيل الأزرق، خمسة منها تخصم من مصر، و 5 مليارات تخصم من السودان.

وإذا جاءت فيضانات غزيرة تستطيع مصر أن تخزن كميات كبيرة في بحيرة السد العالي ، وذلك لأننا نعيش في العام الخامس للفيضانات المرتفعة والسنوات السمان، فإذا اكتملت سبع سنوات من الفيضانات الغزيرة يتبقى عامان بعدهما من المفترض ان تبدأ اثيوبيا توليد الكهرباء، وهذا يعني أنه سيتم تصريف المياه الى التربينات لإدارتها، ومنها إلى مصر والسودان، وهذا يعني ان المياه ستعود إلينا مرة أخرى. 

المشكلة الأساسية تتمثل في الـ 75 مليار متر مكعب التي سيتم تخزينها في بحيرة السد الأثيوبي، فمصر ستتأثر أثناء فترة التخزين فقط، اما بعده سيكون التبخر فقط من البحيرة وبعض الأمور الأخرى، لذلك لا أعتقد ان سيتم تعطيش مصر، لأن مياه الشرب مصانة ومضمونة في كل الأحوال ، فنحن نستهلك 10 مليار متر مكعب فقط في مياه الشرب، والمحليات اذا كانت المدارس والمستشفيات والجامعات والمباني الحكومية الخ.. 

الذي سيمس ويتأثر بذلك السد هو مياه الزراعة التي تستهلك حوالي 62 ونصف مليار متر مكعب، وأي نقص من المياه سيكون خصما من قطاع الزراعة وليس من القطاع المنزلي أو الصناعي ، لأنه حتى الصناعة تستهلك 2.5 مليار متر مكعب فقط وبالتالي لا نستطيع ان نسحب منها شيئا ، لكن السحب كله سيكون من القطاع الزراعي، لكن إذا كان لدينا مخزون مطمئن في بحيرة السد العالي من سبع سنوات سمان للفيضانات العالية، قد لا نشعر بنقص المياه التي سيتم حجزها وراء السد الاثيوبي، ولكن ينبغي أن يكون هناك اتفاق مع اثيوبيا على وضع نظام للتخزين والتشغيل، بحيث لاتقوم أثيوبيا في سنوات الجفاف بحجز كمية كبيرة من المياه، وتمنع مرورها لمصر والسودان. 

* كيف تري الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي!؟ 

- الحوار الوطني خطوة هامة جداً لجمع صفوف فئات الشعب تحت جناح الدولة، ولا يكون هناك تخوين لأحد، وان يكون الجميع مهموماً بالصالح العام لمصروبالتالي تلتقي كافة الفئات تحت مظلة الدولة

يجب علينا ان نتعلم من درس الرئيس الراحل محمد أنور السادات عندما شكل لجنة طابا، التى كانت تضم حزب الوفد والتجمع وجميع أحزاب المعارضة، وبالتالي نأمل أن تتوحد الأصوات في مختلف الصفوف، وان تكون هناك معارضة وطنية تشير الى الخطاً وتأخذه الحكومة فى الاعتبار، لأن إذا لم يكن هناك من يشير الى أخطاء، فكيف تعلم الحكومة والوزارات التنفيذية بالأخطاء التي تقع فيها ما لم يكن هناك نقد موضوعي علمي وطني خالص". 

نأمل أن نرى صفحات الرأي تتسع لآراء المعارضة، وأن يقدم الجميع اقتراحاته لتحسين الإقتصاد والصناعة والزراعة، وأن يتم السماح بخروج البخار المحبوس، حتى يستطيع الجميع التنفس وإبداء آرائهم بحرية دون أي خطورة عليهم، وبالتالي ندخل الى عصر وعهد جديد لا تنتقدنا فيه الدول الأوروبية من خلال منظمات حقوق الإنسان، أو انتهاك لحرية الرأي او كافة حقوق الإنسان المنصوص عليها في قوانين الأمم المتحدة ، لذلك أتمنى أن يكون الحوار الوطني مثمرا ويصل الى نتائج في تطوير الزراعة والصناعة والتعدين والتصدير وكل مجالات الحياة ، حتى نصل الى مصر جديدة حديثة تستطيع منافسة جميع دول العالم 

* ماذا تتمني أن يتحقق أثناء الحوار الوطني في مجال الزراعة؟ 

- آمل ان تكون هناك دعوة للعلماء ليدلوا برأيهم في التعامل مع أزمة الفقر المائي في مصر، والتعامل مع أزمة الأمن الغذائي وإنعدامه وتقليل واردتنا من مختلف أنواع الغذاء فنحن نستورد حوالى 65% من غذائنا ، نحن أكبر دولة مستورده للقمح بنحو  13 مليون طن سنوياً ، ورابع أكبر دولة مستوردة للذرة الصفراء بحوالى 11مليون طن، وأكبر خامس دولة مستوردة لزيوت الطعام بحوالى 3 مليون طن، والفول بنسبه 80% والعدس 100% والزبده الصفراء واللحوم الحمراء بنسبة 60% ونحن نحتاج الى خطة لتحسين الأمن الغذائي وإعاده هيكلة الزراعة المصرية وزراعة المحاصيل الاستراتيجية بشكل أكبر". نحن نستطيع عمل اكتفاء ذاتي في زيت الذره الصفراء وزيوت الطعام ، وعباد الشمس وفول الصويا، وذلك من خلال زراعتها في الموسم الصيفي والأراضي الزراعية تسمح بذلك ، نحتاج إلى مليون فدان فى أي منطقة إستصلاح جديدة، وليكن في الدلتا الجديدة أو في ترعة السلام في شمال سيناء، والفول يحتاج الى نحو نصف مليون فدان أو أكثر قليلاً وبنجر السكر يمكن أن يوفر نحو 20% زيادة في انتاج السكر ، ونستطيع ان نزرع البنجر في أراضي الاستصلاح، لأنه يتحمل الظروف غير المناسبة من الملوحة ونشع مياه البحر ، كل هذه المقترحات نستطيع من خلالها ان ننمي إنتاجنا الزراعي، وأهم شيء العمل على إعاده هيكلة السياسة الزراعية المصرية ، وتوضيح كيفية اعادة الزراعة لتكون مهنة رابحة فيربح منها المزارع، ويحافظ على أرضه ولا يفرط فيها ولا يبني عليها ولا يبيعها لبناء المصانع او العمارات عليها، وكذلك علي المزارع ان يعلم ايضاً ان الماء رأس مال يجب ان يتم المحافظة عليه لأن بدون الماء لا توجد زراعة ، فيجب ان يرتفع الوعي لدى المزارعين بأهمية كل قطرة ماء وكيفية انتاج اعلى كمية محصول من خلال ذلك الماء، ونعمل أيضاً على التقليل من اهداره، فتحلية المياه مكلفة للغاية وعلينا ان نحافظ على نعمة مياه نهر النيل وكل المياه المتاحة في مصر، وإعادة استخدام كل قطرة مياه. 

وبالتالي نتمنى أن يقدم علماء مصر أوراقاً متنوعة عن إعادة هيكلة السياسة الزراعية لإنتاج المزيد من الغذاء، وتقليل الفجوة الغذائية والفجوه المائية، وأن تستمع الدولة إلى مقترحات العلماء، لأن العلم والعلماء دائما هم قاطره التقدم، وبالعلم وحده نتقدم ونتمنى ان تاخذ الدولة بالعلم وتأخذ برأي العلماء في كافة المجالات.
---------------------------------
حوار- بسمة رمضان
من المشهد الأسبوعية 







اعلان