المرأة التى رسمها الفنان أعطت ظهرها للمشاهد.. تحركت عيناك تبحث مثلها عن مستقر.. تحتمى بالظل.. تغوص فى أعماق لون وضوء.. مسافات بين الحقيقة والخيال.. هذا الغموض يفتح الأبواب لأسئلة كثيرة.. إقرأ.. فك الرموز لا تخف.. وامض كما تأخذك الإتجاهات.. ربما تجد الحقيقة.
استخدم الفنان الألوان الزيتية فى تشكيل عالمه الذى إستلهمه من الواقع والأسطورة، وإستعان بالرموز التى شكلت ثقافات الناس، مثل تناوله للسمكة رمز الخير والرزق، ليطرح لنا رؤيته التعبيرية المبنية على عالم ميتافيزيقى يشكل معظم أعمال الفنان عبدالرحيم شاهين الذى ربط عالمه بحالته الغريزية، ومكتسباته المعرفية التى تمثل التاريخ بكل ما يحمله من حكايات حقيقية وخيالية، وإهتم بالتوفيق بين الحالتين (الغريزة والتاريخ) من خلال تحقيق التوازنات فى التشكيل والتلوين، وتأكيداته على الحضور الضوئى والظلى الذى يحقق الإيقاع والحركة.
وإهتم فى معظم لوحاته بتناول الألوان الدافئة الكثيفة لتأكيد الكتلة المتمثلة فى المفردات الأساسية التى تهديك الى التكوين الكامل للعمل الفنى بكل تفاصيله ولكن من خلال نافذتها. ويهدأ هذا الدفء عندما يتناول الخلفية، والتى تظهر بها السحب أو البحار بألوان باردة. حالة من تحقيق التوازنات بحرفية فنان ذكى على وعى بالحالة المزاجية للمشاهد، وبتأثيرات الألوان وقدرتها على تغيير تلك الحالة.
وتظهر المرأة فى معظم أعمال الفنان وهى تولينا ظهرها وكأنها تغرينا بالبحث عما تبحث عنه، أو تواجهه، والنظر فيما تنظر إليه أو يشغلها لتكتمل الرؤية ولا نتوقف عند حدودها، فجسد المرأة فى حوار دائم مع عناصر رمزية قد نتعرف عليها وقد لا نجد لها أصلا فى الواقع، ففى إحدى اللوحات توجد المرأة وسط دوامة لونية وشعرها يتطاير فى حين تحتضن كائنا غريب المعالم، وفى لوحة أخرى تظهر إمرأتين عاريتين بجسديهما المصنوع من الحجر تسبحان تحت الماء ويقترب منهما حيوان بحرى غريب المعالم أيضا. هل هى علاقة بين المرأة ومصيرها، وما يواجهها من مشاكل فى حياتها. هذا العالم الأسطورى الذى يأخذنا اليه الفنان ليكشف لنا موقفه الإيجابى من المرأة، حين يكشف ما تواجهه من كائنات متوحشة، كما يظهرها فى لوحات كثيرة تطل علينا هى والسمكة رمز الرزق، فالمرأة محور إساسى فى معظم لوحات الفنان، وإن أشاحت لنا بوجهها. الا أنها تسيطر بتفاصيل جسدها الأكبر حجما بين كل عناصر اللوحة.
يتفاعل اللون فى لوحات شاهين لتجسيد المشاهد وتأكيدها بالظل والنور المبالغ فيه أحيانا ليؤكد حالة الخصوبة على مفردات بعينها لتأخذ دور البطولة، ويقوم الضوء بدور كاشف لتلك المناطق أيضا التى تؤكد الحالة التى يبحث فيها الفنان.
ولد عبدالرحيم شاهين بمحافظة قنا عام1953، ورحل اليوم الأحد 24 إبريل 2022. 23 رمضان فى هذه الأيام المفترجة. تخرج من كلية التربية الفنية عام 1976، وحصل على درجة الدكتوراة فى فلسفة الفنون عام 1986. أقام العديد من المعارض داخل وخارج مصر، وحصل على العديد من الجوائز منها: جائزة الإبداع فى صالون الأعمال الفنية الصغيرة الثالث 1999، والجائزة الأولى تصوير فى مهرجان أعياد سيناء 1999، وجائزة الشراع الذهبى فى فعاليات مهرجان المحرس بتونس2003، وجائزة الابداع لفنون الشرق الاوسط - بوسطن - أمريكا، وجائزة التفوق التكنيكى-المكسيك. وللفنان مقتنيات بمتحف الفن الحديث بمصر وبغداد، ووزارة الإعلام بالسعودية، ومتحف الشارقة للفنون، وغيرها من المتاحف العالمية ولدى الأشخاص بمصر والخارج.
---------------------------------
بقلم: د. سامى البلشى