29 - 09 - 2023

عاصفة بوح | الاقتداء بفقهائنا العظام

عاصفة بوح | الاقتداء بفقهائنا العظام

طغت على المجتمع المصرى مظاهر التدين الشكلي من زبيبة وسبحة وجلباب ونقاب وحجاب عصرى وآخر متشدد.. أفكار رجعية وأخرى ما بين وسطية وتقدمية.. التمسك بأقوال وأفعال السلف الصالح بالمسطرة، وأخرى تمثلت وتفهمت روح الشريعة وتغير الزمان وما يحتاجه من فقه حديث يجدد الحياة ولا يعاديها، مع الاحتفاظ قطعا بالثوابت القرآنية، أما فيما يخص الدنيا فالمسلمين أعلم بشؤون دنياهم نزولا على قول رسولنا الكريم فى حادثة تأبير النخل.

فى خضم كل ماسبق وما تعرضت له البلاد منذ السبعينات من أفكار غريبة على المجتمع المصرى ذى التدين الوسطى الجميل، من تطرف وغلو والخلط ما بين الشريعة (وهى أوامر ونواهى إلهية) وما بين الفقه البشرى وهو التفسير الإنسانى للنص القراني الذى هو اجتهاد شخص وعصر وبيئة اجتماعية وثقافية وعلمية وأراؤهم تلك ليست وحيا من السماء.. لذا هى قابلة للرفض أو الاعتراض والتشكيك، فهي بمثابة فكر إنسانى يقابله فكر إنسانى آخر، كلاهما ليس مقدسا ، ورغم ذلك جاء وقت وزمن بفعل فاعل أو جهل دينى أو توظيف سياسى للفكر الدينى لتختلط علينا المفاهيم لدرجة أنه تم خلط أعراف وتقاليد مجتمعات صحراوية لنلبسها رداء الشرع القرانى، مما أوقع كثيرا من المسلمين فى بئر هؤلاء المتنطعين وأصبحوا أسرى أفكارهم وضحايا تطرفهم، وانعكس كل هذا على المجتمع، انقسامات اجتماعية ودينية وتكفير بعضهم البعض وغابت فى خضم كل هذا روح الشرع الرحيمة، وتجمد الاجتهاد عند فقهاء بعينهم اجتهدوا وجددوا فى عصرهم، بينما تجمدنا نحن عند فكرهم.. كأنا عقمنا التفكير والاجتهاد وكأن العالم تجمد والزمن توقف عند أعتاب فكرهم وحدود حياتهم الغابرة، وكأن الحياة لم تتجدد وتتغير بعدهم - خاصة فى المئة سنة الماضية - بسرعة خيالية احتاجت بالضرورة إلى فقه يتماشى مع تطورها،  يصالحها ولا يعاديها، عملا بقول رسولنا الكريم: أنتم أعلم بشؤون دنياكم.. وهذا ليس خروجا عن الدين او طعنا وتغييرا فى الثوابت، إنما اقتداء بسيدنا عمر بن الخطاب رغم قربه من عهد الرسول، إلا أنه جمد العمل بنصوص معينة لانتفاء سببها كتوزيع الغنائم على المؤلفة قلوبهم ومنع زواج المتعة ومنع قطع يد السارق فى عام المجاعة واقتناء العبيد والجوارى. وكلها أفكار من بنات عصرها ولها ظرفها الخاص وتدل على أن النصوص ليست جامدة وليست أبدية، بل مرنة وتلبى حاجات وظروف المجتمع.. على أن يعاد تفعيل نفس النصوص السابقة إذا ماعادت أسبابها مرة أخرى، وذلك فيما هو بعيد عن أركان الإسلام وثوابته، حتى لا يصطاد المتنطعون فى الماء العكر ويبعدوننا عن مقاصدنا الحقيقية. 

وأكبر ما يحتاج إلى إعادة النظر والتفكير، هو مايقال عن إجماع كبار العلماء! مرة أخرى هذا ليس مقدسا ولا وحيا من السماء، إذن لماذا نفرض قداسة عليهم ونكفر من يخالفهم رغم أنه اجتهاد انسانى محترم فى زمنه.. إذن نحتاج إلى اجتهاد إنسانى محترم وفقه جديد يواكب تغييرات العصر ويلبى احتياجات المجتمع من علمائنا المعاصرين المجتهدين المخلصين المقتدين بالفقهاء العظام، وليس فقهاء السلاطين.. ولا أسرى فكر جماعات الإسلام السياسى ولا الفكر المجرم لداعش وأمثالها، ولا فكر الجهل والخوف والتطرق إلى سفاسف الأمور التى اضطر لها بعض العلماء عندما تم منعهم من التصدى للأفكار الجادة مثل حق الناس فى مال الدولة ، وإلزام الشورى للحاكم ومثلها من الأفكار، حيث تم سجنهم وتعذيبهم، فلم يجدوا أمامهم إلا الوقوع فى فقه أوقات الفراغ اللعين .. الذى بعد عن الإسلام الصحيح وحول حياة المسلمين إلى عذاب مقيم فى حياتهم العصرية الحالية. 

أتمنى أن يكون كلامى هذا دافعا لفقهاء وعلماء الأمة، بعقولهم المستنيرة وفكرهم المتغير أن يساعدونا في الالتزم بتعاليم ديننا الصحيح.. وبأن نعمل عقولنا فى كل ما يفيد حياتنا ومجتمعنا ومستقبل أولادنا. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد!  
-----------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني
من المشهد الأسبوعية

   

  

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح| عودة المؤامرة


اعلان