19 - 03 - 2024

قاتل الأنبا أرسانيوس بالاسكندرية ليس مختلا عقليا

قاتل الأنبا أرسانيوس بالاسكندرية ليس مختلا عقليا

"يحيا العدل .. يحيا العدل" هكذا دوت الهتافات وارتسمت على الوجوه الفرحة مع ضحكات مبللة بالدموع داخل قاعة محكمة جنايات الأسكندرية يوم الاربعاء الماضى الموافق 18 مايو عند النطق بالحكم فى قضية مقتل القمص أرسانيوس وديد كاهن كنيسة السيدة العذراء فى الاسكندرية ، بإحالة أوراق المتهم المدعو نهرو إلى فضيلة المفتى ، ليختفى وصف من يقوم بقتل رجل مسيحى بالمختل عقليا من قاموس النيابة والذى ظل سنوات طويلة يتم اللجوء اليه درءا للفتن والذى كانت نتيجته هروب الجانى من العقاب الذى يردعه والحكم بدخوله مستشفى الامراض العقلية مما قد يتسبب فى استمرار ترويع المجتمع وتهديد أمنه وأمانه ، دون أن ينال الجانى العقوبة الرادعة بتخليص المجتمع من إجرامه وشروره .

جاء ذلك مغايرا لكل التوقعات التى اعتدنا عليها من قبل فى قضايا أخرى شبيهة راح ضحيتها شركاؤنا فى الوطن من الأقباط ، والتى حاول محامو الدفاع عن المتهم هذه المرة أيضا بجر المحكمة لتصدر حكمها فى تلك القضية على نفس المنوال ، حيث قال أحد المدافعين عن الجانى إن المتهم يجب أن يأخذ فرصته للتأكد من عدم إصابته بمرض عقلي ، وأيضا محامى آخر قال أنها اسرع محاكمة لم تتعد 15 يوما فقط لمراقبة المتهم ، وأنه من المفترض أن يظل تحت الملاحظة لمدة ثلاثة أشهر وهو مالم يحدث. وايضا ما قام به المتهم من حركات وأقوال وقراءة القرآن فى غير موضعه ليوحى للمحكمة بإصابته بخلل عقلى. وكذلك ما قاله ظابط التحريات أن المتهم قام بارتكاب جريمته دون التخطيط لها وفى لحظتها وهو مالم يقتنع به ممثل النيابة ولا هيئة المحكمة الموقرة.

وكان من الإنصاف بالفعل أن لا تأخذ هيئة المحكمة بكل تلك الدفوع أو الإنكار من الجاني الذى كان يقاطع هيئة الدفاع عن الضحية والشهود بعبارات تنم عن أنه قد ارتكب الجريمة وهوليس بكامل قواه العقلية ، كما لم تقتنع بالتقرير الطبى ولا بأقوال ضابط التحريات ، بينما ارتاحت هيئة المحكمة الى شهادة الشهود من الاول حتى الثامن عشر الذين ادلوا بشهاداتهم بكل صدق وثبات وهم يروون ماحدث بتأثر شديد  من هول ما شاهدوه ، من قفز الجانى وهجومه على الأنبا أرسانيوس وتوجيه طعنة قاتلة إلي رقبته ليقطع الوريد الرئيسى فى الرقبة فيرديه قتيلا فى الحال ، وأن ذلك جاء بعد أن اختار الجانى الوقت المناسب للانقضاض على رجل الكنيسة بأن انتهز فرصة خلو المكان وصعود الفتيات اللاتى كن يحطن بالقسيس إلى الأتوبيس أمام الممشى السياحى ، وأيضا انهماك القسيس فى إخراج صدقة من جيبه ليعطيها لأحد المتسولين الذى كان متواجدا فى ذلك الوقت.

ولو أننا قمنا بتقييم مرافعة النيابة العامة لاستحقت أن يطلق عليها مرافعة تاريخية يشار لها بالبنان ، حيث فجرت مرافعة النيابة عدة مفاجآت ، وهى أن الجاني وإخوته ينتمون لفكر الجماعة الاسلامية المتطرفة باستباحة الدم ، وأنه قد سبق إلقاء القبض على المتهم عدة مرات من قبل ، وأنه بعد خروجه من المعتقل ارتحل من بلده أسيوط إلى الإسكندرية وهو محمل بهذا الفكر البغيض ، وعندما عثر على سكين فى القمامة احتفظ بها ليدبر لجريمتة النكراء. وليتسبب بفكره المريض فى ترويع الناس ومنهم القسيس أرسانيوس وديد المعروف بطيبة القلب والوجه البشوش وقيامه بأعمال خيرية للمسلمين والمسيحيين معا ، وهو ما اتفق مع أقوال الشهود عن صفات رجل الدين الخلوق الذى رفض يوم الجريمة أن يتناول هو وأفراد الرحلة طعامهم إلا بعد أذان المغرب فى شهر رمضان الماضى ، كما انه لم يرفض طلبا للمتسول ليعطيه صدقة ، بينما كان الجاني ينتهز الفرصة للانقضاض عليه.

كما اعتبر ممثل النيابة عدم صحة التقرير الطبي ، فالمتهم بكامل قواه العقلية ويدرك تماما ما فعله ، علاوة على أنه قصد رجل الدين المعروف بزيه الكنسى وبضربة واحدة قوية فى موضع قاتل هو عنق المجنى عليه ، كما أنه يتحدث بمنطق سليم وينطبق هذا مع ما ورد فى أقوال الشهود من الأول حتى الثامن عشر ، مما يؤكد أنه قام بجريمته الشنعاء وهو قتل جرمته جميع الشرائع والأديان السماوية. ولذا إحقاقا للحق والعدل فى البلاد ، لابد من تطبيق أقصى العقوبة على هذا المجرم لإقصائه من المجتمع الآمن ، كما ذكر أيضا ممثل النيابة أن مصر بلد آمن وفى رباط ليوم الدين لكل من تسول له نفسه اتباع شيطانه وهواه .

والجدير بالذكر أن الجماعة الاسلامية تعد من أولى الجماعات التى حملت السلاح ورفعت شعار الجهاد المسلح ، ويرجع نشأتها فى مصر إلى أوائل السبعينات من القرن الماضى فى الجامعات المصرية على شكل جمعيات دينية لتقوم ببعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية فى محيط الطلبة ، وقد شهدت نهاية السبعينات وحتى التسعينات من القرن الماضى تورط الجماعة الاسلامية فى عمليات إرهابية عنيفة استهدفت بشكل أساسي رجال الشرطة والسياحة والأقباط. إلا أنه عام 1997 تم إطلاق مبادرة نبذ العنف ، ومراجعة تصحيح المفاهيم والإعلان عن نبذ العنف وفى المقابل تم الافراج عن معظم المعتقلين من كوادر الجماعة. ولكن على ما يبدو أن تلك المراجعات الفكرية لم يلتزم بها العديد من أعضاء الجماعة ، فعلى حد قول الدكتور ناجح إبراهيم قيادي الجماعة الاسلامية السابق أن هناك من رفض تلك المراجعات ، وفى اعتقادي أن منهم قاتل قسيس الاسكندرية أرسانيوس وديد رغم نفي الجانى الانتماء للجماعة الاسلامية ورغم شهود النفى من عدم تورط الجماعة الإسلامية أو انتماء المدعو نهرو إليها.
--------------------------
بقلم: هدى مكاوى
من المشهد الأسبوعية


مقالات اخرى للكاتب

قاتل الأنبا أرسانيوس بالاسكندرية ليس مختلا عقليا





اعلان