19 - 04 - 2024

اللعب بالنار

اللعب بالنار

مع استمرار الشقاق ما بعد الطلاق غير الحضاري ، برزت إشكاليات عديدة، كثر الحديث عنها، سواء في المعالجات القانونية أو النظرة الاجتماعية أو المخاطر النفسية أو التبعات على الذرية، من بينها رواج النبذ الاجتماعي للمطلقين والمطلقات بناء على تواتر قصص التخبيب ( التحريض المشبوه على الطلاق).

والنبذ الاجتماعي ، كما هو مرصود في مجتمعاتنا المصرية والعربية، جعل المطلقة، سيئة ومذنبة، و كلأ مباحا لكل من في قلبه مرض للتسلية والافتراس ان سنحت الفرصة ، و"خطافة رجالة"، أو محرضة من الدرجة الأولى لصديقاتها لطلب الطلاق أو الشقاق الدائم مع الزوج، بل وصل الأمر إلى خوف المطلقة من الطلاق بعد الزواج الثاني خشية مواجهة وصمها بأنها "متعددة الطلاق"، ولا شك أن المطلق ، لا يحظى بمثل تلك الكمية الكبيرة من النبذ ، ولكنه قد يتعرض لصدمات عديدة.

ولعل هذا التباين الحاد في النبذ بين الرجل والمرأة، يقف وراءه غياب الشرع الحنيف في تشكيل الوعي الجمعي للمجتمع أو حسم الخلافات فيه ، بجانب الموروث الاجتماعي السلبي الذي يلاحق النظرة للمرأة دون اعتبار لشرع أو خلق أو قيم ، بجانب تبرير النبذ بالخوف على مؤسسة الأسرة واستقرارها من عدوى الطلاق المنتشرة أو خطر التخبيب المتصاعد .

وهنا نلفت النظر إلى خطر التخبيب الذي مارسه بالفعل ، ولازال ، عدد لا بأس به من المطلقات والمطلقين، وفق ما هو مرصود ومتواتر من قصص، من أجل اقتناص فرصة جديدة بطريقة خاطئة، وهو ما ساهم في تعزيز النبذ الاجتماعي للمطلقات والمطلقين، وفق رأي البعض ، وهو ما يحتاج إلى دواء ومواجهة مثلما يحتاج النبذ الاجتماعي إلى علاج شامل ومتواصل.

إننا نحتاج إلى بذل جهد أكبر للتوعية قبل الزواج، والارشاد بعده ، والتثقيف لكل من اقترب من حافة الطلاق، عسى أن تتغير النظرة وتصبح الرخصة الشرعية في الطلاق، ليس أداة للتلاعب أو الانتقام او تصفية الحسابات أو الامتهان أو الهوى أو محض تجاوب مع التخبيب، ولكن فرصة حضارية ، لحياة جديدة  أو تفكير من جديد في استئناف العلاقة بشكل ايجابي بعد الابتعاد المؤقت دون ضرر ولا ضرار .

وإننا في حاجة إلى دعوة هؤلاء الذين يتورطون في التخبيب والتحريض على تفكيك البيوت ، إلى التوقف فورا، فهذه جريمة عظمى عند الله عز وجل ، وجريمة اجتماعية كبرى في منظومة العلاقات الإنسانية المثلى، بجانب أنها تساهم في تعزيز النبذ الاجتماعي لكل المطلقات والمطلقين، ما يعني أنه لعب بالنار يأكل يد مرتكبه قبل أن يطول شراره المجتمع.

إننا من أشد المؤمنين بأهمية الحفاظ على كيان الأسرة وقوة بينانها، ولكن إذا حضرت أسباب الافتراق ، فعلينا جميعا أن نوفر مناخا حضاريا لتجاوز اثاره على العائلات والمجتمع ، وترك أثر طيب لا يتبعه صراعات ولا تخريب، من أجل فراق حضاري لا يتبعه أزمات ، والله من وراء القصد.
-------------------------
بقلم: حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي





اعلان