مصيبة المصائب التي نعيشها في هذا العصر هي الشائعات عبر صفحات التواصل الإجتماعي، والتي لم تترك عاما أو خاصا إلا وتدخلت فيه، بخلاف أنها كشفت المستور، وأصبحت الناس فيها عرايا من كل شئ، إما بفعل فاعل أو برغبة الناس أنفسهم، فلم يعد هناك سر أو شئ مستور، فحياة الناس عامة أو خاصة أصبحت مشاعا أمام الجميع، وبابا مفتوحا للتدخلات التي ربما تصل إلى الخراب، وتدمير الأسر، والتدخلات التي هي في الغالب لا مبرر لها.
ودائما هناك متضرر أخير ويتحمل العبء الأكبر في الأزمات ومن الشائعات على صفحات "السوشيال ميديا"، ومساعي حملات تضليل الرأي العام، .. ونحن نعيش فصول الصيف وإنعكاسات درجات الحرارة على السلع وخصوصا الزراعية منها، ترتفع معها درجة الشائعات، بشأنها، دون تدقيق، ودون إدراك من هو المتضرر الأكبر.
والقضية الرئيسية هنا أن كثيرا من الشائعات ليس لها سند مقنع، ولو تفحصنا الشائعات في السنوات الأخيرة، سنجد أنها، وإن كانت تستهدف الحكومة، إلا أنها تمس الدولة بشكل رئيسي، ويتحملها المواطن في نهاية المطاف.
وعلى مدى أكثر من شهر لا يمر يوم إلا ونجد شائعات تصيب الاقتصاد الوطني في مقتل، دون إدراك من مطلقي الشائعات مخاطرها على المُنتج الصغير والكبير معا، بل الأخطر هي حالة تضليل المستهلك.
والسؤال المهم كيف يمكن لمواطن أن يستقبل شائعة، حول انتشار أنواع بطيخ وخوخ وطماطم وسلع أخرى، مسممة بمختلف الأسواق في الدولة، ومن هو المستفيد من هذه الشائعات، خصوصا أن فئات عريضة من المستهلكين قد يتأثرون بمثل تلك الأقاويل، ويعتبرونها حقائق مؤكدة.
ما يقلق في مثل تلك الأمور، ما سمعته من فلاح أكلته الشمس في نار حر الصيف ليتابع زراعاته، على مدار الساعة، قائلا، بعد كل التعب والجهد، يأتي مجهول أو قل "جاهل" مدعيا أن ما أزرعة هو "سم للناس"، مضيفا "والله من يقول هذا لا يعرف كيف يصل ما أزرعه للناس، ولا يعرف معنى "أن أقف من صلاة الفجر حتى غروب الشمس لأوفر له ما يأكله".
كلمات من قلب موجوع، وانسان مهموم، قالها عم "عيد" الذي يأتي يوميا، أو زوجته وبناته، من قريته في ضواحي الجيزة على "عربة كارو" إلى أسواق الجيزة، "دول يا أستاذ بيخربوا بيوتنا وبيوت ناس كثير ثانية"، ولا نُروح "نبور الأرض علشان يرتاحوا".
أزعجتني هذه الكلمات التي خرجت من فم تملؤه المرارة، والتي أُدرك معناها بإعتباري أعرف جيدا معني "الفلاحة" في الأرض، ولهذا كان من المهم الرجوع لأهل الخبرة والمصلحة والإختصاص، لنقف على حقيقة "الكلام".
الردود كادت تكون واحدة من الجميع على مثل تلك الشائعات، وأننا تعودنا عليها، مؤكدين أنهم أول من يأكلون من منتجاتهم، فليس هناك من يسمم نفسه من منتجات زراعية، من زراعة يده، والدليل أنه لم يتم تسجيل حالة تسمم من فاكهة أو خضار.
وفي المقابل، تشير عمليات الفحص والمتابعة أن جميع المنتجات والسلع الزراعية المتداولة بالأسواق سليمة تخضع لرقابة شديدة، وأنها خالية من أي متبقيات للمبيدات أو الكيماويات، ويتم إخضاعها لعملية رقابة وفحص دقيقين ومحكمة من هيئات الرقابة على جودة السلع الغذائية المصرية، للتأكد من مطابقتها لكافة المواصفات القياسية.
الخطر الحقيقي هو السم الذي يأتي من الشائعات فهناك 51 مليون فلاح يقعون تحت سيف مخاطرها، يصل حجم إنتاجهم السنوي لنحو 300 مليار جنيه، تعادل أكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي الذي تجاوز تريليوني جنيه، والضررالأكبر أيضا يقع على سوق تصديري لنحو 350 منتجاً زراعياً تصل إلى أكثر من 150 دولة حول العالم، تقترب قيمتها من 3 مليارات دولار.
ويبقى السؤال هل أدرك مطلقوا حرب سموم الشائعات خطر ما يقومون به على مثل هذه الأرقام؟!. ثم لماذا لم تعلن دولة محترمة أنها توقفت عن استيراد سلع مسمومة من مصر؟!..
لكم الله يا فلاحي مصر من أعداء كُثر.
--------------------------
بقلم: محمود الحضري
من المشهد الأسبوعية