19 - 03 - 2024

بديل أمريكا الإسلامي.. للخلف در

بديل أمريكا الإسلامي.. للخلف در

كثير من الأخبار عندما تراه تظن أنها من "الكوميكس" الذي انتشر مع السوشيال ميديا، مبالغة ساخرة لا خبرا أو تصريحا منقولا عن قائله، كخبر رفع الإدارة الأمريكية لخمسة تنظيمات من لائحتها العالمية للإرهاب، نصيب مصر منها اثنان، الجماعة الإسلامية، وأنصار بيت المقدس المبايع لتنظيم "داعش".

نعم تحرك من الخارجية الأمريكية ينتظر موافقة الكونجرس ليصبح قرارا، مسوغه أن لا تأثير ولا وجود صار لهذه الجماعات على الأرض! وإن صح ذلك فإنه بفضل دماء ذكية سالت وشعب صمد، ومواجهة تحمل الجميع ثمنها طلبا لنصر على من أرادوا سرقة الدين والوطن معا.

يبدو أن إدارة الديمقراطيين وجدت الوقت سانحا؛ للعودة لمخططهم السابق وللانتقام معا، فهي لم تنس لمصر جيشا وشعبا العبث بمشروعهم، وتدمير سياسة وضعت مع بداية الألفية الثالثة، بتنسيق مع حزب العدالة والتنمية كنموذج يتم تسويقه باسم الديمقراطية في المنطقة.

ففتحت أمريكا حوارا مباشرا مع الإخوان في مصر؛ الذين منحوها وعودا صريحة بأن اتفاقية السلام مصونة، والكيان الصهيوني محمي، بل وأرض سيناء مفتوحة للفائض البشري الفلسطيني، وتسارعت الأحداث، كاد المشروع أن يكتمل، وصلت الجماعة لسدة السلطة في مصر.

نظام بظهير أتى عبر صندوق وقبول شعبي، نموذج أقرب وأقوى، يملك فروعا تمتد في البلدان المحيطة، وبالكيفية ذاتها تنتقل التجربة، فتتحول المنطقة لدول إسلام "معتدل"، لها رأس واحد يتم التفاوض والحسم معه، تحاكي النموذج التركي وتضمن كافة المصالح الأمريكية، لكن جاءت ثورة المصريين ضد حكم المرشد واسقاط الإخوان لتغير أوراق اللعبة، وتفرض واقعا مغايرا.

وها هو الحزب الديمقراطي يعود، ويرفع أكثر تنظيمين مسؤولية عن سقوط ضحايا من قوائمه الإرهابية، ما يطرح التساؤل عن دور أمريكا بالحرب على الإرهاب، ويعيد تساؤلا لا يغيب ولا يبرح مكانه عن تعريف الإرهاب، ومن هو الإرهابي؟ هل هو من يطلق الرصاص ويلقي القنابل ويفجر الأحزمة الناسفة، أم يأتي قبله ويسبقه من يتبنى العنف ويشرعنه ويزرع الفكر ويحشد العقول ويغيبها، ويليه من يحتضن ويمول ويدعم ويمنح الغطاء.

تساؤلات لا محل لها قياسا بمصالح غرب؛ يروج قادة الفكر وموجهي السياسية فيه لسلمية الإسلام السياسي، وحقه في المشاركة والوجود بصفته إسلاما معتدلا! وأغلبهم يدرك أنه أبعد ما يكون عن هذا وذاك.

فالجماعات الإسلامية لا تسعى للحكم إيمانا بتداول السلطة، وحفاظا على الدولة الوطنية الحديثة، بل لتغيير النظام وشكل الدولة والمجتمع ككل، وهي بهذا تدخل في إطار الحركات الانقلابية، وإن وصلت للسلطة بوسائل ديمقراطية وعبر صناديق الاقتراع.

كما أن الدولة عند عموم الإسلاميين، جهاديين كانوا أو سياسيين، لا تفرق كثيرا، فحقوق المرأة والأقليات والفن وغيرها من المقولات التي يتفوه بها أتباع الإسلام السياسي، لا تحمل نفس المضامين التي يعنيها الغرب، ويحتفظ مطلقوها بتقييدها طبقا للشريعة (كما يفعل قادة طالبان الآن، وحاول الإخوان أثناء حكمهم مصر)، لتبقى مجرد ادعاءات وعناوين تخدع الشعوب الغربية لتقبل أو تتفهم مساندة حكوماتها لهؤلاء ودعمهم.

فماذا لو قال هؤلاء أنه لا ولاية لإمرأة ولا ذمي، ولا حق لمسيحي في تولي مناصب قيادية ولا دخول الجيش، وعلى النساء الالتزام بزي معين في المحيط العام، ومنع الاختلاط في التعليم والعمل، ماذا لو أعلنوا بأن البنوك ربا والضرائب والبورصة نظام علماني محرم، وأن لولي الأمر وحكومته الوصاية على المجتمع وأفراده فيما يشربون ويأكلون ويلبسون، وأن تطبيق الشريعة والحدود من قطع اليد والرجم والجلد هي الفيصل بين دولة علمانية كافرة ودولة إسلامية منشودة!

لنعود لما هو معلوم من سياسة الغرب بالضرورة؛ أن المصلحة تتقدم على القيم والمبادئ والأخلاق، وليس ببعيد اتفاق أمريكا مع طالبان وتسليمها أفغانستان برعاية الكفيل القطري، مكتفية بوعد لم تتحقق! والأصل هو انسحاب مع ضمان حماية أمريكا ومصالحها، ولا عزاء لأفغان يعانون اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، وبلد يعود لقرابة خمسة عشر قرنا، لما قبل البعثة النبوية وليس بعدها.

ولندع جانبا ادعاء حقوق الإنسان التي لا تتخطى الإنسان الغربي، فالغرب العلماني هو من دعم تنظيم الإخوان الديني منذ نشأته، ومول مؤسسه لمواجهة الشيوعية، وهو من آوى كل هارب منهم وتكفيريين في مواجهة الأنظمة الحاكمة، وهو من دعم تأسيس القاعدة في أفغانستان، ولم يعترض طريق "داعش" إلا عند تهديد مصالحه.

كل هؤلاء وأولئك لا يعنون أمريكا إلا بقدر توظيفهم لخدمة مصلحتها، وليس بأقدر على خدمة هذه المصلحة من التيار الإسلامي، فوجوده يقسم المجتمعات ويضغط على الانظمة، وهو في الوقت ذاته من الاحتياج للتمكين ما يجعله قابلا للاستخدام ومنح التنازلات.

وإن كانت أمريكا بقرارها الآن ترفع الغطاء وتعطي ضوءً أخضر لعمليات تحاول العودة اليائسة، ليكون البديل هو القبول بعودة من يدعي السلمية والوسطية، فإن مصر تخطت مرحلة هدد فيها قادة الإخوان بأن الإرهاب في سيناء سيتوقف في لحظة عودة ما يسمونه شرعية، ومصر اختارت ان تواجه كليهما ونجحت، وليس من المنطق أو المقبول استجابتها لسياسة للخلف در، وتعود للمربع صفر بعد أن دفعت الثمن الباهظ راضية مرضية.
--------------------------
بقلم: سوزان حرفي

مقالات اخرى للكاتب

حلمي الجزار وهيئة منير وصراع الإخوان.. الشرعية لمن!





اعلان