26 - 04 - 2024

على باب الخمسين أقفُ..!

على باب الخمسين أقفُ..!

لا يمكن للمرء أن يقف على خمسة عقود دون أن يفكِّر في الحكمة، ولكن أيّ حكمة يمكن استخلاصها من زمن مغرم باللعب.. ؟ 

أحيانًا تبدو لي مفردة اللعب اختيارًا جيدًا وملائمًا لحركة هذا الزمان، والمؤكد أن الذي اخترعها رجل تجاوز الخمسين ولديه بعض حنين إلى الماضي، وهو يفكر في حاضره ومستقبله بكثير الهدوء والاطمئنان.  

   ولا أخفيكم، لقد أحببت الكلمة، حتى انني أقول لنفسي: النقد لعب مع النصوص، والناقد الجيد لاعب جيد، ونجوم عصرنا لاعبون ماهرون، في كرة القدم والسياسة والثقافة... في اللعب بعض اللهو وبعض العزاء، وأنا رجل أحب الحياة ولا يمكنني رؤيتها بعيدًا عن الموت.. الموت تاج الحياة وعنوانها الكريم، نحن نتدرب على محبته ليل نهار، نلمسه بأيدينا وأنّات قلوبنا، منذ تلك اللحظة التي نتابع فيها تساقط أوراق الأشجار في الخريف، مرورًا بتلك اللحظة التي تغادرنا فيها عين الحبيبة إلى حيث لا نعرف.. يرحل الأحبة تباعًا فنرحل معهم أو يرحل بعضنا معهم .. الموت الصغير تدريب يومي على الموت الكبير... وفي الموت اكتمال الحياة وانغلاق الدائرة. 

على باب الخمسين أقفُ..!

أعمل كاتبًا، وأشتغل بنقد النصوص، وأحب علامات الترقيم، إنها تمكنني من الحديث إلى القرُّاء بصوت مسموع.. الصوت مقولة كاملة الأوصاف، الصوت حياة، وبدونه تغدو الكلمات أشكالًا ورسومًا لا عمق لها. تحيا الكتابة بالصوت، ويحيا العشق بالنظرة..!

ومن بين علامات الترقيم أحبّ علامة الاستفهام أكثر، إنها علامة رحيمة، وهي دعوة للمشاركة، والمشاركة طلب للوصل، هي دعوة ظاهرة للكلام ... لنتكلم...! 

تختلف علامة الاستفهام عن النقطة في آخر السطر، النقطة قاسية؛ إنها إشارة إلى انتهاء الكلام، وإغلاق الموضوع، إنها يقين المتكلم المتسلط.. في علامة الاستفهام انحناءة خفيفة، إنها دعوة للكلام، وعطف بالرسم على منطوق الجملة، إنها تخبرك بأن الكلام ناقص، وأنه لا أحد يمتلك الحكمة، فالمتكلم لديه جزء يسير من الحكمة، ولديك – أيها القارئ الكريم - جزء آخر.. نحن في حاجة إلى بعضنا.. وإذن، فلنتكلم ..!

على باب الخمسين أقفُ..!

أُفكِّر في كل ما كتبته، تنتصب علامة الاستفهام الحنون على أغلفة الكتب، وأقول لنفسي: ألا يمكننا كتابة نقد آخر؟ 

نحن أبناء هذه الثقافة، ويجب أن نتعامل معها باحترام، كثير من النصوص لا يمكنك فهمها إذا لم تتعامل معها باحترام ومحبة.. المحبة وصل وغفران وفهم، وحين يقول العاشق لحبيبته: أنا أفهمك تمامًا، فهذا يعني أنه يحب ويغفر ويصل ويحلم أيضًا. 

على باب الخمسين أقف...!

أقول لنفسي: لا شيء يخلو من المعنى، وحين يصل المرء إلى الخمسين يكتسب كل ملامحه، يأخذ شكله النهائي الذي صاغته الحياة بعد خمسة عقود تتناثر على كتفيه..!

 لاحكمة لديّ، فقط أكتب بشعور طاغ بالمسؤولية، وأقول لنفسي:

الله غفور رحيم..!
---------------------------------
بقلم: د. محمد عبدالباسط عيد
(نقلا عن صفحة الكاتب على فيس بوك)

مقالات اخرى للكاتب

على باب الخمسين أقفُ..!





اعلان