كلنا شاركنا بطريقة أو بأخرى فى نحرعنق نيرة طالبة المنصورة .. كلنا أمسكنا بالسكين مع يد عادل وطعنناها وذبحناها في الطريق أمام أعين السادة الزملاء الذى لم يتحرك منهم أحد منذ اللحظة الاولى من الاعتداء لينقذوها , ربما تصوروا أنه أخ يؤدب اخته بالضرب نيابة عن الأب أو الزوج أو ربما الخطيب.
يتفاخر بذكورته ليرد إهانة يراها هو وحده إذا ما علا صوت الخطيبة لتدافع به عن كرامتها المهدورة ، فكان العقاب القتل ، ربما رفض الأنثى للذكر يطعنه فى مقتل ولا يتصور حبيب أمه أنه يمكن أن يرفض منذ البداية أو يرفض بعد التجربة ، فتجرح كرامته بعد تخيله أن ذكرا آخر سيتفوق عليه ويحل محله فى مملكته الخاصة فوجب الذبح .. فإما أن تكون لي أو للقبر ، عادى نفس منوال ما تربينا عليه أجيالا بعد أجيال أنه لا طلاق فى العائلات الثرية حفاظا على الكرامة المزعومة ، لأنه إعلان بالفشل ، أو فى العائلات البسيطة للخلاص من فم زائد ، وكلاهما يرى أن المرأة تخرج من بيت أبيها لبيت زوجها ومنه إلى القبر مهما كانت الإساءات والاعتداءات والخيانة أو حتى الشذوذ فى الممارسة الزوجية المحرمة شرعا فلا حجة للمرأة وكل التبريرات للرجل!
كلنا شاركنا فى ذبح نيرة .. عندما سمحنا للجهل أن يحتل عقولنا وسمحنا لشيوخ التطرف أن يعتلوا عقولنا وإعلامنا ومناهجنا ونقاباتنا وأن يتحكموا ويحكموا على أفعالنا وأن يجلس القرفصاء رجالنا ونساؤنا المتعلمات أمام شبوخ الجهل وأمراء الإفتاء والفتنة ليوجهونا حسب الأوامر التى يتلقونها ، ليحللوا هذا أو يحرموا ذاك على حسب ريح المصالح "ما تودي" من سياسة واقتصاد موجه ليثرى ذاك أو يفقر هؤلاء ويتحكموا فى حياة الملايين بالجنة والنار!!
شاركنا بذبحها عندما سمحنا للسلفيين أن يدخلوا تحت جلودنا ويفتونا في أكلنا وشربنا وديننا وزواجنا وحتى غرف نومنا ، وليعودوا بنا لأشد الأزمنة انحطاطا فى التاريخ الاسلامى ، ونسوا السنة النبوية وأخلاق الرسول وعفته ورقيه وإنسانيته واحترامه للنساء وعدله مع الأعداء ورحمته التي سبقت عدله أسوة برب العالمين الذى هذبه فأحسن تهذيبه. إنما اخذنا خبث ابى سفيان وكيده وقتل على ابن أبى طالب الخلوق الذى يخشى ربه واستعمال قميص عثمان وزيف الفتنة للوصول إلى الحكم .. نفس القميص استخدموه ليمتطوا أقدس المباديء ويصلوا لأحط الرغبات وصولا لإفساد كل شيء محترم فى حياتنا ، وإحالته إلى خناجر تنحر أعناق الحرائر وتسود وجه المجتمع خزيا وعارا!
شاركنا فى الذبح .. عندما سمحنا بتدريس مناهج فى مدارسنا تحط من قيمة المرأة وتحوصل دورها فى خدمة الرجل ، شاركنا فى الجريمة عندما حملنا النساء أسباب كل الهزائم والإخفاقات فى جميع المواقع منذ هزيمة 1967 ، حتى الانهيار الاقتصادي العالمى اليوم ، فالنساء الكاسيات العاريات هن سبب كل الجرائم.. و لم يعلنوا يوما عن جرم الحكام ولا انتهاكات الرجال فى السلم والحرب ولا من أمرض المناخ أو نشر الأوبئة ولا من استعمر واستعبد البلاد والعباد ، هو فقط ملابس النساء وغوايتهم و عدم تحجبهم .. وتغافلوا أن حتى المنتقبة لم تسلم ، ولا المحارم غضوا بصرهم ، ياللخسة والكيل بمكيالين والانتهازية والنفاق!
