29 - 03 - 2024

30 يونيه نصر بكل "ولكن"

 30 يونيه نصر بكل

ماذا لو عاد الزمان للوراء تسع سنوات، وبلد يموج برفض جماعة تتسيد السلطة ولا تسمع لأحد، وشارع محتقن وغاضب، وقوى تحتشد وميادين سيفتك بعضها ببعض، ودماء تسيل وأرواح تزهق بيد مؤيد ضد معارض، وحرائق تشتعل ومواجهات تزيد الصيف لهيبا، وأمن وأمان غابا ودولة لا أثر لوجودها، وشعب يطالب برحيل رئيس وجماعته، ورئيس يتمسك بشرعية ساقطة قبل أن تكون زائفة.

أمتار تفصل بين اشتباكات مسلحة، وأجراس تدق منبهة لعقارب ساعة تقترب من لحظة الدخول في حرب أهلية، وجماعة تتمسك بكرسي سلطة؛ بعد اشتياق طال؛ ترى دونه الموت، لقد تحقق الحلم والهدف الذي سعى له أعضاؤها لعقود طوال، حلم دنا وبشرى بسبق وصول بعض فروعها في غير البلد الأم للحكم.

فمنذ ثلاثينيات القرن العشرين، خرجت من مصر للعالم فكرة "التنظيم الإسلامي السياسي" على يد حسن البنا الذي لم يكتف بتنظيم محلي، وتوسع لإنشاء فروع لجماعته بالمنطقة والمحيط الإسلامي القريب والبعيد، وفي النصف الثاني من القرن نفسه كانت أفكار "سيد قطب" التكفيرية الأساس الفكري لجل جماعات الجهاد حول العالم.

زرع البنا البذرة، وجاء قطب يؤصلها ويجهر بها؛ كانت سرية رؤية وتطبيقا في "النظام الخاص"، أحد أفرع الجماعة الأساسية، وجهازها السري المسلح، الذي أنشأه البنا ليكون أداته للوصول لحكم ودولة وخلافة تتسيد العالم، نظام لازم النشأة الأولى للجماعة، وسيطر رجاله وقادوا نشأتها الثانية في سبعينيات القرن الماضي، فلم يكن أبو المكفرين "أبو الأعلى المودودي"؛ الذي يقال إن قطب تأثر به إلا تلميذا متأثرا ومكملا لمسيرة البنا ومنهجه هذا.

أخذت الأفكار تفرخ جماعات وراء أخرى، كلها تتبنى ما ادعى الإخوان أنهم يخاصمونه، ويطرحون أنفسهم بديلا سلميا، اقتنصوا كل الفرص واستخدموا كل الوسائل؛ بما فيها الصندوق والبرلمان للوصول للسلطة، دون التخلي عن الأفكار العنيفة ولا الرؤية الرافضة المكفرة للحكام والمجتمع.

مصر التي في غفلة من النظم الحاكمة أو برغبة بعضها في الاستغلال؛ نشأت ونمت فيها جماعة الإخوان، وعلى مدار ثمانين عاما كانت المعادلة ثنائية بين الجماعة والحكومات المتعاقبة، علاقة تتأرجح بين تفاهم وتنسيق أو مواجهة وملاحقة، حتى باتت الجماعة رديف النظام ونصفه الأخر، معا يقتسمون المجتمع، معا يتصارعون على السيطرة والنفوذ، يتراجع أحدهم فيحتل الأخر مكانه، تنسحب الدولة فتملأ الجماعة الفراغ.

عندما سقط أحد طرفي المعادلة، تنحى مبارك كانت الجماعة البديل الوحيد الجاهز، صاروا أغلبية البرلمان، وتولى مرشحهم الرئاسة؛ لتكون هذه أكبر انتكاسات ثورة 25 يناير، الذي جاء حكم الجماعة ضد كل أهدافها من حرية وعدالة ودولة مواطنة ومساواة.

عام واحد كان كفيلا ليظهر وجه الإخوان الذي لم يعرفه إلا من اقترب واحترق أو اقترب واندمج أو ابتعد، انكشفت الأفكار الباطنية من انعزال واستعلاء ورفض الأخر وتكفيره، من انتماء للتنظيم وغياب لفقه الوطن والمواطنة، وتقديم العشيرة ممن يمنحون عقولهم راحة ورؤيتهم النقدية إجازة، ويسلمون للمرشد سمعا وطاعة دون نقاش أو رد.

انطلقت الصيحة بالميادين وتجدد الهتاف "ارحل"؛ وعلا الصوت "يسقط؛ يسقط حكم المرشد" يسقط بكل ما فيه من تعالي واستبعاد واحتكار للحقيقة وللدين وللسلطة، يسقط بكل ما يحمل من عقيدة مغلوطة وأفكار ملوثة تتخذ من الصراع فقها وبنية فكرية حاكمة، يسقط بجهله وفشله وسوء إدارته.

في 30 يونيه كسر الشعب المعادلة الثنائية، دخل طرفا فاعلا وخرج مطالبا بإسقاط الإخوان فكرا ورؤية وحكما وإدارة، خرج يسترد وطنه ممن خطفه، ويكمل مسيرته في إسقاط الوجه الأخر من نظام ما قبل ثورة يناير الذي اقتسمه مبارك والإخوان.

سقطت الجماعة وزاد انكشاف أفكار سيد قطب والمودودي، وبان زيف ادعاءات البنا ومن يتدثرون بالدعوة السلمية العامة، رفع أعضاؤها السلاح؛ شكلوا الخلايا والحركات المسلحة، استهدفوا مصر انتقاما وتكفيرا بعد القضاء على حلمهم الأزلي.

وبعد تسع سنوات من الثورة والسقوط؛ ليس مستغربا أنه لم يتردد على أي نطاق ماذا لو تركنا الإخوان بالحكم؛ واستمر مندوبهم في قصر الرئاسة، فعام من حكمهم جعل الإجابة قطعية ومحسومة، ويقف العقل والضمير السوي حائلا بين مجرد طرحه.

لم يترحم أحد على أيام مرسي وحكم الإخوان، بل لا يزال الخوف من عودتهم يقف حائلا لأي حراك، ومعطلا للسعي لمطالب أساسية وحقوق وحريات واجبة، ورغم ما مر من عثرات وخنق للسياسة واستبعاد للشركاء وعودة لسيطرة الأجهزة، وحتى مع تهديدات أمن مصر القومي وجزرها وحدودها، وكل ما يمكن أن يقال في هذا وذاك، يبقى الإخوان رجسا وعودتهم من الكبائر.

نعم لو امتد اصطفاف ومسار يونيه على استقامته، لم تكن هذه نتائج المقدمات، نعم دفع كثير ثمن مواقفهم الداعمة لنظام يونيه، ورغم ذاك وتلك تبقى 30 يونيه نصرا للشعب ونصرا لمصر الحضارة والدولة.

مصر بلد منشأ الجماعة ومقر مركز إرشادها؛ والذي كان حكمها بمثابة الفتح المبين وبدء التمكين والخلافة، كان السقوط الضربة التي قسمت ظهر الفكرة، قبل أن تكسر التنظيم وتشتته، ويكفي أن تكون مصر محل الميلاد هي مقر الدفن.
----------------------
بقلم: سوزان حرفي

مقالات اخرى للكاتب

حلمي الجزار وهيئة منير وصراع الإخوان.. الشرعية لمن!





اعلان