إلى اليوم تسمع فى محافل عدة من يرددون هراء أن أكثر أهل النار من النساء! لا أفهم حقيقة تلك الافتراءات ، فقطعا الرسول الكريم ليس مصدر المعلومة مع أنه الوحيد الذي وصل إلى سدرة المنتهى فى السماوات العلى ورأى وحده ما لم يره أحد آخر من البشر!
شاركنا فى الذبح عندما أيدنا بالصمت أو عن تواطؤ كل القوانين المجحفة بحق المرأة ، عندما منعناها من العمل و التعليم فى أزمنة غابرة وسمحنا لأحاديث موضوعة ومختلقة أن تتحكم فى حياة النساء والعبيد ، بألا تعلموا سفهاءكم ونساءكم القراءة والكتابة واتركوهم فى جهل مطبق ثم عايرناهن بتلك النقيصة ، وقلنا أنهن لا يصلحن إلا لفراش المتعة والإنجاب لتخليد الأنساب ، رغما عن كل القيم الشريفة التى جاء بها الدين لإنصاف وإنقاذ النساء ، ولكن موجة الذكورة والجهل وتقاليد وأعراف الأزمنة الرخيصة كانت أقوى من الدين ذاته!
قتلنا نيرة عندما سكتنا عن جرائم الاغتصاب والتحرش وجرائم ما تسمى بالشرف وتخفيف الأحكام على الجناة تشجيعا وتأييدا لتلك الجريمة النكراء حتى وصلنا لزنا المحارم .. وظل المجتمع لعقود يرفض كشف المستور، إنكارا او جبنا عن المواجهة لتستمر الجرائم المحرمة تحصد الأجساد والأرواح حتى وقت قريب ، عندما تدخلت الدولة أخيرا لتحمى الفتيات والنساء!!
وإلى اليوم نسمع نفس الشعار عقب كل جريمة تحدث بوجه النساء ، مثل إيه اللى نزلها من بيتها وإيه اللى وداها هناك ، إلى شوفوا كانت لابسة إيه؟ ووجدوا كل الأعذار للمنفلتة شهواتهم ، ضعفاء الدين والأخلاق والإرادة الذين لم يصلوا لمرتبة كثير من الحيوانات ، التي لا تعرف جريمة الاغتصاب ولا تقترب إلا برضا الأنثى بل إن بعضها يكتفي بأتثى واحدة ويترفع عن معاشرة أمه أو أخته كالذئاب ونحن نطلق على مغتصبى الأعراض وصف الذئاب!!
شاركنا فى القتل .. عندما ترك حكامنا عن عمد ، وعن تفضيل المصالح السياسية الضيقة على مصالح الناس ، كل تيارات الإسلام السياسي ترتع فى شوارعنا ومساجدنا وإعلامنا تبث السم ضد النساء وضد حرية الفكر والعقل وحموهم وساندوهم حتى استداروا وأكلوا نساء مصر وحكامها معا!
أربعون عاما ونحن تحت مقصلة الجهل والوهابية والجماعات المتطرفة وبين مطرقة وسندان الأفكار المجرمة فى حق النساء ، حتى تشبع المجتمع كله برجاله ، وحتى نسائه بتلك الأفكار، ووصل داعشيو الفكر إلى مناصب عدة فى الدولة وحموا هؤلاء من العقاب وكانت النتيجة الطبيعية أن نجد من يلتمس العذر والتبرير للقاتل ، الذي أراه نتيجة طبيعية لكل ما سبق ، وبين القتيلة والضحية التي فتشوا عن أي سبب يبرر قتلها ، فهى من وجهة نظرهم المريضة ، مجرد أنثى ، فهل يقتل الذكر من أجل أنثى؟
كلنا شاركنا فى هذه الجريمة بالصمت والتواطؤ والخوف والجبن والمشى "جنب الحيط" فى كل شؤون حياتنا ، ولا نامت أعين الجبناء ، فقد تكون الضحية التالية هى ابنتك أو أختك أو زوجتك أو أمك ، فكلهن فى أعين الجبناء مجرد نساء!
-------------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني
من المشهد الأسبوعية